2024-10-07 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

إعلام «منزوع الضمير»!

حسين الرواشدة
جو 24 : فجأة تحوّل الاعلام المصري، القومي والخاص، من ناطق باسم الشعب وممثل للضمير العام الى “بوق” للعسكر، كنت –بالطبع- اتوقع ان تكون ثمة اقلام ومنابر وشاشات قد وظفت نفسها للدفاع عن مواقفها، او –حتى- للانحياز الى “المنتصر” لكنني لم اتصور ان يتخلى الجميع – مع استثناء عدد لا يزيد على اصابع اليد الواحدة- عن ابسط اخلاقيات العمل المهني، وان يتحرروا من وازع الضمير الانساني، لكي يمارسوا اسوأ ما يمكن ان تسمعه من “انحطاط” اخلاقي في شيطنة خصومهم السياسيين وابناء جلدتهم ممن يختلفون معهم في الموقف والرأي.

ضحايا الانقلاب الذي حدث في مصر ووصلت اصداؤه الى عالمنا العربي ليسوا فقط الديمقراطية والاخوان المسلمين ورئيسهم المنتخب ولا الشعب المصري الذي ظن انه ودع عصر الانقلابات والاستبداد والظلم وانما الضحية الاولى هو “الضمير الاعلامي” الذي يفترض ان يكون “حارسا” للقيم الانسانية ومدافعا عن اصوات الناس واحلامهم وحقوقهم، هذا الضمير الذي لطالما خدعنا اصحابه من الليبراليين واليساريين والقوميين بالنضال من اجل الحرية والكرامة والحق الانساني في الاختلاف والتنوع، سقط تماما في اول امتحان واجهه وانكشفت كل “الاغطية” التي لطالما تخفّى بها، واثبت بما يقطع الشك انه نموذج للانتهازية وموظف في “بلاط” المصلحة، ومصاب بحالة من “الشيزوفرينيا” البائسة.
حين تدقق في خطاب هؤلاء الذي ابتهجوا لمشهد الدم، وادانوا الضحايا وصمتوا على “فجور” السلطة، وانحازوا للاستبداد والظلم، ولم يخجلوا من تزوير الحقائق والوقائع تكتشف على الفور هذا “البئر” العميق من الكراهية التي استأثروا بها، والتحريض الذي اتقنوه والخطاب الفاسد الذي توحدوا عليه وكأن مئات من الضحايا الذين قتلوا بدم بارد ليسوا مصريين ولا بشرا، او كأن شركاءهم في “الوطن الواحد” مجرمون يستحقون الطرد والاعدام، او كأن الثورة التي ركبوا موجتها تسمح لهم بممارسة هذه “الشماتة” والتشفي باخوانهم، او كأن انتصارهم على فرقائهم “بعصا” العسكر مناسبة للبهجة بالتحرر والاستقلال، ويا ليت انه انتصار ضد العدو المشترك او ضد من اغتصب السلطة وافسدها ولكنه ضد جزء من الجماعة الوطنية وضحايا – مجرد ضحايا- للعبة مكشوفة.
هؤلاء المحسوبون على الليبرالية والقومية واليسار، لا علاقة لهم اطلاقا بهذه القيم التي خدعوا الناس بالدعوة والانتساب اليها، ولا علاقة لهم “بالضمير الانساني” الذي يفترض ان تحركه مشاعر التعاطف مع الضحية، وانصاف الرأي الاخر، الانتصار لأصوات الناس حين تعبر عن حقها الطبيعي في مقاومة الظلم والاعتداء.
افهم ان يقال بان كتائب الاعلام المحسوبة على الفلول او على البزنس المرتبط بنظام مبارك او حزب “الطرب” الذي لا يعجبه نظام الاسلاميين يدافعون عن مصالحهم ويغطون على الجرائم التي ارتكبت بحق خصومهم السياسيين لكن ما لا افهمه هو ان يغيب “صوت الضمير” الاعلامي تماما عن المشهد، فلا نسمع احدا ممن كان يهلل للديمقراطية والحرية ويرفض الاستبداد وحكم العسكر ولا نرى على الشاشات الا “ضجيجا” على ايقاع بث الكراهية والتحريض ضد الاخر والدعوة الى “قتله” في الوقت الذي لا تخجل فيه هذه الاصوات من اتهام “الضحية” بأنه الجلاد وتحميله مسؤولية “العبث” واخراجه من الملة الوطنية.
لقد سقط الاعلام الناطق باسم “الليبرالية” في واقعة جامع الاسكندرية وفي المنصورة وفي النصر ورابعة العدوية وكأن هؤلاء الذين قتلوا ببنادق السلطة لا يستحقون “النفي” ولا تتسع الاخبار للتنويه بالمجازر التي تعرضوا لها، وكأن ضميرهم “الانساني” مات تماما حين مرّت امامه مثل هذه المشاهد الدموية التي لا يسكت عليها انسان، مجرد انسان.
لا ادري من اية “تربة” ثقافية خرج هؤلاء، ولا الى اية “قيم” حضارية ينتسبون، هل يدافعون عن “الوطنية” بمنطق ابادة من يختلفون معهم في الدائرة الوطنية؟ هل يتبنون خطاب “الثورة” بمنطق “الانقلاب” على الثورة وتجريدها من اسمى اصلاحها وانجازاتها؟ هل يتصورون بان “تذاكيهم” على الناس “بالتزييف” سينطلي عليهم وسيحولهم الى “ابطال” في عيونهم”؟
كان يمكن للاعلام ان يكسب المعركة ما بعد الانقلاب لو انه انحاز لنداء “الضمير العام” ووقف الى جانب الحقيقة ولم يتورط في لعبة التضليل، لا اقول ان يقف مع “الاسلاميين” فلا احد مبرأ من الخطأ، وليس مطلوبا من الاعلام ان ينحاز لطرف على حساب آخر، وانما كان يفترض من “حراس” شرف المهنة ان يكونوا “دعاة” وفاق وتوافق، ومنابر انصاف، ومروجي محبة لا كراهية، وسلطة مستقلة تكيل بمكاييل المهنية والموضوعية وتلتزم بقواعد السلوك العام واخلاقيات العمل الاعلامي النزيه، لكنها للأسف وقعت في “فخ” القهر، واستقالت من وظيفة الضمير العام، وانكشفت تماما امام المجتمع، فلم يعد بوسعه ان يثق بها او ان يأتمنها على قضاياه التي ناضل من اجلها واختطفها ادعياء باعوه وباعوها بأبخس الاثمان.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير