2024-04-16 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

رئة الوطن اعياها انقطاع الاكسجين!!

حاتم الأزرعي
جو 24 :


ما حدث في مستشفى السلط الجديد فجر يوم السبت ، كارثة ترقى الى مستوى الجريمة !!.

نعم . هي جريمة نكراء اغضبت الاردن قيادة وشعبا، ولم تأت من فراغ ،او سوء الحظ والطالع ، بل انها نتيجة حتمية لمدخلات ومقدمات ، لطالما حذر عديدون من مخرجاتها ونتائجها الوخيمة على القطاع الصحي ومتلقي خدماته في انحاء المملكة كافة .

في مسرح الجريمة ،وقريبا من ارواح الضحايا واجسادهم المسجاة على وقع الذهول وهول المصاب ، كان الملك حاضرا ،والغضب بركانا يتفجر تعابير الم وحزن واستنكار ورفض وادانة وعدم تصديق لما حدث من قطع لاكسجين الحياة على يد الاهمال والتقصير وفساد النفوس والتلكوء عن اداء الواجب المهني والانساني.

فاجعة السلط اوجعت قلوب الاردنيين ، وحركت عاصفة من الرفض المطلق لنهج الترقيع ورتق الثوب البالي مرارا وتكرارا ، منذ سنوات دون طائل ، وهذه الفزعة في اقالة وزير الصحة ، واعتذار رئيس الوزراء على الملأ وتحمل المسؤولية عما جرى ،وتوقيف مدير المستشفى ومساعديه على ذمة التحقيق ،لم تطفئ الغضب او تبرد النار المشتعلة في القلوب الموجوعة.

وتعبيرا عن الغضب ، خرق الاردنيون الحظر المبكر في يومه الاول، إن لم يكن جسديا فمعنويا وخرجوا بشعارات طالبت باقالة الحكومة ، وتغيير النهج القائم على توريث الحقائب الوزارية والمحاصصة على اسس فاسدة ،ومحاسبة المهملين والمقصرين والفاسدين، واتخاذ اجراءات اصلاحية جوهرية في المجالات كافة ،لا مجرد هبات دعائية شكلية لامتصاص غضب في لحظة دامية .

عود على بدء ، ما حدث في السلط، لم يكن مفاجئا ، بل انه كان متوقعا ، في اي لحظة ومكان، استنادا لتحليل الواقع ومعطياته البادية لعيون كل من يتابع الشأن الصحي ويدقق النظر في مجريات الامور .

فقد كان واضحا وضوح الشمس ان هناك من يجر القطاع الصحي العام عموما ومستشفيات وزارة الصحة خصوصا نحو الهاوية، لا بل انني كتبت في مقالة منشورة قبل مده قصيرة ان مستشفيات الوزارة تقف على حافة الهاوية .

نعم . مستشفيات الوزارة على حافة الهاوية ، إن لم تكن تجاوزت الحافة فعلا بما تعانيه من نقص حاد في الكوادر الطبية والتمريضية والفنية والإدارية المؤهلة ،ولا سيما نقص اطباء الاختصاص ،فضلا عن البنية التحتية المتهالكة للمستشفيات والمراكز الصحية ، وعدم تجديد الاجهزة والمعدات الطبية ونقصها وحاجة الغالبية منها للصيانة، ناهيك عن نقص الاسرة في ظل التزايد المضطرد لعدد السكان وانتشار الامراض والاوبئة، ونقص الادوية المزمن.

ولطالما حذرنا من التوجه المستمر للتوسع في احالة الكفاءات من اطباء الاختصاص على التقاعد، في ظل هجرة الكفاءات الطبية، ونقص اعداد اطباء الاختصاص، ومن المؤكد ان النهج القائم على افراغ الوزارة من الكفاءات الطبية يعتبر الخطوة الاهم والابرز للقضاء على المستشفيات التابعة للوزارة ،ودق المسمار الاخير في نعشها .

ما حدث في مستشفى السلط ، نأمل عدم تكراره في مستشفيات غيره تابعة للوزارة ،وان كانت المدخلات ترشح بقوة احتمالية انفجار كارثة في اي لحظة ، ولعل هذا الهاجس المرعب دفع مجلس الوزراء لاعلان حالة الطوارئ في مستشفيات وزارة الصحة للوقوف على مدى جاهزيتها ، فهل ينفع العليق عند الغارة ؟ بالتأكيد لا !! . حذار حذار ، من تكرار الكارثة والمأساة ، فمن يزور مستشفيات الوزارة يشعر بالحزن والاسى، لما ال اليه وضعها، وفي الميدان اصوات حق ، لا تصغي اليها الوزارة، وتعبر عن الخشية من مزيد من التراجع، وضعف الخدمات التي تقدمها المستشفيات .

تواجه مستشفيات الوزارة ضغطا شديدا ، فاقمته ازمة تفشي فيروس كورونا، وتتحمل كوادرها اعباء ثقيلة، وتعاني من الاهمال والتهميش، ويصبرون ويثابرون في الصمود ومكافحة الوباء بصدور عارية، ولا يطالبون الا بأقل القليل وهو توفير وسائل الوقاية من الفيروس ليس اكثر، ولا يجدون اذان صاغية .

كارثة مستشفى السلط الجديد ، تظهر مدى الهشاشة التي وصلت اليها وزارة الصحة ، وما حدث في المستشفى ليس الا قمة جبل الجليد ،فالغاطس منه اوسع واعمق ، والوزير الذي شغل نفسه بالدفاع المستميت عن مدير مكتبه لحمايته من الإحالة على التقاعد في الوقت الذي بطشت الوزارة بكفاءات دون ان يرمش لها طرف عين مسؤول مباشرة عن الكارثة ،وليست مسؤوليته أدبية واخلاقية وسياسية فحسب .

كارثة مستشفى السلط شوهت صورة نظامنا الصحي ،وادمت قلب الاردنيين ، ولا يكفي اقالة هنا وتوقيف هناك ،مطلوب اليوم إعادة فك وتركيب لوزارة الصحة ، التي تعاني من ترهل شديد ،وادارات اوصلتها للحضيض ، دون ان يحاسبها احد ، فنحن نغير الوزير ويبقى طاقم الادارة نفسه لسنوات طويلة ، وهذا يفسر الفشل المستمر الذي يلقينا في قلب العاصفة ،ويجعل الكارثة تحصيل حاصل لا نجاة منها .

خلاصة القول ان" الصحة " رئة الوطن وقد اعياها انقطاع الاكسجين ،واعتذار الرئيس وتحمله المسؤولية وخجله لا يعيد اليها الحياة .
 
تابعو الأردن 24 على google news