الكراهية تأكل أبناءها..!
حسين الرواشدة
جو 24 : هل يكرهون “الاسلاميين” لأنهم وصلوا للحكم أو اخطأوا في ادارة الدولة؟ أم يكرهون المشروع الاسلامي السياسي؟ أم أن لهم موقفاً معادياً “للدين” ايضاً؟
اذا اعتبرنا بأن “الكراهية” احساسا أو تحريضا، ليست وجهة نظر وانما جريمة، لا تنسجم مع الاخلاقيات الانسانية ولا مع قواعد الاختلاف والخصومة السياسية، فهي اذن مدانة ومرفوضة مهما كانت مقاصد وحسابات الذين يروجون لها، ومهما كانت ألوانهم الفكرية والسياسية.
اذا اتفقنا على ذلك، وعلى أن “الجراح” العميقة التي تسببها الكراهية في المجتمعات أخطر بكثير من “الخسائر” السياسية التي يتحملها هذا الطرف أو ذاك، فان الاجابة على سؤال المستهدف والمقصود من الكراهية تحتاج الى مزيد من التدقيق، فليس صحيحاً أن كل من وقف ضد الاسلاميين يكره المشروع الاسلامي أو الدين عموماً، كما انه ليس صحيحاً أيضا أن بعض الذين “تشفوا” من ازاحة الاسلاميين عن السلطة أو ابتهجوا “لضربهم” من ازاحة الاسلاميين عن السلطة “خصومتهم” السياسية معهم، ذلك أن من بين هؤلاء من لا يوافق أصلاً على الحضور الديني في أي مجال عام، كما ان من بينهم من “يكره” الاسلام ولا يسعده أن يرى مظهراً من مظاهره في المجتمع.
كما أنهم ليسوا “سواء” فان الاسباب التي دفعتهم الى ممارسة مثل هذه المواقف التي تنم عن اسوأ انواع الانحرافات السلوكية لا السياسية فقط، تبدو مختلفة ايضاً، منها ما يتعلق - مثلا - بحالة الخصومة مع “الدين” تبعاً لموقف ثقافي أفرز مشروعاً استلابياً مستورداً يعتبر “الدين” دليلاً على التخلف، ومتعارضاً مع الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان، وبالتالي فان الحداثيين الذين يتبنون هذا الموقف السياسي والثقافي يعبرون عن مشروعهم الذي لا يرى “خلاصاً” للأمة الا من خلال انتزاع دينها وهويتها والحاقها بالآخر الذي “تقدم” حين فعل الأمر نفسه.
من الاسباب ايضا ما يتعلق “بحسابات” سياسية يرى اصحابها ان ازاحة “الاسلام” عن المشهد السياسي واقصاء من يحملونه هو أقصر طريق لوصولهم الى السلطة، ويعتقد بعض هؤلاء ان “الاسلاميين” لا يصلحون للحكم ولا يؤمنون بالديمقراطية، وان استخدموها مرحلياً، ولذلك فان اقامة الديمقراطية يجب ان تبدأ بحرمانهم منها ومنعهم من “خداع” الناس “المتدينين” باسمها.
من الاسباب ايضا ما يتعلق “بالآخر” الاجنبي الذي يدعم فكرة “القبض” على الاسلام، ومنعه من الامتداد، وتكييف “مشروعه السياسي” وفق مقاسات ومصالح غربية خاصة، وبالتالي فان بعض “النخب” الوطنية التي تتبنى هذه الفكرة ليسوا اكثر من “أدوات” لتنفيذها، أو “موظفين” في تلك الدوائر الغربية، سواء بارادتهم أو بسبب “الوعي” الزائف الذي شكل لديهم جراء حملات “التبشير” بالتبعية والاندهاش بالآخر، وانكار هوية الأمة وقدرتها على النهوض.
ثمة سبب آخر، وهو ان معاداة “الاسلامي السياسي” كان افرازاً طبيعياً لحالة “التدين” المغشوش الذي تضافرت على انتاجه عوامل دينية وسياسية واجتماعية متعددة، حيث يعتقد بعض “المتدينين” أن السياسة ليست جزءاً من الاسلام، وان ممارستها “رجس” من عمل الشيطان، وان الذين يمارسون السياسة مجرد أشخاص انتهازيين وربما “لا وطنيين” وبالتالي فان هذا النمط من التدين الذي يعتقد أتباعه بأن “الايمان” عنوانه اصلاح الفرد وخلاصه من خلال علاقته مع الله تعالى لعمارة الدار الآخرة، اما اصلاح المجال العام من خلال السياسة فهو من مهمة “ولي الأمر” الذي لا يجوز الخروج عليه، وقد دعمت بعض انظمة الحكم هذا التيار، ووظفته “لمعاداة” الاسلام السياسي وتقويض شرعيته لدرجة ان البعض “يتدين” بشتم “الاسلاميين” الذين ينخرطون في العمل السياسي، وهذا البعض قد يكون من المتشددين، وقد يكون من “المتصوفين” أو من غيرهما من التيارات التي لها موقف سلبي من السياسة.
ثمة سبب يتعلق ايضاً بالذين يمارسون العمل السياسي، أو بالضحايا الذين يسألون انفسهم: لماذا يكرهوننا؟ وهذا يعود الى أداء العاملين في ميدان “الاسلام السياسي” حيث ساهم خطابهم المنغلق وعدم قدرتهم على الوصول للمجتمعات واقناعها بالاسلام الصحيح الذي تشكل السياسية جزءاً منه، وسوء “تجاربهم” واخطائهم في الحكم، وداخل “تنظيماتهم” ايضا في انتاج مشاعر “سلبية” واحياناً عدائية ضدهم، وبالتالي فانهم يتحملون جزءاً من مسؤولية هذه “الكراهية” وان كانت غير مشروعة سياسياً وانسانياً.
مهما تكن الاسباب فانه من المؤسف - حقاً - ان يسقط البعض في “بئر” الكراهية، وان يهبط خطاب هؤلاء الى هذا الدرك المنحط في الترويج لها، لأن من يدفع ثمنها ليس “النخب” المتناحرة سياسياً وثقافياً، وانما المجتمع الذي لا يمكن ان تقوم له قائمة اذا استشرت فيه الضغائن والاحقاد وانتشرت داخله دعوات الاقصاء والتخوين والتكفير السياسي والديني ومحاولات “الشطب” والالغاء.
لقد تورط اخواننا اليساريون والليبراليون والقوميون في واقعة الترويج “للكراهية”، وتحولوا الى معاول هدم لكل ما أنجزته الشعوب في ثوراتها، حتى أنهم أصبحوا لا يطيقون أي صوت “عاقل” حتى ولو كان محسوباً عليهم، ولعل ما حدث للبرادعي أكبر دليل على أن “الكراهية” تأكل حتى أبناءها!
الدستور
اذا اعتبرنا بأن “الكراهية” احساسا أو تحريضا، ليست وجهة نظر وانما جريمة، لا تنسجم مع الاخلاقيات الانسانية ولا مع قواعد الاختلاف والخصومة السياسية، فهي اذن مدانة ومرفوضة مهما كانت مقاصد وحسابات الذين يروجون لها، ومهما كانت ألوانهم الفكرية والسياسية.
اذا اتفقنا على ذلك، وعلى أن “الجراح” العميقة التي تسببها الكراهية في المجتمعات أخطر بكثير من “الخسائر” السياسية التي يتحملها هذا الطرف أو ذاك، فان الاجابة على سؤال المستهدف والمقصود من الكراهية تحتاج الى مزيد من التدقيق، فليس صحيحاً أن كل من وقف ضد الاسلاميين يكره المشروع الاسلامي أو الدين عموماً، كما انه ليس صحيحاً أيضا أن بعض الذين “تشفوا” من ازاحة الاسلاميين عن السلطة أو ابتهجوا “لضربهم” من ازاحة الاسلاميين عن السلطة “خصومتهم” السياسية معهم، ذلك أن من بين هؤلاء من لا يوافق أصلاً على الحضور الديني في أي مجال عام، كما ان من بينهم من “يكره” الاسلام ولا يسعده أن يرى مظهراً من مظاهره في المجتمع.
كما أنهم ليسوا “سواء” فان الاسباب التي دفعتهم الى ممارسة مثل هذه المواقف التي تنم عن اسوأ انواع الانحرافات السلوكية لا السياسية فقط، تبدو مختلفة ايضاً، منها ما يتعلق - مثلا - بحالة الخصومة مع “الدين” تبعاً لموقف ثقافي أفرز مشروعاً استلابياً مستورداً يعتبر “الدين” دليلاً على التخلف، ومتعارضاً مع الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان، وبالتالي فان الحداثيين الذين يتبنون هذا الموقف السياسي والثقافي يعبرون عن مشروعهم الذي لا يرى “خلاصاً” للأمة الا من خلال انتزاع دينها وهويتها والحاقها بالآخر الذي “تقدم” حين فعل الأمر نفسه.
من الاسباب ايضا ما يتعلق “بحسابات” سياسية يرى اصحابها ان ازاحة “الاسلام” عن المشهد السياسي واقصاء من يحملونه هو أقصر طريق لوصولهم الى السلطة، ويعتقد بعض هؤلاء ان “الاسلاميين” لا يصلحون للحكم ولا يؤمنون بالديمقراطية، وان استخدموها مرحلياً، ولذلك فان اقامة الديمقراطية يجب ان تبدأ بحرمانهم منها ومنعهم من “خداع” الناس “المتدينين” باسمها.
من الاسباب ايضا ما يتعلق “بالآخر” الاجنبي الذي يدعم فكرة “القبض” على الاسلام، ومنعه من الامتداد، وتكييف “مشروعه السياسي” وفق مقاسات ومصالح غربية خاصة، وبالتالي فان بعض “النخب” الوطنية التي تتبنى هذه الفكرة ليسوا اكثر من “أدوات” لتنفيذها، أو “موظفين” في تلك الدوائر الغربية، سواء بارادتهم أو بسبب “الوعي” الزائف الذي شكل لديهم جراء حملات “التبشير” بالتبعية والاندهاش بالآخر، وانكار هوية الأمة وقدرتها على النهوض.
ثمة سبب آخر، وهو ان معاداة “الاسلامي السياسي” كان افرازاً طبيعياً لحالة “التدين” المغشوش الذي تضافرت على انتاجه عوامل دينية وسياسية واجتماعية متعددة، حيث يعتقد بعض “المتدينين” أن السياسة ليست جزءاً من الاسلام، وان ممارستها “رجس” من عمل الشيطان، وان الذين يمارسون السياسة مجرد أشخاص انتهازيين وربما “لا وطنيين” وبالتالي فان هذا النمط من التدين الذي يعتقد أتباعه بأن “الايمان” عنوانه اصلاح الفرد وخلاصه من خلال علاقته مع الله تعالى لعمارة الدار الآخرة، اما اصلاح المجال العام من خلال السياسة فهو من مهمة “ولي الأمر” الذي لا يجوز الخروج عليه، وقد دعمت بعض انظمة الحكم هذا التيار، ووظفته “لمعاداة” الاسلام السياسي وتقويض شرعيته لدرجة ان البعض “يتدين” بشتم “الاسلاميين” الذين ينخرطون في العمل السياسي، وهذا البعض قد يكون من المتشددين، وقد يكون من “المتصوفين” أو من غيرهما من التيارات التي لها موقف سلبي من السياسة.
ثمة سبب يتعلق ايضاً بالذين يمارسون العمل السياسي، أو بالضحايا الذين يسألون انفسهم: لماذا يكرهوننا؟ وهذا يعود الى أداء العاملين في ميدان “الاسلام السياسي” حيث ساهم خطابهم المنغلق وعدم قدرتهم على الوصول للمجتمعات واقناعها بالاسلام الصحيح الذي تشكل السياسية جزءاً منه، وسوء “تجاربهم” واخطائهم في الحكم، وداخل “تنظيماتهم” ايضا في انتاج مشاعر “سلبية” واحياناً عدائية ضدهم، وبالتالي فانهم يتحملون جزءاً من مسؤولية هذه “الكراهية” وان كانت غير مشروعة سياسياً وانسانياً.
مهما تكن الاسباب فانه من المؤسف - حقاً - ان يسقط البعض في “بئر” الكراهية، وان يهبط خطاب هؤلاء الى هذا الدرك المنحط في الترويج لها، لأن من يدفع ثمنها ليس “النخب” المتناحرة سياسياً وثقافياً، وانما المجتمع الذي لا يمكن ان تقوم له قائمة اذا استشرت فيه الضغائن والاحقاد وانتشرت داخله دعوات الاقصاء والتخوين والتكفير السياسي والديني ومحاولات “الشطب” والالغاء.
لقد تورط اخواننا اليساريون والليبراليون والقوميون في واقعة الترويج “للكراهية”، وتحولوا الى معاول هدم لكل ما أنجزته الشعوب في ثوراتها، حتى أنهم أصبحوا لا يطيقون أي صوت “عاقل” حتى ولو كان محسوباً عليهم، ولعل ما حدث للبرادعي أكبر دليل على أن “الكراهية” تأكل حتى أبناءها!
الدستور