2024-11-20 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

للإسلاميين فقط: ممنوع المرور!

حسين الرواشدة
جو 24 : أأنت “اسلامي”؟ إذن أنت غير مسموح لك بالعمل في المجال، ولا في ممارسة “السياسة” وحتى لو قبلت بالديمقراطية وحملتك اصوات الناس في الصناديق الى الحكم، فأنت مشكوك في “ديمقراطيتك”، مجروح في شرعيتك، ومخيّر بين العودة الى “المساجد” حيث اداء العبادات فقط او انتظار موعد “القضاء” عليك باعتبارك مصنفا في سجلات العنف والارهاب.

انت من “الاخوان” او من “حزب النهضة” او سلفي او وسطي لا يهم، مهما كانت هويتك ومهما قدمت من ضمانات “لاعتدالك” ومن انجازات لتأكيد حضورك، ومن “نوايا” حسنة لتطمين الآخرين فأنت مدرج في قوائم “المطلوبين” والممنوعين من العمل، ويمكن ان ينقلب عليك القوم في اي لحظة، وتعود الى “السجون” التي اعتقدت في لحظة “امل” بأنك غادرتها الى غير رجعة.

هل وصلت الرسالة اذن؟ اعتقد انها كانت واضحة تماما، فمع بداية شهر رمضان “لاحظ التوقيت” خرج هذا “الفرمان” من دائرة التخطيط الى التنفيذ الفوري، بدأت فصوله في تركيا وقد شهدت بأم عيني ما حدث في ساحة “تقسيم” حيث اندفع خصوم الاسلام السياسي الذين جاءوا من كل حدب وصوب “اذهلني ان فيهم مصريون وسوريون... الخ”، وصمموا على اسقاط حكومة اردوغان، واقاموا حفلاتهم الغنائية وخيامهم لتحدي مشاعر “الاتراك” المسلمين، وكانت رسالتهم مفهومة تماما، تركيا يجب ان تعود الى العلمانية، وان تخرج نهائيا من دائرة الاسلام.

ثم تكرر المشهد في مصر، لكن على صورة “انقلاب” عسكري تم الاعداد له بطريقة ذكية، لكنها مكشوفة، وتحولت “النخب” التي كانت تطالب بالديمقراطية واسقاط حكم “العسكر” الى ابواق تدق ضد طرف واحد وهو “الاسلام السياسي” بل وسمعنا من يطالب باقصاء “الاسلام” عن المشهد المصري باعتباره “فاشية” وباعتبار اصحابه “ارهابيين”، وحتى حين سال دم الضحايا في الميادين لم يتحرك احد من هؤلاء لادانة “عنف” السلطة” او للدفاع عن “حق الاخوة في الحياة” ناهيك عن الاعتصام السلمي، وكل ذلك كان مفهوما لان المطلوب هو ازاحة الاسلاميين واقصاء “الدين” وعدم اعطائه اية فرصة لكي ينتزع تعاطف الناس، او ان تصل “مظلوميته” الى المجتمع.

ثم تكرر المشهد ايضا في تونس، حيث تم توظيف مقتل النائب اليساري البراهمي لحصار حكومة الاسلاميين وشركائهم هناك، وبدأت “الحفلة” ذاتها حيث استنسخ العلمانيون وصفة “تمرد” وبدأوا بجمع التواقيع وتحركت نقابات “الشغل” اليسارية، ولم يلتفت احد من هؤلاء الى ان الذي يحكم هو “ائتلاف الترويكا” والى ان الرئيس التونسي ورئيس المجلس التأسيسي هم من المحسوبين على تيارهم السياسي لان الهدف معروف وهو “رأس الاسلاميين” الذي قالت المرأة العلمانية حين صوتت لهم “بأنهم يخافون الله” ولهذا اختارتهم.

هل تهم الاسلاميين الرسالة؟ ربما، لكن المهم هو كيف يمكن ان يردوا عليها؟ هل سيصرون على “الديمقراطية” كخيار، ويلتزمون بالسلمية كطريق، ويحتكمون الى الشعوب التي بيدها الحكم والقرار؟ ام سيعودون الى “عزلتهم” القسرية، ويستظلون “بالمظلومية”؟ ام سيكفرون بالديمقراطية ويلجأون الى “العنف” لاقامة الحاكمية؟ كل ذلك اصبح واردا ما دمنا نتحدث عن “بشر” وعن تجارب مُرّة.. وعن “ابتلاءات” وفتن تحرق الاخضر واليابس.

لكن لو سألتني عن “الخيار” الذي اراه الوحيد للخروج من هذه المحنة لقلت لك بانه “الديمقراطية” والاحتجاج السلمي، والاصرار على بناء الحق لا هدم الباطل فقط، هذا هو الطريق الوحيد امام “الاسلاميين” لكسب مجتمعاتهم، وهزيمة خصومهم وتمكين انفسهم وابطال المخططات التي تستهدفهم.

هذا بالطبع لا يتحقق بالرغبات والدعوات، وانما يحتاج من الاسلاميين الى رؤية جديدة تبدأ بتوحيد “الصفوف” وادارة الخلافات والخروج نهائيا من الانقسامات والتجاذبات لكي لا يتكرر معهم مصير “الثور الابيض” ولكي لا يظنون بان المطلوب هو فصيل دون آخر، لا الجميع ولكي لا يعتقدوا بان “وصفة” التنازلات تكفي وحدها لقبول اوراق اعتمادهم لدى الآخرين.

هل يكفي ذلك؟ بالطبع لا، فأمام “الاسلام السياسي” فرصة للمراجعة والنقد الذاتي والبحث عن المتغيرات واولويات “العمل” ومطلوب منه ان يخرج من دائرة الحماس الى دائرة الاختصاص، ومن خطاب الدعوة الى خطاب “السياسة”، ومن التلذذ بمضغ “المظلومية” الى تحديد وظائف المسؤولية، ومن مخاصمة المجتمع الى التطبيع معه، ومن فكرة “توظيف” الدين للوصول الى السلطة الى فكرة “بناء” المجتمع لقبول الدين وتحويله الى باعث حضاري لا “حاكم” فقط.

لا يوجد اي مبرر “للاسلام السياسي” لكي يشهر استقالته من العمل العام، او لكي يدخل في مواجهات غير محسوبة مع خصومة او لكي يعتقد بان ظلال “الدين” تكفي وحدها لحمايته من لهيب المؤامرات، فالقوانين التي تحكم هذا الكون تسري على الاسلاميين وعلى غيرهم من البشر، وسنن الاستبدال والتغيير تشملهم ايضا ما داموا غير قادرين على قراءتها واستبصارها واعداد انفسهم للخضوع الى حساباتها الدقيقة.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير