jo24_banner
jo24_banner

في الشهر الفضيل .. يا نايم وحد الدايم !!

حاتم الأزرعي
جو 24 :
 بشغف ولهفة كنت انتظر حلول شهر رمضان الفضيل ، لاطوف وصبيان الحي مع المسحر، في حارات الزرقاء وازقتها ، حيث ولدت وترعرعت قريبا من معسكراتها ،في خو التي لا تبارح الذاكرة حين كنت ارافق الوالد في ايامه التدريبية مع رفاق السلاح، الذين لم يكونوا يبخلوا علي بالبسكويت ذي دمغة (ج ع ) الشهي الطيب اللذيذ ،فلم يكن انذاك مارس او سنكرز او لربما يخلو منها النافي او (الكنتين)، لان العسكر لا يحتاجونها !!.
ولطالما شدتني في تلك الأيام عبارة "يا نايم وحد الدايم " ، التي كانت تصدح بها حنجرة المسحر ، بصوته الاجش الرصين الواثق الدافئ مصحوبا بايقاع الدف ، على أعتاب بيوت الحي ، فيضيء الواحد تلو الآخر، وتفتح ابوابها ليجود اهلها على المنشد بما يتيسر مما قسمه الله له .
ومنذ سنوات طويلة لم ار مسحرا ، ولست اعرف إن كان موجودا هذه الايام ، واشك في ذلك ، فوسائل التكنولوجيا حاضرة تقوم مقامه ، ويصحو الناس على اصوات النشاز التي تطلقها المنبهات الجامدة والهواتف النقالة بلا روح ، والبعض يستحضر في غياب الديك صياحه ،فالدجاج سيد الموقف الطاغي ، وهو الآمر الناهي !!.
وما حاجة الناس للديك او صوته للصحو من نوم بات عصيا ، فالسهر سمة العصر ، ليس رغبة وحبا به ، بل كيف يجد النوم سبيلا لمن يتقلب على جمر حياة ليس فيها الا انين تعب وغصات غضب وزفرات فقر وتلوي جوع وشوق الى زمن ضائع يفلت من بين اصابع ايامنا خلسة، كما افعى تتسلل الى جحر !! .
وإن توفرت الحاجة للمسحر ، فكيف يتسنى له الخروج في زمن الحظر بسبب التفشي الوبائي والانتشار السريع لجيوش فيروس كوفيد ١٩ متعدد الجنسية ، صيني على بريطاني وبرازيلي وجنوب افريقي ناهيك عن جنسيات " غير معلومة " كما يشير وزير صحتنا الدكتور فراس الهواري ، الذي ما زال يدرس بشكل مكثف موضوع صلاة الجمعة !!.
وما من فضيلة للحكومة في الشهر الفضيل ،الا التغني بأن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ستقوم بتحويل دفعة مقدمة من الراتب التقاعدي عن شهر نيسان قبل حلول شهر رمضان المبارك " لتمكين المتقاعدين من تلبية احتياجاتهم في الشهر الفضيل" ، فأي انجاز هذا الذي سيجعل المتقاعدين يزحفون على بطونهم لأشهر عديدة قادمة ،ويغرقون في بحر من ديون لا تنضب!!.
اما الاسعار فحدث ولا حرج ، فقد انفلت عقالها، وارتفعت لتطاول عنان السماء ، اذ تشهد السوق المحليّة ارتفاعا كبيرا في اسعار الدواجن، وتجاوز سعر الكيلو في النتافات (1.9- 2) دينارا ، وكذا الحال بالنسبة للمواد الغذائية الرئيسة والخضار والفواكه .
وتكتفي الحكومة عموما ووزارة الزراعة خصوصا بدور المراقب للاسعار ، ولا تملك الا ان تشفق على حال وزيرها المهندس خالد الحنيفات المغلوب على أمره، فكل ما يستطيع فعله لا بل قوله ان الوزارة ستقوم اذا ما استمر ارتفاع الأسعار " بفتح باب الاستيراد للدواجن لضمان استقرار الأسعار والكميات " وحتى تصل الكميات المستوردة يكون شهر رمضان انقضى ،"واللي طبع طبع واللي ربع ربع" .
اما السقوف السعرية التي حددتها وزارة الصناعة والتجارة والتموين ،فما هي الا حبر على ورق ، لا يلتفت اليها او يلتزم بها احد ، وما هي الا مسكن للناس ومخدر لوسائل الإعلام تعطى منه جرعات كلما ارتفع صوت تذمر الناس وشكواهم!!.
وفي كل الاحوال ، لسنا بحاجة اليوم لمسحر لنصحو، فالنوم جافانا ، وبيننا وبينه عداوة وخصام ، فكيف لمضام ومظلوم ان يغمض له جفن !! فنحن اليوم احوج ما نكون لصرخة "يا نايم وحد الدايم " في وجه اصحاب الضمائر النائمة والعيون المغمضة عن رؤية القهر ووجع الناس ،صرخة في وجه من استمرأوا المال الحرام ،ومدوا اياديهم القذرة الى جيوب الفقراء والمساكين والبسطاء ،ونبشوا فيها حتى آخر فلس ، ليدخلوا الشهر الفضيل عراة الا من ايمان عميق ودعاء صادق امين .

 
تابعو الأردن 24 على google news