نهج الاستعراض.. وتجريف الثوابت
مصطفى خريسات
جو 24 :
زمان مضى كان هناك قيمه نسبيه للوطن والمواطن ( وهي مصطلح يعني أقل القليل) مضافا إليها بعضا من منالكرامة، يقابل ذلك شعب لم يكن راضيا، لكن ضمن الأطر المعقوله تسنى له من خلالها أن يعبر عما يفكر به ، في ظل عدالة تتسم بأنها قليله الدسم!!. ومع مرور الوقت انخفضت هذه القيمه والعدالة شيئا فشيئا إلى أن تلاشت (!!) ٠
عندما استقبل الاردنيين إخوانهم من الضفه الغربيه كان هناك تضحيات وثوابت مشتركه على أرض فلسطين والأردن، ثم جاءت حرب الخليج الأولى مع بدء الانقسام بين مؤيد ومعارض، لكن الاغلبيه كانت تقف إلى جانب العراق الشقيق ومؤيده له، إلى أن جاءت حرب احتلال العراق، والتي برز معها شعار (الاردن اولآ) بمعنى ان ما يحدث في العراق لا يعنينا وادى هذا إلى اتساع هوة الانقسام!!!!.
استغل الاعلام هذه الحاله وبدء بضخ أجندات اعلامية ليبرز من خلالها إيران كعدو في نفس كفة إسرائيل، و طرح هذا على طاولة النقاش، ومؤشرات ذلك كانت تدل ان نصيب إيران من العداء كان أكثر من دولة الكيان!!!.
وتكرس هذا في حرب حزب الله مع إسرائيل وقف البعض مطالبا إسرائيل بتدمير القوة العسكرية للحزب ، ثم تكرر السيناريو بمطالبتها (اي إسرائيل) للقضاء على حركة حماس، وعالم عربي يتفرج وكأن الامر لا يعنيهم بشيء.
تطورت الأحداث إلى حركات شعبيه ادت الى إسقاط بعض الانظمه الفاسده والعميله في العالم العربي وانعكس ذلك محليا في مواقف بعض التيارات، لكن الأصعب منها وقوف الاخوان المسلمين واليسار معا في خندق المتفرج ليقطفو الثمار ويتقاسمو الكعكه او جزء منها مستغلين الشباب الحالم في البحث عن حقوقهم في العدالة والمساواة سواء عبر الساحه المحليه او في مجمل الوطن العربي وضاعت الأحلام على حساب تلك المصالح الضيقه ٠
جاءت الازمه السوريه ورأينا انظمه عربية تبحث عن حقوق الإنسان في الدولة السورية في ظل غياب أدنى حقوق للإنسان في بلادهم، بل تحرض وتفرح للضربات الاسرائيليه على شعبنا هناك، وبنوع من التهكم والسخريه تقول ان سوريا سترد في الوقت المناسب!!!!.
مؤخرا رأينا الحاليه المقدسيه التي نعيش أحداثها في القدس الشريف الان وكيف خرج البعض على استيحاء لمناصرة الاخوه في القدس وبيت المقدس وحالة المخيمات وغيرها من المدن الاردنيه مثال على ذلك٠
زاد الانقسام ولم يعد هناك أدنى حد من القيمه النسبية التي كنا نعيشها، وتراجع الحس الوطني، واصبح الإنسان ينظر إلى منزله على أنه وطنه الصغير والكبير ولا يتعدى انتمائه حدود ذلك، ولا يعنيه الوطن إلا بمقدار المصلحة والفائده المرجوه منه وبالتالي مات الانتماء الوطني والشعور القومي وبرزت(الآنا) اولا واخيرا٠
وجاء الحراك الشعبي ضد حكومة هاني الملقي والذي كان المقتل الحقيقي للحراك والعمل الوطني الجماعي على وجه الخصوص، ولم يدركوا ان تحالف البنوك وأصحاب رؤوس الأموال والنقابات هي التي أعطت الزخم لذلك الحراك فتحالفها انحصر فقط بعدم تمرير مشروع قانون ضريبة الدخل الذي أسقط تلك الحكومه والقانون معا ، ولا زال ما يسمى بالحراك يتغنى بسقوط تلك الحكومة الأمر الذي افقده البوصله و ربما تم رمي مفاتيحها في البحر.
وعلى ضوء الاستعراض الباهت ظهر رجال الدولة ولا زالو بكل مستوياتهم فرحيين لما حدث ومرتاحيين للنتائج، وادركوا بانهم حققوا الهدف في قتل اي عمل شعبي و جماعي وبالتالي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي المكان الأنسب والاسهل والملاذ الأمن للمناكفه والمناطحه والنقد لرجال السلطه، وبالتالي خلت الساحة من اي عمل وطني جماعي مباشر وبقي كذب المسؤولين يسود الحالة، وبات الاعتراض والاحتجاج لا يتعدى أكثر من ذلك، خاصة وأنهم (اي رجال السلطه) على درايه تامه على أن أية حمله او نقد او فقاعه عبر مواقع التواصل الاجتماعي كبيوت العزاء لا تتعدى الثلاثه ايام وتوضع على رف النسيان، وبالتالي أصبح السلوك الممارس من قبلهم : دعهم يقولو ما يشاؤوا ونحن نفعل ما نشاء!!!! ٠
اذن الحالة الشعبيه برمتها فشلت في فرض أيا من مطالبها ويكمن فشلها بعدم وجود أجندة وطنيه وpower تستطيع فرضها للتنفيذ، وباتت مسيره وليست مخيره في المكان والزمان والتوقيت وتفتقر لحالة الوعي السياسي الوطني وكل من فيها يبحث في الأغلب عن مصلحته في قطعة خبز او جزء من كعكه الوطن إسوة بالآخرين واصبحت غيرتهم ومطالبهم على هذا وليس على الوطن ٠
المواطن الاردني بالأمس يختلف عن مواطن اليوم بالمفاهيم وعقلية التفكير فحالة النخوه والشهامة وعزة النفس والروح العربيه تبدلت في البحث عن لقمة خبز(مجازا) بطرق مشروعه وغير مشروعه لهذا انتشر الفساد على نطاق واسع وتجسد مفهوم ونهج جديد في البحث عن المصالح الذاتية في ظل غياب أي رادع وطني او أخلاقي، ومن هنا يجب أن لا نلوم أصحاب السلطه في البحث عن مصالح أبنائهم على حساب الوطن المريض لأنهم يدركون ما يفعلون وهم من وضع معنى الجديد للوطن!! ٠
فقدان الثقه وضياع الأمل دفعت المواطن إلى سلوك مختلف وتائه، بسبب ما تتحدث به الجهات المسؤوله عن الحريه والديمقراطية والإصلاح بالهواء ولحظة استرخاء، وفي الوقت نفسه تجدهم يقدون الوطن إلى المجهول ومن حاله مأساويه إلى أخرى ومن قمع وعرفيه مغلفه بالتشريعات والقوانين إلى أخرى، وهم بالتالي يجسدون حالة اسيادكم بالجاهليه واسيادكم بالاسلام ويتلونون حسب متطلبات المرحله كالمختار في مسرحية ضيعة تشرين، وهذا بالمجمل يفقد كل حديث عن الأصلاح قيمته!!!!.
كيف للمواطن ان لا يكون لديه ردة فعل عكسية وهو يرى تلك العبارات الرنانه والجميله يتحدث بها المسؤولين عبر اخبار وفضائيات ومنشيتات صحفية دون وجود أساس واثر لها على أرض الواقع الأردني ؟؟؟
كيف للمواطن ان يثق ويقتنع باحاديثهم عن العداله والمساواة وهو يرى فئة قليله تتقاسم الغنائم في ظل تغييب متعمد للشعب وربما اضطهاده لتصبح المراكز القيادية تفصل لابناء الذوات وعلى مقاسهم الأمر الذي يؤدي إلى تراجع قيمة الوطن لصالح هؤلاء وتزيد حالة الاحباط والاحتقان٠
الوطن ليس ملكا لاحد ولا مزرعة لشخص وليس هناك ساده وعيبد، فالجميع شركاء ولا يمكن احتكار الحالة الأردنية الى المدى الطويل، وان يبقى لفئة قليلة ظلت الطريق في إدارة البلاد، لأننا نعلم ان المناداة بالإصلاح تتطلب وجوه جديده نظيفة وغير مستهلكة لاقناع الشعب وبغير ذلك، كل ما يحدث فشنك وطخ أعراس وجعجه تدور في نفس الحلقة الفارغه وبالتالي سيخسر الجميع.