الاردن الاقل سعادة ..من اين تأتي؟!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
تناقلت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي خبرا مفاده ان الاردن حل في المرتبة 127 عالمياً في "مؤشر السعادة” للعام ٢٠٢١ ، في الدراسة التي ترعاها الأمم المتحدة ، وذلك استنادا إلى استطلاعات رأي من معهد "غالوب” يجيب فيها السكان على استبيان شمل 149 دولة.
وللحقيقة فقد شعرت بموجة سعادة غامرة ، لهذه المرتبة على المؤشر ، مرد ذلك انني كنت اتوقع الأسوأ، وأن نكون في ذيل الدول لا يسبقنى في التعاسة احد ،فجاءت النتيجة مغايرة تماما ،اذ ما زال بين الناس في بلدي من يشعر بالسعادة !!. .
ومن الطبيعي ان نحتل مرتبة متقدمة بين الشعوب والبلدان الأقل سعادة في العالم بحسب التصنيف ،الى جانب أفغانستان وزيمبابوي ورواندا وبوتسوانا وليسوتو والهند التي حلت في أسوأ مرتبة بين البلدان الكبرى في العالم، في المركز 139.
اما غير الطبيعي والاستثنائي والخارج عن المألوف والمتناقض في مخرجاته مع المعطيات ،فهو وجود من يشعرون بالسعادة بيننا ، في ظل كل ما يحيط بنا من كوارث ،ويحيق بنا من مآسى، ويحاصرنا من ازمات ، وربما لا نظلم هؤلاء اذا ما شخصناهم على انهم مرضى غير اسوياء من ناحية الصحة النفسية .
وبداية ، كيف يشعر اردني سوي، غير معتل او مختل ، بالسعادة في ظل جائحة كورونا التي بدأت بالتفشي في المملكة منذ شهر آذار العام الماضي وحتى يوم السبت التاسع والعشرين من أيار الماضي (735,139) حالة، فيما إجمالي عدد الوفيات (9443) ، وتستعد البلد لموجة ثالثة مفتوحة على كل الاحتمالات.
ومأساة الاردني جراء الجائحة مركبة ، الفيروس وقسوته من جهة ، وعجز الحكومة وتخبطها في مواجهته، من جهة اخرى ،فكيف يشعر بالسعادة في غياب الاحساس بالامان والاطمئنان ، ولا ينتابه شعور عميق بالخوف والرهبة من المستقبل في غياب حكومة راشده ، يثق بها وبقيادتها لزمام الامور ؟.
وعلى مدى السنوات الماضية ،عانى الناس من الحكومات المتعاقبة، واستفحل الفقر واتسعت جيوبه، وضربت جذور البطالة عميقا في ارضنا اليباب، وطاولت المديونية عنان السماء ، وحرية الاعلام والتعبير سويت بالارض ، وبان زيف شعار سقفها السماء ، وعم الفساد ، وفجر التجار ،وتوغلت في الاقتصاد فاحشة غلاء الاسعار ، فهل من المنطق ان تجد السعادة طريقا الى قلوب الناس وسط كل هذا الدمار الشامل !؟.
وأسلمهم اليأس من الحكومات لوهم البرلمان عل وعسى فيه الشفاء والامل والخلاص ، فتغلب الناس على خوفهم من الفيروس المتفشي ،وانعدام الثقة بالنواب ، وتوجهوا الى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس النواب التاسع عشر .
وغنينا للمجلس ،كما في الاعراس ،" قسمة ونصيب اخذنا الزين ..حبل الزين وجاب غليم " او " اثنين " في بعض الاهازيج، فمن اين تأتينا السعادة، والمجلس الزين انجب لنا نوابا يحلو لهم البصم على الغميض على كل ما من شأنه ازعاجنا وانتاج عذاباتنا وتعزيز معاناتنا ، لتصبح عقدنا مركبة من خليط حكومي نيابي ،لا فكاك منهما الاثنين الا بطلاق بائن بينونة كبرى ؟!.
ويعلق خبثاء، ويقولون ان الحكومات المتعاقبة لم تألوا جهدا في سبيل بث السعادة في نفوس الناس ،لكنهم في الاردن ميالون للكشرة ، ويضربون امثلة واقعية ،ويستشهدون بتصريحات تثبت صدق مقولتهم .
فها هو رئيس وزراء يعترف ويقر بأنه "رفع منسوب النكته " بما صدر عن حكومته من قرارات ولد من رحمها اكثر التعليقات سخرية والنكات ايلاما مثيرا للضحك ، فيما رئيس آخر تساءل امام عدسة الكاميرا في لقاء كاد يبكيني " كيف استطيع ان انام وعبي جائع " وآخر من رؤساء الوزارات يقول لنظيره "كيف اشرب وشعبي عطشان " وقس على ذلك من قصص وروايات ، يسوقونها لا لشيء الا اسعادنا.
وفي عمق الازمات وثوران البراكين، لم تتخل الحكومات والمسؤولين فيها ،كبار وصغارا ، والمؤسسات الحيوية عن بث روح الدعابة لاسعاد الناس وتخفيف معاناتهم والحد من اوجاعهم ورسم الضحكة على وجوههم المتعبة ومحاولة تبديد بؤسهم وشقائهم.
وتذكرون اقوى النكات من مثل "بنشف وبموت "وواقعة "الضبع " وما تلاهما من تهريج لاسعادكم على شاكلة "الرؤوس التي ستتدحرج" مرورا "بالطير الكبير " ،وليس انتهاء بالكوميديا الهزلية التي نشهدها اليوم على خشبة مسرح مجلس النواب ، وبطولات النواب ومعاركهم الدون كيشوتية في مواجهة طواحين الهواء !!.
لست متشائما بطبعي ،لكن المعطيات والمقدمات وكل المؤشرات والدلائل ، تشي ان شعبنا لن يذوق طعمها، وستبقى السعادة حلما عصي المنال ، وسيبقى الاردن في ذيل البلدان على مؤشرها لسنوات ، وكلي أمل ورجاء ان لا تطول .