معيقات الاصلاح تكمن في إدارته
د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
ما جرى وسيجري في وطني الذي أحب، والذي لا يختلف على أرضه أحد على صدق الانتماء المطلق والولاء للحكم الهاشمي والذي يشكل قاسما مشتركا بين كل أطياف الشعب الأردني السياسية ومكوناته الاجتماعية، ولم ولن يكون موضوع خلاف بينهم، لكن الخلاف على الأساليب التي يمارس بها المسؤولين المنفذين لأدوات الحكم والذين يعتاشون على تشويه صورة الناس وانتماءاتهم ، على الرغم من أنهم الأسباب الحقيقة وراء إعاقة الإصلاح ،وهم سبب تراجع في الأداء في جميع أنظمتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وحتى الدينية وخاصة في ظل الفتاوي السياسية النفعية، والتي أدت إلى أيضا التراجع في منظومة الحقوق المدنية والمتفقة مع الدستور، ويعود السبب إلى إعاقتهم للإصلاح هو المحافظة على مكتسباتهم ، لذا تفننوا في ترسيخ بأنه لا إرادة حقيقية للإصلاح ونجحوا في ذلك .
لعل انتشار مظاهر الفساد والفقر والبطالة والمحسوبية والظلم وغياب العدالة الاجتماعية وممارستها في العلن هي المعاناة الكبرى للناس، وهي أشد من تدني الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، أو انحسار إمكانية حصوله على التعليم والخدمات الأساسية، والتي هي حقوق أساسية كفلها الدستور على الرغم من أن المواطن يدفع ثمنها عنوة بشكل ضرائب متعددة الأشكال ومجهولة مصادر صرفها ناهيك عن مصادرة الحقوق في التعبير، والمشاركة في صنع القرارات والذي أدي إلى فقدان الثقة وغياب الأمل في قيام اصلاح في مؤسسات الدولة المختلفة.
لم يأتي تصنيف الأردن في المرتبة السادسة عربيا في مؤشر الفقر حسب مستوى الدخل والمعتمد على البيانات الرسمية من الدولة ، ولم يرتفع معدل البطالة الرسمي إلى ما يزيد ( 24% ) صدفة، وهي أعلى من ذلك ، ووصولها إلى نسبة ( 50% ) بين فئة الشباب حسب تقرير البنك الدولي ، ولم يرتفع معدل الجريمة المقلق والبالغ (40) نقطة من اصل (100)، دون مسببات ، كما لم يحل الأردن في مؤشر الفساد في المرتبة ( 60) عالميا والخامس عربيا حسب مدركات الفساد صدفة والتي تؤكد مؤشراتها الفرعية إلى تأكيد فساد الإدارة التي أدى إلى انتشار ظاهر الرشاوي ،وضعف فعالية آليات النزاهة وملاحقة من استغلوا مناصبهم قضائيا ،وانتشار الواسطة والمحسوبية، واستغلال المسؤولين الحكوميين للوظائف العامة نتيجة غياب المساءلة والمتابعة لهم.، كما لم يتم محاسبة رؤوس الفساد، وما يتم من تصريحات حول ذلك هو مجرد ذر الرماد في العيون، والغريب أيضا بأن معيقي الإصلاح هم من يتصدرون مهمة الإصلاح وهم ما زالوا يمارسون انتهاز الفرص والمكاسب ولعل الأبواق الإعلامية المأجورة والمسخرة لهم لم تنفك عن بث سمومهم لإظهار المطالبين الحقيقين من المواطنين الغيورين على وطنهم بأن هؤلاء قوى شد عكسي ، وأنهم أصحاب اجندات خارجية ومثيري للفتنة ،ويجب لجمهم وتكميم أفواههم ويدفعون بالتشريعات لتحقيق مآربهم ،والأدهى من ذلك إنهم يتشدقون بسيادة القانون، وهم في الحقيقة فوق القانون ، وقد لا يدركون بأن الشعب يعلم وواع تماما أن سيادة القانون تكون عندما يتم تطبيقه وإنفاذه على الجميع وأمام ذلك ستنهار كل أشكال التمرد والفوضى وتتجسد وتتعمق معاني الانتماء والولاء والإخلاص.
من المعروف أن التشريعات تشكل الأساس القانوني لتنظيم حياة الناس، ومن هنا فلا يجب أن تسند إلى أشخاص أفسدوا الأرض والحرث والنسل، وتسند إليهم القيام بحوارات وهي ليست كذلك ولن تفضي إلا نتيجة، لأنها لقاءات يسودها الإملاء ومن طرف واحد خاصة في ظل دعوات منتقاه لفئات من أصحاب المصالح والتزمير والتطبيل، وتغييب المشاركة الحقيقية لفئات من الشباب أو أصحاب الخبرة والذين يحملون أفكارا ومقترحات تسهم بتنظيم حياة الناس وتلبية احتياجاتهم الحياتية والمستقبلية، وعلى الرغم من السخط على قادة هذه اللقاءات، وما يطرح فيها من موضوعات مجتره منذ سنين ، إلا أنه لا يبدو هناك نية للإصغاء للرافضين على تولى هؤلاء قيادة الإصلاح الذين يسوقونه من أجل الحفاظ على الوضع القائم للاستفادة من المكاسب.
من يقرأ لما يطرح من الناس الوطنيين ومن الإعلاميين والكتاب والغيورين والخائفين على مستقبل الوطن من الأفكار والمقترحات العملية الخلاقة والخطط العملية يمكن أن تكون مصدرا لإحداث إصلاحا حقيقيا وحل الكثير من المشاكل التي يعاني منها الناس، لكن لأن الساسة الانتهازيون الذي يدعون الإصلاح يمارسون التهميش والتضييق على المشاركة في صنع القرار، ويفتعلون الأزمات، والمشكلات، والتنكيل بالناس ودفعهم للحنق والغضب الشعبي والذي يتم ترجمته في المطالبات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من كل أشكال هذا التعبير المكفول بالستور فإن الشعب الأردني بمختلف مكوناته يتوحد اتجاه وطنه لأنه يدرك ما يخطط له الفاسدون لتعميق فقدان حس الانتماء للوطن والمحافظة على كينونته ففي كل مرة يفوت عليهم الفرصة من أجل وطن يعشقوه.
ولأن المسؤولية الوطنية تحتم على كل وطني غيور وحريص على مستقبل الوطن أن يستمر الدفاع عن الوطن ومكتسباته وانجازاته، والتعبير عنها بمختلف الوسائل على الرغم من تكميم الأفواه المبرمج من قبل المسؤولين الطارئين ، فاننا ندعو إلى اتخاذ جملة من القرارات لمصلحة الوطن مثل دراسة جدوى استمرار العمل بقانون الدفاع، مقابل مدى أهمية إدارة الدولة إدارة مدنية وبما يضمن مشاركة الناس في صنع القرارات التي تمس حياتهم مع المحافظة على السياق الاجتماعي العشائري الداعم للدولة لأنه كان عبر التاريخ داعم ومساندا لها ، وأيضا إعادة النظر والكف عن كل الممارسات العقابية التي تمارس على الناس لمنعهم بالمشاركة في صنع القرار وتحمل المسؤولية .كما على الدولة والحكومة إعادة النظر بالملفات الرئيسة التي أثقلت كاهل الدولة والشعب مثل ملف اللاجئين والذي هو هم انساني عالمي وليس اردني فقط، فلا يمكن لدولة اقتصادها منهك وشعبها يئن من الفقر أن تتحمل تعبات هذا اللجوء في ظل انحسار الدعم الدولي لهذا الملف لأسباب عدة لعل الفساد في توجيه الأموال إحداها ، فنحن لسنا الوحيدون المعنيون بالدفاع عن الإنسانية، وشعبنا يئن من الفقر والبطالة .
إن المتتبع لسياستنا الخارجية، وعلاقتنا الدولية يجد من جدا أن يتم إعادة النظر بجدوى التوترات في العلاقات بين معظم الدول، وتبنى سياسة واضحة ومعلنه تجاه كل القضايا بدلا أن نتنقل بين موقف وأخر، وعلي الصعيد الداخلي علينا إعادة النظر بجدوي استمرار التوترات مع المكونات المهنية وغيرها بالداخل واستثمارها لدعم الجهود الوطنية، وتطوير استراتيجية وطنية للإعلام تخاطب وتحترم العقل الأردني الذي لم يعد يقبل بالقصص والروايات المنسوجة من كتاب فاشلين ، وعليها أن تستفيد من منصات التواصل لتصبح أدوات لجمع الأفكار والمقترحات للمضي في الاصلاح والتحسين .
إن ابر التخدير التي يصرح بها المسؤولين الفاسدين بأن الدول من حولنا الأردنيين عاشت شعوبها ويلات الحروب و على الأردنيين الذي مروا في تحديات عدة عبر تاريخهم، وتحملوا وخرجوا أقوياء ، عليهم الصبر والتحمل لن يطعم الناس خبزا وخاصة انهم صادرة من أشخاص يتجاوزن باسم القانون ويستخدمون لشكل الإصلاح الذي يريدون لاسيما أن الذاكرة الأردنية ذاكرة رشيقة وقوية تستحضر ممارساتهم في نهب مقدرات الوطن وبيع موارده، وتتفعل مع ما يتم من توريث للمناصب ومنح للتنفيعات.
إن الذكرة الأردنية لا ولن تنسى أنهم السبب الحقيقي وزراء ما وصلنا إليه، من هنا لا بد من البدء باتخاذ كافة الخطوات للبدء بالإصلاحات السياسة التي تضمن المشاركة، ومحاربة الفساد، وتعزيز الثقة بالاستثمار والمستثمرين، والبدء بإجراء الإصلاح الإداري وهو السبب الرئيس المالي والأخلاقي، لاسيما أننا ما زلنا نعيش احتفالاتنا بالمئوية الأولى لتأسيسها ، وبدأنا مؤيتنا الثانية، و بمرور (75) عاما على استقلالنا ، وحتى نجسد هذه المعاني علينا أن نعظم نموذج هذه الدولة ،والتوقف عن استنساخ تجارب الدول السيئة في التعامل مع الشعب، والبعد عن استخدام الاعلام للتضليل بدلا من المصارحة، والأهم أيضا إعادة بناء الثقة مع الشعب الذي أصبح هو جزء من المشكلة بسبب الممارسات الحكومية ، وما تفرضه علينا المشكلات الداخلية والنزاعات الخارجية، فلأمل معقود على وعي الأردنيين المخلصين وصبرهم وهمتهم وتسامح الهاشميين من أجل الحفاظ على الوطن الذي سنبقي نتباهى به ونفتديه بالمهج والأرواح.
حمى الله الأردن وشعبه وقيادته