jo24_banner
jo24_banner

لجنة الإصلاح ما بين المطرقة والسندان

د. محمد أبو غزلة
جو 24 :


انشغل جميع الأردنيين بمختلف أطيافهم ومشاربهم ومرجعياتهم الفكرية والسياسية والدينية والمهنية والعشائرية بما شهدته الساحة الأردنية من أحداث استقطبت في بداية الأمر الكثيرين نتيجة الإحباط واليأس والفقر والبطالة وانتشار الفساد وغياب العدالة والأمل في الإصلاح الذي يشكل مطلبا للجميع، وتزامن ذلك مع الأحداث التي جرت في غزة والتي كان لها الدور الكبير في استثارة دوافع الكثيرين مما دفع بالدولة التفاعل معها، وبالعودة إلى الاحداث الداخلية التي جرت فقد تراجع العديد من الأطياف عن دعمها بعد أن انحرفت عن مسارها وقناعتهم بتأثيرها على النسيج المجتمعي لو استمرت وخاصة بعد أن تغير هدفها في محاربة الفساد والمفسدين إلى الإساءة إلى النظام والذي هو عنوان توحد الأردنيين علما بأن ما حدث من إساءات وتحركات لا نعرف أسباب حدوثها ، وخشينا استمرارها، بسبب الفشل في إدارتها سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف.

تركت الأحداث التي مر بها الوطن جرحا لم يفلح أحد من عقلاء الدولة أو ناهبوها من تضميده وسيحتاج لزمن حتى يلتئم ، والغريب بالأمر كثر الحديث عن مصطلحات تتعلق بتجديد أو وتطوير أو تحديث الدولة، وهذه المصطلحات لها مدلولات عدة ذهب بعض المحللين لها بأن هناك تجديد للدولة وتحويلها لدولة مدنية حديثة متحررة حسب رأي المتطرفين بالنظر للمدنية، وذهب أخرون إلى أن الهدف هو إقصاء النظام العشائري وتحييده حتى لا يؤثر على مسيرة الدولة ، والبعض الأخر ذهب لتوسيع القاعدة المشاركة في المواقع المتقدمة من قبل المكونات الديمغرافية من حيث نسبة أعدداها في الأردن بعد أن كانت حكرا على الأردنيين من شرق النهر ، وذهب أخرون إلى أنه تمهيد لبداية عهد جديد .

لقد استبق جلالة الملك كالعادة والتقط الإشارات وأبدى هذه المرة رغبة حقيقية في الإصلاح لقناعته بوجود خلل في كل مرافق الدولة، و وجود مستفيدين من الخلل القائم لأنهم يبحثون عن زيادة منافعهم ، ويحاربون أي مساعٍ للإصلاح، وصادق على تشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية وحدد منطلقاتها بالاعتماد على الأوراق النقاشية التي تشكل خارطة طريق للإصلاح. كما حدد مهام اللجنة بوضع مشروع قانون جديد للانتخاب و قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقوانين وآليات العمل النيابي، وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة، كما حدد الإطار الزمني لها وهو قبل موعد انعقاد الدورة العادية المقبلة لمجلس الأمة، وتعهد بضمان المخرجات دون تغيير، لكنه وضع الكرة في مرمى اللجنة ، ويبقى أن الأمر مرهون بما تقدمه اللجنة والتي لا يثق الناس ببعض أعضائها ولا بمخرجات عملها ولديهم قناعات راسخة بأن مخرجاتها سيشوبها العبث من خلال التوجيه من حفنة من المستفيدين من الوضع القائم .

نحن هنا لا نتحدث عن نظرية مؤامرة وانما عن واقع مرتبط بإرث تاريخي عن تشكيل اللجان حول مواضيع الإصلاح وإعداد المواثيق والأطر والخطط والتي باءت جميع نتائجها بالفشل، ولم يشعر الموطن بأي أثر إيجابيي لها ، وقد تناولت كل الأطياف المجتمعية والحزبية، وغيرها آلية التشكيل وأيدلوجية المشاركين في اللجنة ومدى قدرتهم وانسجامهم ورغبتهم وقناعاتهم بالإصلاح، والتي تؤشر بأنها لن تسطيع تقديم أية نتائج تذكر وانما اجترار لما مضى ،وأستطيع القول أن من نسب بالأسماء يتحمل وزر هذه التشكيلة العوار ،والتي اشتملت على أسماء كانت معيقة للإصلاح أسماء متهمة بشبه فساد، وأخرى محافظة رسخت الوضع القائم ، وعدد أخر من المطالبين بالإصلاح والذين سيتم تنفيسهم وتعريتهم إضافة إلى أنه وضعها بين المطرقة والسندان ،لذا فإن اعتماد نفس النهج في تشكيل اللجان، وبهدف التصديق والمباركة فقط على ما تم تجهيزه وتمرريه كمخرج نابع من أطر وإجراءات تمت بمشاركة مجتمعية لن يؤتي ثماره لا سيما أن هناك قناعة مترسخة عند الغالبية بان هذا ، هو السيناريو المعد وان مهمة اللجنة هو التصديق عليه.

ولا أحد يستطيع الإنكار لحقيقة أن التنوع الفكري والسياسي والديني وغير المتجانس يفترض أن يكون مصدر قوة للجان ، إلا أنه في حالة هذه اللجنة فقد ضمن من نسب بالأسماء عملية هندسة اللجنة ليكون فيها وعلى غرار حكومات الدول ذات الطوائف ثلث يطالب بالإصلاح ، وثلث معطل له ،وثالث ضامن مع الثلث الثاني لتعطيل المطالبة بالإصلاح، والتركيبة غير المنسجمة من حيث وحدة الرؤية والأهداف والطموحات تدل على ذلك مع أنني أعتقد أن هناء ذوات محترمين لديهم رغبة جامحة بالإصلاح، إلا أنني أخشى أن لا يكتب لطروحاتهم أية نجاحات في ظل هذه التركيبة إذا ما سلمنا أن كل الوثائق جاهزة والهدف من اللجنة لمباركة لتمريها كما يتم في الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية

و الحياتية اليومية، وإلا ما الجدوى من الجولات المكوكية التي قام بها رئيس مجلس الأعيان بما أسماه بحوارات والتي كانت تتم من طرف واحد، أو ما يقوم به رئيس الحكومة من جولات على المحافظات، وأيضا مما صرح به رئيس مجلس النواب بأنه سينظم حوارات حول الاصلاح .

كما يتساءل الكثير من الناس عن التزامن بين الإعلان عن تشكيل اللجنة الملكية، والاعلان عن وثائق الاتهام إلى مثيري الفتنة فهل جاء ذلك بمحض الصدفة أم جاء مُهندسا كما هو الحال في تشكيل اللجنة وذلك بهدف وضع المطالبين بالإصلاح على المحك أو الدفع بالتراجع عن حل قضية الأمير ضمن العائلة والزج به للمحاكمة أو إقصائه سياسيا وإلى الأبد، ولعل ما تناولته وسائل الإعلام وما يكتبه المحللون السياسيون المنتفعون في المواقع والصحف المختلفة لأكبر دليل على أن أصحاب النهج السياسي النفعي القائم على إثارة الفتن والقلائل لضمان استمرارية منافعهم ما زال هو من يوجه وسيوجه الإصلاح في المستقبل وعليه أدعو شخصيا إلى اقفال ملف الفتنة نهائيا لأن في اغلاقه مصلحة وطنية عليا من وجهة نظري ودون الدخول في تفصيلات .

أنا كغيري من الأردنيين الغيورين على وطني أتمنى أن لا يكون هناك أي تأثير على عمل اللجنة وأن تقدم وثائق تعين القيادة على المضي بالإصلاح ، ولكنني أتمنى بنفس الوقت أن تجهز أرضية لذلك أرى أن صدور قرار من لدن جلالة الملك بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والمطالبين بالإصلاح، والتوجيه للسلطة القضائية التي تصدر القرار باسم جلالته بإيجاد حل عادل لمشكلة نقابة المعلمين وغيرها من المكونات المهنية، والأمر الأخر والمهم، وهو التوجيه بوقف وكف أقلام المتكسبين من وراء إثارة الفتنة وإقصائهم ومحاسبة كل الفاسدين واثارة الفتن بين أفراد الأسرة التي تحضي باحترام وتقدير وولاء من كل الأردنيين لتبقى الأنموذج في التسامح والعفو، وتوسيع قاعدة اللقاءات الملكية الشعبية مع كل الأطياف وفي كل المحافظات، وتوجيه بعدم الملاحقات الأمنية في التعبير عن الآراء وتوجيه الاعلام للاستفادة مما يطرح على مواقع التواصل لمعالجة الاختلالات هي أولوية، وخاصة في ظل التشاؤم من مخرجات اللجان التي لم ولن يقتنع الناس بها

اكتب هنا كمواطن أحب وطني وشعبه ومخلص لقيادته الهاشمية التي طالما كانت وستبقى نبراس لنا وللأجيال القادمة في التضحية من أجل الوطن، ولتبقى القيادة الضامن والجامع لوحدة الأردنيين ومحط أنظار أبنائه وأنظار العالم، وليبقى الإرث الهاشمي الذي بني على التسامح هو القادر على لملمة الجراح وتضميدها، وهو القادر أيضا على قيادة الإصلاح وتوجيه وضمانه لينعم الأردنيين جميعا بالعدل والمساواة في ظل الراية الهاشمية.

حفظ الله الوطن والشعب وقيادته الهاشمية


تابعو الأردن 24 على google news