في بلادي ظلموني
أ.د. عبدالله يوسف الزعبي
جو 24 :
"أوه أوه أوه، لمن نشكي حالي، الشكوى للرب العالي، أوه أوه أوه، هو اللي داري”، كلمات عتب شجية بها مطلع إهزوجة تأتي من مغرب الشمس ومشارف العين الحمئة، يشدوها قوم قال لهم يوماً ذو القرنين من أمره يسراً، من مشارف الأطلس على إمتدادها، من الرجاء والدار البيضاء، تصدح بها حناجر شابة، جماهير تبث حزنها لبارئها والرجاء، وتشكوا الغمامة.
جموع شابة، على مدرجات الكرة إذ تهتف للرجاء والفريق، تتمايل مثلما غصون الريحان إذ يفيح شذاه، شباب لهم اليوم والغد والأمل، معاقل الأوائل والسفح والحقل والسنبل، طرفها دامع وقلبها دامي.
إهزوجة تعيد أجواء الربيع في الخريف الماطر، كأنما الربيع لم ينتهي، ولن ينتهي، ما دامت المرارة تقطن تلك الحناجر ويقرصها القهر والغصة، شباب ترى ذاك الحق في يمينها اليوم يخذلها، والنور في عيونها عندما بالباطل ينطفيء، قلوب ليس لها إلا في القلب بقية من إيمان كاد أن يخمد أو يهمد.
بالأمس القريب كان الشباب يشدو…بلاد العرب أوطاني…من الشام لبغدان…ومن نجد إلى يمن…إلى مصر فتطوان، بالأمس عندما كان في النفس أمل، كان الشباب يتنادى أن هبوا يا بني قومي إلى العـلياء بالعلم، غنوا يا بني أمّي…بلاد العرب أوطاني، واليوم ها هم يشدوا في بلادي ظلموني، لمن نشكي حالي، الشكوى للرب العالي، هو اللي داري. تلك مفارقة ورب العزة تقتلع القلب من جذوره لكل من ألقى السمع وهو شهيد، جيل بأكمله يساق إلى مذبح العار والهزيمة، يساق إلى السوق.
لا…لم ينتهي الربيع بعد، كيف ينتهي فصل الحب والعشق والحصاد والطير، فصل الجمال والإحساس والفطرة السليمة والصبايا، موسم الخير، به يقيم الورد والزهر ساحة الدبكة ويرقص الكون، تسطر براعم التفائل عطرها العذب في النفس وأرجاء الروح وجيد الأرض، فيه تفرح قطرات الندى إذ تعانق العشب والشجر وتخضره، فصل ينشر الحسن والطيب في أرجاء الخاطر وينثر مباهج الخير. لا، لم ينتهي الربيع بعد، هو يريد أن يقضي على الفقر والجوع ويزهر بعبقه الورد، يجدد الحب في الأزهار والوجدان ويقلع شوك الأنانية والظلم ويقتلع القهر. لا، لم ينتهي الربيع بعد، يتشوق لرؤية نهـضـة الـرشـد وإشراق القمر، يعـمـر النـفـوس بـالأخـلاق ويضمخ بالريحان الرحمة والألفة والهمة، ويزيل أسباب الخوف والخريف. لا، لم يرحل الربيع بعد، فذاك فيه رحيل الأمة، ونهايتها.
** الفيديو أسفل المساحة الاعلانية..