jo24_banner
jo24_banner

أواه يا عمان

أ.د. عبدالله يوسف الزعبي
جو 24 :


يفترس الحنين عفو الخاطر وجنبات الشوق، يهفو لسحر الضباب بأجواء شباط، لورقاء عمان وأسرابها تحلق في رحاب آذار عند سحر الغروب وعذوبة المساء. آهِ كم يبعثر الوجد لعمان كيان الروح إذ يستل من اعماق غمدها الذكرى ولوائح الفكر، يرمي بها تائهةً أمام مرآة الشجن ونزعة الألم، كم يتوق لإقامة جدار ود كاد أن ينقض، ومد العون لطرق تضيق وتزدحم وأنفس تتصعد في السماء. فاتنة هي عمان حين تأرجح الفؤاد بين مد وجزر، تنقذه من سكون العزلة القاسية وصمت الغربة البارد وتلقي به آمناً في أحضان الدفء الرؤوم وشاطيء الأهل والأحبة.

أوآه ما بال شغاف القلب ترنو لشعاف عمان، تصحو لها حافة العمر منذ براءة الصغر، ترقب رفاف الحمام يتراقص في كبد السماء على وقع سيمفونية الصبا واسراب الطائرات الورقية، تعانق المآذن ووقار أبي درويش على صدرها إذ ينتصب من الأشرفية قامة أبدية. ما بال طيف الأيام يصبو إلى سمر ليالي الصيف على المدرج الروماني، تراه خجلاً من أمه القلعة وهي ترقبه منذ الأزل وغفوة المكان في الأفق، تطرب لشدو صبايا وحلقات دبكة وتنصت لأهازيج تراثية. تلك عذوبة كادت أيامها تسبق الشباب ويفوت أوانها، كانت ترمي إليه سؤال العاشقين في المنتزهات المنسية وأسطح المنازل عندما كانت جاهاً وجمراً وكأس ماء أوان الحر والقيض، ما لبثت أن ارتحلت عنها السنون وأختفت السنابل الحزينة وتوارى عباد الشمس والسهول خلف الحجر.

عسى أن تخلع عمان اليوم ثوب الحزن إذ لا يليق بها، تلقي به عن كتفيها، تشعل تواً سناها وبريق العشق في احشاءها، تزرع ثانيةً دروب الحب في كشرة أبناءها، لعلها تمسح عبوس الوجوه بلمسة من ضياءها. ليت بنفسجة الصحراء تقيم مواسم الفرح، تلفظ القمامة والعقوق في غياهب النسيان وتمحوها من قاموس ذاتها، تنثر المطر للعطشى والحقول، تقطف الخير من بساتين الطفولة والرجولة وتجعل الأمومة عنوانها. عسى اقحوانة الشرق تعود كرة أخرى رمحاً عروبي الحد والقامة، تسطر القوافي من مداد الألفة والسماحة وتنشر الخيلاء على التلال السبع والجسور وكل ابوابها، تنتصب مثلما الحسناء لتزرع الورد في مداخلها، تتزين وترخي دلالها وجدائلها….تناجي زهرة المدائن….ثم تنشد وتغني….”أواه يا أردن أنت لها مصراع باب الشمس وإنفتحا”.

تابعو الأردن 24 على google news