ثقافة الاحترام
أ.د. عبدالله يوسف الزعبي
جو 24 :
يوماً ما سينقرض الإنسان، عندما يسقط الإحترام للشجر والمطر، عندما يغفل عن رؤية هدوء القمر، وتلك النجوم في أنسجامها مع الليل، يصم عن الأستماع لتغريدة الريح والطير، يعمى عن متعة الزرقة في العيون والسماء واليم.
يوماً ما سيندم إمرىء ما إذ يجزع في منسم ومسلك الخير، يخفق في إدراك الأصالة وماهية العلاقة بين البشر والطبيعة، مع الكون.
يوماً ما، سينقرض الإنسان، عندما يفقد إحترامه لنفسه، عندما ينغلق على ذاته فينكر غيره، يرفض الإنسان في غيره ويلغيه، عندما تهوي الكلمة بصاحبها، لا يرعوي أو يبالي، إلى قيعان أودية الألم والندم.
سيختفي الإنسان يوماً عندما يفقد الصلة والوصل بالله.
احترام الآخر يتجلى في تواضع الذات وأفعالها، إذ هو دليل حياة، حلية ذوق وحارس فضيلة، به يرقي الإنسان، يسمو المجتمع وتنهض الأمة، به تزرع الشعوب في أبنائها معاني النبل وتصنع الأرواح الأنيقة، إذ تطلب بأدب، تشكر بذوق ثم تعتذر بإباء.
الإحترام إبتسامة صدق ووديعة وفاء، تقدير واعتبار، كرامة ومراعاة، إجلال وإكبار، للنفس وغيرها، للآخر والذات والأعمال، يكفي أنّ تحترم الآخر والفكرة فتكسب المحبة والمهابة، تكون مجاهداً في الطموح وملاكاً باحترام الناس، مثالاً للسخاء والود الصريح.
لا عجب أن تزهر ورود الأمم عندما تسقي أبنائها بندى الخلق وحسن المعشر، عندما تروي عروق أجيالها بدماء الحياء ودماثة الحسن، ترسي بنيان المكارم وتفرش التواضع والشهامة والنخوة على مائدة البقاء والعزة.
ترقى الأمم بكرامة فقط عندما تتزين بتاج الكبرياء وتمتطي صهوة إحترام النفس والذات، تبني دعائم ثقافة المحبة والتسامح وإحترام الآخر والغير.
اليوم، في عصر الفضاء والإفتراض، زمن التواصل على أثير الإلكترون، تطبيقاته ومنصاته، في حقبة الهزيمة والعتمة، في زحمة الجهل والتخلف، يصدأ التاج ويتحطم ذاك السلطان، يتوارى صدى الصحوة مع ضجيج الشجار وزعيق الخلاف والقهر، يتقهقر صوت الحكمة ويغيب في غياهب الشاشات الذكية، يختبيء وراء وجوه الكتب المزيفة والتغريد الغبي، بالشتم والتهمة يضيع الإحترام في صحراء العطش والفاقة والتجريح، في الشرف، في العرض وإغتيال الذات والآخر، في العصا التي تلوح بالقانون والعصا.
مثلما قيس ليلى أو ذاك صاحب لبنى، يهيم اليوم الإحترام في فلاة السوء والفراغ والمنصات، يبحث عن رفقاء سبقوه في الرحيل من قاموس الأمة ومعاجمها، يبحث كأنما غشيم عن مفردات الحب والتسامح والرجولة، ومثلها كثير، يبحث عن إحترام الإخوة والذات.