حدث في إحدى المستشفيات.. من يجبر هذه الكسور في ظل اتفاقية معالجة عاجزة ؟!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
سأبدأ الحكاية من ذروتها ، إذ لديً رغبة شديدة ان اقذف بطاقة التأمين الصحي في وجه الحكومة الحالية وسابقاتها من الحكومات ، التي يبدع جهابذتها في اجتراح كل ما من شأنه تعذيب المواطن وادخاله في سلسلة دوامات لا تنتهي ومعاناة لا يعلم بها الا الله .
وفي التفاصيل ، نقلت الوالد من المستشفى العسكري، الذي اسعف اليه الى احد المستشفيات الخاصة ، نظرا لوجود تأمين صحي مدني يتيح للمؤمن والمنتفع العلاج بتحمل نسبة ٢٠ بالمئة من أجور المعالجة .
وهنا تبدأ الحكاية ، ففي المستشفى الخاص تكتشف ان وجود البطاقة او عدمه واحد ، اخذني الطبيب " على جنب " وابلغني ان الوالد بحاجة إلى إجراء عملية جراحية لا مناص منها ،ولم يكن امامي الا الموافقة بعد ان احاطني علما بضرورتها رغم درجة الخطورة العالية والمضاعفات المحتملة التي لا تحمد عقباها .
الى هنا والأمر طبيعي جدا ، والتحذير من واجب الطبيب ومسؤوليته المهنية والاخلاقية ،لكن الصادم والمفاجئ والمخيب للأمل وغير المتوقع ، جاء على لسان الطبيب ، الذي قال بوضوح ودون مواربة : " انا لا اتعامل مع التأمين الصحي المدني ".
هز الطبيب كياني ، وسألته والدهشة بادية على وجهي ، لماذا ؟ ما اعرفه ان المستشفى ابرم منذ سنوات طويلة اتفاقية مع وزارة الصحة لمعالجة المؤمنين صحيا وهي سارية المفعول، أليس كذلك ؟ وفعلا خاطب المستشفى الشركة المعنية وحصل على موافقة لإدخال المريض وإجراء اللازم من إجراءات طبية .
شرع الطبيب بشرح الأسباب، وأولها عدم عدالة لائحة أجور المعالجة المعتمدة من نقابة الاطباء مؤكدا انها "مجحفة بحق الاطباء ولا تتناسب مع حجم الجهد الذي يبذلونه والخدمة التي يقدمونها " اما ثاني الأسباب فهو تأخر وزارة الصحة في دفع اجور المعالجة المستحقة عليها ، مشيرا ان " الطبيب قد يحتاج لسنوات لتحصيل حقوقه المالية ، ولفت في السياق الى ما اسماه "تغول شركات التأمين وتجبرها ".
أما وانه ليس امامي من خيار آخر غير إجراء العملية ، فقد سألت الطبيب ، وما الحل لهذه المعضلة ؟ فجاء الرد سريعا كلمح البصر دون تردد او مجاملة " اجري العملية بمبلغ ٦٠٠ دينار و ١٥٠ دينارا لطبيب التخدير مع المراعاة ". مغلوبا على أمري اذعنت ، لكن نصائح تلقيتها من اطباء بنقله الى مستشفى الملك المؤسس عبدالله الاول لتوفير امكانات افضل اذا ما حدثت بعض المضاعفات المحتملة والتي لا تتوفر في المستشفى الخاص امكانية التعامل معها .
وحاول الطبيب اقناعي بمشروعية ما يفعل وحقه في الحصول على أجر يتناسب مع عمله وجهده وجسامة المهمة التي يخوض غمارها ومخاطرها في ظل قانون يقف بالمرصاد لأي خطأ طبي ويعاقب " بقسوة "على حد تعبيره .
وقفت حائرا أمام منطق الطبيب وتبريره ، وقد قلب امامي لائحة الأجور التي وصفها "بالجائرة " وعبر بغضب عن الحال المزري مطالبا بتعديل لائحة الأجور.
وفي الوقت الذي اقدر دور القطاع الطبي الخاص وأهمية التكامل في اطار النظام الصحي الذي نتغنى به ، بقي لدي أسئلة لا مفر من الاجابة عليها ، لماذا تبرم وزارة الصحة اتفاقية معالجة مع المستشفيات الخاصة اذا كان الالتزام بانفاذها على هذا النحو الانتقائي للحالات المرضية ؟ وما هو موقف المستشفى الخاص من الطبيب الذي لا يلتزم ببنود الاتفاقية ؟ والأهم ما هو موقف وزارة الصحة من الحكاية ؟
وفي نهاية الحكاية تكتشف ان المستشفى الخاص لا يمتلك الامكانات للتعامل مع الحالة المرضية بالشكل المناسب لإنقاذ الحياة اذا ما وقع المحظور وحدثت مضاعفات أثناء العملية ، وقد يفقد المريض حياته .
على اي حال ها أنا الملم كسور الوالد وانكساري وحسرتي وآهاتي وبقايا كرامة تهدر يوميا في كل قطاع ، وانقل الوالد الى مستشفى آخر كلي امل ان يقبل حالته ويوفر له العناية الطبية والإنسانية التي تخفف الآمه الجسدية وانكسار خاطري .