مستشفى الملك المؤسس ومخاطر الانزلاق للهاوية!!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
يعيش ابناء محافظة اربد وضعا مأساويا يلمسه المرضى الذين يعانون الأمرين تحت وطأة المرض وآلامه وطوابير الانتظار الطويل القاسي الممل لتلقي الخدمة الطبية في مستشفيات المحافظة الحكومية التي تعج بالمرضى وتضيق مبانيها واسرتها عن استيعابهم وتعجز كوادرها المحدودة جدا عن تقديم الخدمة الطبية اللائقة بالإنسان والحفاظ على كرامته وصونها في بيئة صحية.
وفي ظل الأوضاع الصعبة في مستشفيات المحافظة التابعة لوزارة الصحة جراء عدم توفر الاسرة بشكل عام وحسب درجة التأمين الصحي بشكل خاص ، ونقص الاختصاصات الطبية الحيوية لحياة الانسان ،لا بل عدم توفرها نهائيا ،وطوابير الانتظار التي لا تنتهي ،وانقطاع الادوية المستمر وخاصة الضرورية ، يفرالناس بمرضاهم الى ملاذ اكثر أمانا يجدونه في مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي.
وبات اللجوء إلى هذا الصرح الطبي الشامخ بإعداد كبيرة غير معهودة يشكل ضغطا شديدا على مرافقه وكوادره التي تحمل عبئا كبيرا يفوق امكاناته وسعته السريرية، وقدرات كوادره التي ترى التعب باديا على ملامحهم ، ويحاولون اخفاءه بالابتسامة والكلمة الطيبة والصبر ، الذي ينفذ عند أول احتاك مع مريض يتألم فيبدي احتجاجا او امتعاضا جراء الانتظار الطويل الصعب ، إن في الإسعاف والطوارئ او امام العيادات الخارجية وفي الأقسام الداخلية .
الواقع المر للخدمات الصحية في المحافظة ليس جديدا طارئا ، إذ قبل حوالي خمس سنوات لمس الملك عبدالله الثاني خلال زيارته للمحافظة سوء الأوضاع وتدني مستوى الخدمات الصحية وعدم كفايتها وضرورة تطويرها والارتقاء بمستواها وتلبية احتياجات المواطنين ، وأمر بإنشاء مستشفى جديد لاحداث نقلة نوعية في الخدمة المقدمة لابناء المحافظة .
وبعد سنوات من الأمر الملكي ، وضع في عام ٢٠١٨ حجر الأساس لإنشاء المستشفى الجديد بتمويل كريم من المملكة العربية السعودية من خلال صندوقها التنموي ، والى يومنا يسير المشروع بزحف بطيء يعادل سرعة الباص " المريع" الذي اخذ في طريقه احد الماره يوم افتتاحه ، دون قدرته على التوقف ،كيف لا وهو الباص السريع !!.
وللحقيقة فإن مستشفى الملك المؤسس يسد فراغا كبيرا ويعوض نقصا حادا في الخدمة الطبية الحكومية ، لكنه في نهاية المطاف لا يقدم خدمة سلسة للمرضى الذين يحتاجون وفقا لنظام التأمين الصحي للحصول على تحويل لمراجعته ،وهذا لا يتأتى الا بشق الأنفس، وهدر كرامة سعيا للحصول على تحويل ،او الضغط على النفس وعلى موازنة الانفاق من معاش هزيل ، لتأمين ٢٠ بالمئة يتحملها المريض حال مراجعته للمستشفى مباشرة دون تحويل ، وهي نسبة مساهمة عالية جدا ،نظرا للكلفة الباهظة لعديد من الإجراءات والمداخلات الطبية .
على اي حال ،اتاحت لي عدة ايام رافقت فيها الوالد في رحلة علاجه في المستشفى، ان اطل على بعض الجوانب في حجم العمل وإعداد المراجعين ، والجهود الطبية والتمريضية والفنية وحتى الادارية التي تبذل ،وهي تستحق التقدير وتستوجب الثناء وتدعو للاعجاب، لكن الوقت الطويل لساعات في الانتظار لتوفير سرير في حالة الدخول ، وطوابير الانتظار امام العيادات الخارجية والصيدلية الرئيسة لصرف العلاج ، وضجر الكوادر وحالة التذمر والتعب جراء حجم العمل ، جميعها تعيدك الى المربع الاول ، مربع التعب والإرهاق ومعاناة المرضى وسخطهم .
نقلت المشهد بإيجابيته وسلبيته بصدق الى مدير عام مستشفى الملك المؤسس الدكتور محمد الغزو ، وتحدث عن السعي للتطوير والتحديث والانجازات في سبيل ذلك ولفت الى التوسع لمواجهة التحديات، واشار بفخر واعتزاز الى مبادرات فردية من مواطنين أحدهم تبرع بسخاء لإنشاء وحدة جديدة بسعة ٢٠ سريرا جاهزة للافتتاح مطلع شهر آب ، وغيرها من الانجازات على طريق التطوير والتحديث والتوسعة.
خلال الأيام الماضية رأيت مشهدا مروعا ،فخلت نفسي في احد مستشفيات الوزارة ، إن في اعداد المراجعين، وحالة الازدحام ،وطوابير الانتظار ،والمواعيد الطويلة لمراجعة اطباء الاختصاص، والمئات امام الصيدلية لصرف العلاجات ،وتعب المرضى، وتذمر الكوادر ، فأنتابني احساس شديد بالخوف على مستقبل هذا الصرح الذي يبدو أنه يقاوم من أجل البقاء في ظل إهمال حكومي ينذر اذا ما استمر بعواقب وخيمة على القطاع الصحي في محافظة اربد .
اليوم يحتاج القطاع الصحي في المحافظة الى تحرك حكومي عاجل لدعمه واسناده وتخفيف الاعباء عنه ،قبل أن تقع الفأس بالرأس ، ولا بد من الإسراع في انجاز مستشفى الاميرة بسمة الجديد ، الذي ما زالت نسبة الإنجاز فيه تدل ان أمامنا سنوات طوال قبل ان نفرح بافتتاحه وتشغيله .
والى ان يتم انجاز المستشفى الجديد لا بد من دعم مستشفى الملك المؤسس بسداد ديونه المترتبة على الحكومة ووصلت في عام ٢٠١٩ وفق تصريحات رسمية الى اكثر من ٨٠ مليون دينار الجزء الأكبر منها على وزارة الصحة ، التي تسدد بالقطارة ، والله اعلم كم تبلغ المديونية اليوم ، وبخلاف ذلك سنشهد تراجعا كبيرا في الخدمة التي يقدمها ، ويصبح في احواله ووضعه الشقيق التوأم لمستشفى الاميرة بسمة الذي يفر الناس منه بحثا عن امل في الحفاظ على بقايا كرامة مهدورة!! .