ضريبة مسايرة عجلة التاريخ!
حسين الرواشدة
جو 24 : يحتاج عالمنا العربي إلى “معجزة” كي يستعيد عافيته، فحيثما التفت حولك تجد “كارثة”. في سوريا - مثلا - ما تزال الحرب الطاحنة تدور رحاها وتترك كل يوم عشرات الضحايا، والنظام مصرّ على الاستمرار بقتل “شعبه” وتشريدهم، وفي مصر دخلت “الفتنة” الى كل بيت، بعد المشهد المروّع الذي رأيناه في ميداني رابعة والنهضة وغيرهما من المحافظات، ويبدو أن “العسكر” اختاروا “تجربة” إخوانهم في الجزائر، واننا - بالتالي - أمام سنوات من “الدم” والحرب الأهلية، وفي العراق ايضا يتكرر ذات المشهد، فالمتفجرات اليومية أصبحت جزءاً من “تقاليد” الصراع الطائفي الذي لم يتوقف منذ شهور طويلة، أما تونس فليست بعيدة عن تكرار نموذج “مصر” إذ تلوح في الأفق أزمة صراع سياسي يمكن أن يتحول الى صراع دموي.
“الفاعلون” في عالمنا العربي استقالوا من مهمة “التدخل” أو حتى المبادرة، فالجامعة العربية فقدت بصيرتها وعطلت لواقطها وتحولت إلى “صدى” مخجل لما يحدث، والعواصم العربية التي كانت “فاعلة” انحازت إلى اشعال “الصراعات” وتغذيتها لكي تحصن نفسها من امتداد “الثورات” والتحولات، ومنظمة الدول الإسلامية اقتفت أثر هذه العواصم التابعة لها واكتفت “بمناشدة” الأطراف بالتزام الهدوء.
أما الأجنبي فقد “أتقن” دور الانحيازات والرهانات وفقاً لمصالحه، لا شيء يدفعه الى “التدخل” إلا في اللحظة التي يشعر فيها أن مصالحه مهددة، وهو ينحاز - بالطبع - للطرف الأقوى على الأرض، وما دام أن صراع الإخوة داخل البلد الواحد كفيل بأن يحقق له مزيداً من “الضعف” والتفتت والانشغال بإدارة الصراع فإنه سيكون سعيداً جداً بإطالة إحدى “الحروب” والصراعات، ومعني بإصدار ما يلزم من ادانات وتوصيات، وفيما تبقى لا يهمه إلا الاستثمار في “الفوضى” وتعميمها على المنطقة كلها بشرط ألا تمس أمن حليفه في تل أبيب.
إذا وقفنا أكثر في المشهد العربي سنكتشف أننا أمام “نذر” حروب وصراعات وفق سيناريوهين متلازمين: أحدهما يأخذ اتجاه “الحروب الأهلية” كما يحدث في مصر والعراق وربما لبنان وتونس وليبيا مع اختلاف درجة وحدّة تلك الصراعات، واتجاه آخر يأخذ طابع “التدويل” والحروب الشاملة كما يبدو واضحاً في سوريا، حيث يتوقع أن تتطور الأحداث قبل نهاية هذا العام لتدخل عسكري اقليمي ودولي يستغل التفوق النسبي الذي حققته المعارضة ويجهز على النظام لإعادة تقسيم سوريا وفق ما هو جاهز من سيناريوهات.
بعد “الثورات” العربية أصبح العالم العربي مكشوفاً تماماً، ومع أننا - وفق ما فهمناه من تجارب الثورات في العالم - ندرك أن للثورة حلقات ودوائر، ومراحل ضعف وقوة، وتضحيات لا بد أن تدفع، واختراقات من “محيط” عالمي يبحث عن مصالحه، إلا أن ما حدث كان اسوأ مما تصورناه، فمجتمعاتنا لم تحظ مثل غيرها “بأرضية” تنويرية تمكنها من “الممانعة” والمحافظة على مناعتها، ونخبنا السياسية انشغلت بصراعات ومصالحها وبعضها انسحب من الميدان، و”العسكر” تحولوا الى “عصا” قوية تمسك بكل شيء، ووجود “اسرائيل” في قلب عالمنا دفع العالم المتحالف معها الى قياس كل جديد على “مسطرة” الحفاظ على أمن هذا الكيان.
ومع ذلك كله، لا يجوز أبداً ان “نيأس” أو ان نستسلم لتلك النتيجة البائسة، فلدى أمتنا من عوامل الصمود ما يمكنها من تجاوز هذه المحنة، وفي مقدمة هذه العوامل “الدين” الذي يشكل باعثها للتحرر والنهضة، وطعم الحرية الذي اكتشفته وجعلها أكثر اصراراً على امتلاكه، والعدو الواحد الذي يجعلها في كل مرة تستدير نحوه وتتوحد على مواجهته.
باختصار، التحولات التي نتابعها في عالمنا العربي، مهما كانت قسوتها ومفاجآتها وتضحياتها، هي ضريبة ندفعها لمسايرة “عجلة” التاريخ الذي يرفض أن نظل في دائرة “الجمود” والسكون، أو أن نقبل “الموت” مقابل وهم الإحساس بالاستقرار.
(الدستور)
“الفاعلون” في عالمنا العربي استقالوا من مهمة “التدخل” أو حتى المبادرة، فالجامعة العربية فقدت بصيرتها وعطلت لواقطها وتحولت إلى “صدى” مخجل لما يحدث، والعواصم العربية التي كانت “فاعلة” انحازت إلى اشعال “الصراعات” وتغذيتها لكي تحصن نفسها من امتداد “الثورات” والتحولات، ومنظمة الدول الإسلامية اقتفت أثر هذه العواصم التابعة لها واكتفت “بمناشدة” الأطراف بالتزام الهدوء.
أما الأجنبي فقد “أتقن” دور الانحيازات والرهانات وفقاً لمصالحه، لا شيء يدفعه الى “التدخل” إلا في اللحظة التي يشعر فيها أن مصالحه مهددة، وهو ينحاز - بالطبع - للطرف الأقوى على الأرض، وما دام أن صراع الإخوة داخل البلد الواحد كفيل بأن يحقق له مزيداً من “الضعف” والتفتت والانشغال بإدارة الصراع فإنه سيكون سعيداً جداً بإطالة إحدى “الحروب” والصراعات، ومعني بإصدار ما يلزم من ادانات وتوصيات، وفيما تبقى لا يهمه إلا الاستثمار في “الفوضى” وتعميمها على المنطقة كلها بشرط ألا تمس أمن حليفه في تل أبيب.
إذا وقفنا أكثر في المشهد العربي سنكتشف أننا أمام “نذر” حروب وصراعات وفق سيناريوهين متلازمين: أحدهما يأخذ اتجاه “الحروب الأهلية” كما يحدث في مصر والعراق وربما لبنان وتونس وليبيا مع اختلاف درجة وحدّة تلك الصراعات، واتجاه آخر يأخذ طابع “التدويل” والحروب الشاملة كما يبدو واضحاً في سوريا، حيث يتوقع أن تتطور الأحداث قبل نهاية هذا العام لتدخل عسكري اقليمي ودولي يستغل التفوق النسبي الذي حققته المعارضة ويجهز على النظام لإعادة تقسيم سوريا وفق ما هو جاهز من سيناريوهات.
بعد “الثورات” العربية أصبح العالم العربي مكشوفاً تماماً، ومع أننا - وفق ما فهمناه من تجارب الثورات في العالم - ندرك أن للثورة حلقات ودوائر، ومراحل ضعف وقوة، وتضحيات لا بد أن تدفع، واختراقات من “محيط” عالمي يبحث عن مصالحه، إلا أن ما حدث كان اسوأ مما تصورناه، فمجتمعاتنا لم تحظ مثل غيرها “بأرضية” تنويرية تمكنها من “الممانعة” والمحافظة على مناعتها، ونخبنا السياسية انشغلت بصراعات ومصالحها وبعضها انسحب من الميدان، و”العسكر” تحولوا الى “عصا” قوية تمسك بكل شيء، ووجود “اسرائيل” في قلب عالمنا دفع العالم المتحالف معها الى قياس كل جديد على “مسطرة” الحفاظ على أمن هذا الكيان.
ومع ذلك كله، لا يجوز أبداً ان “نيأس” أو ان نستسلم لتلك النتيجة البائسة، فلدى أمتنا من عوامل الصمود ما يمكنها من تجاوز هذه المحنة، وفي مقدمة هذه العوامل “الدين” الذي يشكل باعثها للتحرر والنهضة، وطعم الحرية الذي اكتشفته وجعلها أكثر اصراراً على امتلاكه، والعدو الواحد الذي يجعلها في كل مرة تستدير نحوه وتتوحد على مواجهته.
باختصار، التحولات التي نتابعها في عالمنا العربي، مهما كانت قسوتها ومفاجآتها وتضحياتها، هي ضريبة ندفعها لمسايرة “عجلة” التاريخ الذي يرفض أن نظل في دائرة “الجمود” والسكون، أو أن نقبل “الموت” مقابل وهم الإحساس بالاستقرار.
(الدستور)