jo24_banner
jo24_banner

شجون التشغيل والتعليم والتدريب المهني .. الفرضيات الغائبة لحاكميات مغيبة

د. ماجد الخواجا
جو 24 :


منذ أن بدأت الدولة الأردنية البحث عن حلول لأزمة البطالة وتكدس الخريجين خاصة في التخصصات التي لا توجد لها فرص عمل حقيقية والتي يمكن تسميتها بالتخصصات المتواضعة أو الإنسانيات .. لتزداد حدة المشكلة وتتفاقم إلى درجة الاستفحال بعد أن أصبحت معظم التخصصات اكتسبت صفة الراكدة أو المشبعة أو التي لا وجود لفرص العمل فيها.

فجاءت المبادرات والخطط التنموية والاستراتيجية لتؤكد جميعها أن ثمة فجوة تزداد اتساعا بين التعليم ومخرجاته وبين سوق العمل ومتطلباته .. وأن هناك ضرورة للحد من الالتحاق في كثير من التخصصات الراكدة والمشبعة والتي لا يوجد لها أدنى فرصة في العمل من خلالها لدى سوق العمل العربي، والخليجي تحديدا، وأن هناك فرصا حقيقية يعلن عنها قطاع التعليم والتدريب المهني كبديل متاح لتأمين فرصة العمل للخريجين المتعطلين بعد أن يكتسب مهارات مهنية محددة في مجال مهني ما.

وصولا إلى خطة تنمية الموارد البشرية ( 16 – 25 ) والتي انبثق عنها ما تدعى بخطة إصلاح قطاع التعليم والتدريب المهني والتشغيل، حيث تم إيجاد ما تدعى بهيئة تنمية المهارات كغطاء ومظلة تضم كافة المعنيين في التعليم والتدريب المهني والتشغيل.

ثمة نقص واضح فيما تقوم به الدولة الأردنية في مجال التعليم والتدريب المهني والتشغيل ، ويتمثل بالآتي :

1-نقص المعرفة الحقيقية للمعطيات والمتطلبات .
2- نقص في الحوكمة والشفافية .
3- نقص في الشفافية والنزاهة وعدالة المعايير.
4-نقص في التمويل ومصادره وديمومته.
5-نقص في الكفايات المختصة المعنية بتطوير التعليم والتدريب والتشغيل.
6-نقص في الموائمة الفعلية بين الاحتياجات في سوق العمل وبين المؤهلات والكفايات التعليمية .

إن الدولة الأردنية الباحثة عن إيجاد حلول لكثير من التحديات القائمة الموجعة والتي يأتي في المقدمة منها ليس شبح البطالة، بل وحش البطالة المتجسد في كل بيت، وكل مؤسسة تعليمية تواصل تفويج الخريجين إلى ساحات التعطل عن الأمل وفقدانه عند البحث عن العمل.

منذ إقرار قانون هيئة تنمية المهارات والذي جاء تمريره " فلتة " في مجلس النواب السابق، حيث كان هناك اعتراضات كبيرة على طريقة التنفيذ للقانون، هذا القانون الذي سلق على عجل وانبثقت عنه الهيئة أيضا على عجل، شابه سلسلة من النقائص الواردة أعلاه، والتي جعلت مسار الهيئة منذ البداية مشوها غير محدد الأطر والملامح والتي ظهرت في طريقة تشكيل مجلس الإدارة للهيئة وطريقة تعيين اللجان القطاعية أو ما تدعى مجالس القطاعات المهنية. فكان أن تشابكت المصالح التي يفترض أنها متعارضة، ويكفي ذكر أن القانون حدد رئاسة مجلس الهيئة بوزير العمل وضم لعضوية المجلس وزراء التربية والتعليم العالي، وهذه أول الهنات في تشكيل مجلس الهيئة، فلا يعقل أن يكون وزير العمل هو رئيس المجلس وأن يكون تحت عضويته وزير التربية ووزير التعليم العالي، أما المجالس القطاعية فهل يتمّ الاعلان عن الوظائف أم أن التعيين فيها يتمّ حسب العلاقات والمعايير الشخصية؟ نترك الجواب لتقديركم..

ناهيك عن أنه كان هناك مصدرا ماليا مستقلا للهيئة من خلال نسبة 1% من أرباح الشركات السنوية، والتي تم إيقافها والاستعاضة عنها بزيادة الرسوم على تصاريح العمل وتخصيصها لتنفيذ غايات الهيئة، لكن هذه المخصصات وبعد قرارات الحكومة فقد تم تحويلها إلى الخزينة العامة ويتم الإنفاق منها من خلال مخاطبة وزير المالية وموافقته .

أما فيما يتعلق بالكادر الذي تم تعيينه لصالح هيئة تنمية المهارات، فهذا أمر يشوبه عدم الشفافية منذ بدأت الهيئة أعمالها في عام 2019، فهل تم الإعلان عن أية فرصة عمل أو شاغر وظيفي في الهيئة، أم تم التعيين والمناقلات عبر آليات العلاقات وغيرها دون تحري وجود الكفاءات والمؤهلات المنشودة؟

لقد تدخلت الهيئة في كثير من التفاصيل التي لا علاقة مباشرة لها بها، فقامت بمنح التمويل لكثير من المشاريع التدريبية التشغيلية التي لم يثبت نجاح أي مشروع منها ، فهل قامت بتقييم ومتابعة حقيقية لمخرجات تلك المشاريع الممولة. ولو أتيح لي إجراء دراسة تتبعية للمشاريع الممولة من قبل هيئة تنمية المهارات، ربما لن أفاجأ بهول الفجيعة التي ستظهر أننا أهدرنا الملايين على مخرجات قيمتها الفعلية الصفر.

إنني أتمنى على رئيس الحكومة تشكيل لجنة محايدة لتقييم عمل الهيئة ومخرجاتها خاصة ما يتعلق بالمشاريع التشغيلية الممولة من طرفها .
إن حوكمة الأعمال وحاكمية الإدارة تقتضي أن نتحرى عدم تضارب المصالح، لكن في حالة هيئة تنمية المهارات فهناك ليس فقط تضارب وإنما تشابك في المصالح، فلا يعقل أن يكون وزير العمل رئيسا لمجلس الإدارة في الهيئة وهو أيضا رئيسا لمجلس إدارة صندوق التنمية والتشغيل ومؤسسة التدريب المهني .
كذلك لقد تقزم دور ومهام مؤسسة التدريب المهني والشركة الوطنية للتشغيل بحيث أصبحت تعامل مثلها مثل أي مركز تدريبي يقام تحت بيت الدرج ، بل أصبح التغول والإقصاء والتهميش للمؤسسة والشركة باديا للعيان، وهذا ناتج عن فرضية أنه لكي يقوى التدريب في القطاع الخاص فلا بد من إضعافه في القطاع العام.
أما من حيث الاعتماد للبرامج التدريبية والمستويات المهنية والتعليمية، فقد تم إناطة مهمة تقديم برامج الدبلوم الفني والتقني لبعض الجامعات والكليات المستحدثة اهتبالا لهذه الفرصة، فيما حرمت مؤسسة التدريب المهني بما تمتلكه من بيت خبرة مهنية وكوادر وتجهيزات ومشاغل تبز فيها مختلف الجامعات والكليات، لكن تم اقصاؤها عن تقديم هذه البرامج.
وصولا إلى الفرضية التي لم يتم فحصها ناهيك عن صحتها والمتمثلة في أن حل مشكلة البطالة في الأردن يتحقق من خلال التعليم والتدريب المهني، وأن المتعطلين عن العمل من خريجي الكليات والجامعات سيجدون فرص عمل حال التحاقهم بدورة تدريبية مهنية قصيرة تكفي لينخرطوا في سوق العمل. إن هذه الفرضية هي كارثية بكافة المقاييس ، فهي إقرار بفشل النظام التنعليمي الجامعي والمتوسط ، وهي إفتراض غير صحيح بأن سوق العمل يستوعب العاطلين عن العمل اذا ما التحقوا بدورة مهنية.
الحل حسب تجارب الدول المتقدمة يتمثل في العمل على زيادة نسب الملتحقين من البداية في مجالات التعليم والتدريب المهني، مضافا إليها شراكة حقيقية وراسخة وبمصلحة متبادلة مع القطاع الخاص القوي المستعد لاستيعاب كافة الخريجين في المجالات المهنية. ولا تعطى الدروات للجامعيين كما هو الحال لدينا، فالدورات تكون مكملة للتخصص وتثري الخبرة وتنوع المهارة. وهنا يمكن الحديث عن تطوير التخصصات الأكاديمية بحيث تصبح ذات مرونة فائقة ومتسعة تكفي لمنح الطالب عديدا من المهارات قريبة الصلة ببعضها، بحيث توفر للخريج مساحات أكبر عند البحث عن فرصة عمل. فالتخصص الضيق المحدد لم يعد صالحا ضمن مستوى الدبلوم والبكالوريوس وربما الماجستير أيضا.
وللحديث صلة

تابعو الأردن 24 على google news