jo24_banner
jo24_banner

تحذيرات من طمس أول بيوت يبنيها الانسان في مادبا

تحذيرات من طمس أول بيوت يبنيها الانسان في مادبا
جو 24 :

أسعد العزوني- حذر الباحث الأردني في الأمور التاريخية والإرث الإنساني /المصور الفوتوغرافي عبد الرحيم عرجان من طمس أنصاب وبيوت وآثار الدولمن في الأردن ،عن طريق التعدين والهدم وتحويلها إلى أحجار ومواد بناء.

وقال في حديث لـjo24 أنه إهتدى إلى آثار الدولمن في الأردن ،خلال بحثه الذي يقوم به عن حضارة الدولمن في مملكة البحرين حيث كان يقيم عام 2012 لتقديمه إلى مؤتمر التاريخ والحضارة في الأردن ،وأنه وبمحض الصدفة ومن خلال إطلاعه على مرجع أجنبي إكتشف أن هناك آثارا للدولمن موجودة وبكثافة في الأردن ،تعود إلى العصر البرونزي الأول والثاني ويتراوح عمرها ما بين 6-8 آلاف عام.

وتابع انه وعن طريق الأصدقاء والباحثين إستطاع الوصول إليها وكان أول موقع زاره هو حقل دولمن بلدة الفيحاء في منطقة مأدبا 55 كم جنوب شرق عمان ،لافتا أن الغريب في الأمر أنه لا يوجد لتلك النفائس التاريخية أي طريق معبّد أو يافطة إرشادية تدل عليها وتسهل الوصول إليها.

وقال أن عدد أنصاب الدولمن في الفيحاء يبلغ 40 بيتا معظمها سالما ،ولم تصل إليها يد الخراب بعد، إلا ما ندر من عوامل الطبيعة،وهي بيوت تتراوح مقاساتها في المعظم ما بين 2م طول و2 متر عرض و بإرتفاع 1.7 مترا ،وتعلوها صخرة مربعة الشكل 3متر طول و3 متر عرض ،مشيرا إلى ان هذه البيوت متناثرة بشكل غير منتظم بين ثلاث تلال وهي خالية من اي نقوش أو كتابات كون الإنسان آنذاك لم يهتدي إلى الكتابة أو النقوش.

وأوضح أنه وبحسب المصادر العلمية الموثقة فإن هذه البيوت تعد أول بناء جماعي للإنسان وأن أول طريقة دفن تشير إلى إيمانهم بالحياة ما بعد الموت ،مشيرا إلى وجود بعض الخرز والقطع الفخارية البسيطة في بيوت الدولمن التي يسميها أهل المنطقة "بيت الغولة"ويربطونها بالأساطير الشعبية ذات العلاقة بالجان والغولة ولذلك فإن قلة منهم من يقترب منها.

وأضاف عرجان أن تلك الأنصاب شدته بشكل كبير للتوسع في البحث العلمي وزيارة مواقع الدولمن ،فتوجه إلى حقل دامية في منطقة الأغوار الوسطى شرق قناة الغور الشرقية التي يوجد فيها نحو 200 بيتا مكتملا للدولمن ،بمساحة تقارب من 600 دونما مقسمة إلى ثلاثة اجزاء جغرافية هي :الجزء الشمالي ووضعه جيد ويمكن الإستثمار فيه سياحيا كون الأنصاب فيه سالمة ولم تطلها عمليات التعدين الجارية في المنطقة والتي بدأت عام 1999 وقامت شركة "تربرتين" بإستخراج الصخور لغايات البناء من تلك المنطقة.

وأشار إلى أن الترخيص كان محدودا بمنطقة معينة من ذلك الحوض على ألا يتم هدم أو التعدين بمسافة لا تقل عن 1كم ،لكنه أضاف أن واقع الحال كشف أن موقع الشوكة كان يتوسط هذه النصاب حيث قامت بالتعدين في الحوض الشمالي لغاية عام 2006 ،وتم إيقاف العمل بسبب قيامها بالإعتداء على القسم الشمالي ذو الكثافة الأثرية.

وبين عرجان أنه يوجد في القسم الأوسط والجنوبي كسارات ومقالع حجرية تقوم بهدم جائر لأنصاب الدولمن لافتا انه قاد حملة لوقف هذا الهدم لكنه إصطدم بالمعوقات امامه.


وقال انه إستأذن صاحب إحدى الكسارات لإلتقاط صور فوتغرافية فرد عليه:"صور محنا رح نهدمها في الآخر."مشيرا إلى أنه توجه إلى دائرة الاثار وإلتقى مديرها بالوكالة السيد فارس الحمود وعرض عليه صور الهدم التي إلتقطها طالبا منه التحرك لوقف عمليات الهدم لكنه أجابه بانه لا يعرف الجهة المخولة بإتخاذ مثل هذا الإجراء ،علما أن القانون يجيز للمحافظ أو المتصرف إيقاف عمليات الهدم.

وقال عرجان ان أنصاب الدولمن في دامية تشبه أوصاف بيوتهم في الفيحاء مع إختلاف قليل وهو أن هناك كهوفا إبتدعها الإنسان في ذلك العصر،مبينا أنها تتسع لدفن إنسان واحد.
وأضاف أن المنطقة غنية بصخور التربرتين الكلسي الذي تأثر بخام الحديد وبات لونه مائلا إلى الأحمر المصفر وهو ذو جودة عالية وجمالية كبيرة في البناء.

واوضح الباحث عرجان أن أحدا وحتى يومنا هذا لم يحرك ساكنا لوقف هدم بيوت الدولمن في تلك المنطقة، مشيرا إلى أن السالم منها هو نحو خمسين بيتا،بيد أنه إقترح نقل بيوت الدولمن في المنطقتين الجنوبية والوسطى إلى الجزء الشمالي أو مواقع أخرى كما فعلت شركة التربرتين بنقلها بيتين للدولمن إلى متحف الأردن.

وأوضح عرجان أنه توسع في بحثه في مواقع أخرى بإرشاد الباحثين وأهالي المناطق وتوجه إلى زرقاء ماعين في محافظة مأدبا التي تبعد عن عمان 75 كم وهي منطقة يوجد فيها تراخيص قانونية لسلطة المصادر الطبيعية و معه كتب إرشادية من وزارة السياحة والاثار ،مبينا أنه يوجد في تلك المنطقة كسارات رمل البناء بكثافة وقامت بهدم عدد كبير من آثار الدولمن الموجودة على تلال المنطقة.

وقال أن تحقق من الأمر وإكتشف ان الترخيص الأول لإحدى المقالع كان ينص على ترك مسافة 1 كم عن اقرب بيت للدولمن بينما اصبح الترخيص في العالم التالي ينص على ترك مسافة 75 مترا فقط ،واصفا ذلك باللامنطقي ،لأن تلك المنطقة حساسة جدا ولا تتحمل أي إهتزازات إلى جانب التشويه الجمالي للمنطقة المنبسطة حيث تجاوز اصحاب الكسارت إلى هدم عدد غير معلوم من بيوت الدولمن .

وتحدث الباحث عرجان كذلك عن زيارته لمنطقة السخنة في محافظة الزرقاء شرق عمان وعلى بعد 40 كم عن العاصمة ويوجد فيها 120 بيتا سالمة ،كما توجه إلى منطقة الخشيبة في محافظة جرش حيث تتواجد فيها بيوت الدولمن الكهفية وعددها 40 كهفا وبعضها ظاهر على التلال ولم يصلها أي خراب بعد.

وقال أن منطقة الجحفية الواقع بين عجلون وإربد شمال المملكة تضم عددا محدودا من بيوت الدولمن لافتا ظان أهالي المنطقة أزالوا العديد من هذه البيوت لوقوعها في الأراضي الزراعية.

وقال ان هناك خمسة بيوت مكتملة للدولمن تقع في منطقة السويمة على طريق البحر الميت ،وانها في غاية الروعة وتبعد عن الطريق الرئيسي نحو 20 مترا.كما أوضح ان هناك موقعا للدولمن يقع ما بين جبل نيبو البحر الميت ويوجد فيه حوض يضم 20 بيتا ،3 منها مكتملة والبقية لم تسلم من آليات الباحثين عن الذهب والنفائس وهي مدمرة بالكامل.

وردا على سؤال حول التواجد العالمي للدولمن قال عرجان أن أكثر موقع إشتهر بالدولمن وأصبح من ضمن عجائب الدنيا السبع هي تلك المجموعة الموجودة في بريطانيا ،و تظهر على رأس الخارطة السياحية لدى البريطانيين،وكذلك هناك تواجد للدولمن في فلسطين والجولان وسوريا إلى بدايات لواء الإسكندرون ،إضافة إلى عدد قليل في السعودية والجزائر والعراق ،لافتا إلى أن الدولمن في العراق كانوا يدفنون موتاهم في البحرين وعلى شكل تلال إبان عهد جلجامش ،حيث يطلق عليها هناك حضارة الدولمن ،فيما تعد كلمة الدولمن في الأردن والعالم إسما علميا فقط.

ولفت الباحث عرجان إلى أن مصير الدولمن وحتى اليوم ما يزال مجهولا لأن العالم لم يتوصل إلى حقيقة تواجد إنسان تلك الفترة أو الالية التي تم بها بناء الأنصاب وبيوت الدولمن.
وقال الباحث الأردني أن بريطانيا خلدت الدولمن بإصدارها خمسة طوابع تحمل صور آثارهم لتجسيد هذا الإرث الإنساني بينما يتم في الأردن هدم بيوتهم وتحويلها إلى حجارة ومواد بناء ،مع أنها إرث إنساني يجب حمايته والحفاظ عليه ،مؤكدا أن فنانين ونحاتين عالميين مشهورين أمثال جورج هارفاث ومارتن بلمان وإيدن مورنان قاموا بتخليد الدولمن في اعمالهم.

وأضاف عرجان أن مدافن الدولمون في البحرين هي أشهر المقابر التاريخية فسي العالم ،حيث كان يوجد في البحرين نحو 172 ألف مدفن ،جرى تدمير السواد الأعظم منها بسبب المد السكاني والتوسع الحضاري،منوها أنه لم يبق منها سوى ألف مدفن أي ما يعادل نسبة 4% منها،كما تم إعادة تأهيلها لتكون ضمن محمية أثرية.

وفي السياق ذاته بين عرجان أن العام 1879 شهد أول عملية تنقيب لهذه المدافن التي تأخذ شكل التلال الرملية أو الحفر الصخرية ضمن غرفتين علويتين، إستخدم البعض منها مرات عديدة ،فيما خصصت البقية للحكام الذين تجسدت فيهم أرواح الآلهة، حسب المعتقد السومري والأكادي والآشوري ،وكانت جثثهم تجلب من أرض الرافدين من هذه الحضارات الثلاث للإستراحة الأبدية في أرض الخلود وأرض شروق الشمس الدولمونية بالبحرين.

وتابع أن هذه المدافن تنتشر في مطقة سار ومدينة عيسى وحمة ودمستان وكرز كان وتمتد حتى العرين،منوها أن باحثين من بريطانيا وإيطاليا وامريكا والأردن أجروا دراسات على هذه المدافن .

وقال ان قلعة البحرين تقع في جزيرة المنامة على الساحل الشمالي على ربوة ترتفع 12 مترا وتضم ضمن أسوارها أهم الحقب المدنية في تاريخ الدولمن،مضيفا أنها تشمل ميناء ذو هندسة متقدمة يسمح للسفن الشراعية بالدخول إليه،عبر قناة مائية شقت تحت سطح البحر وإستخدمت حجارتها في تحصين جدران القلعة.

وأوضح أنهم وجدوا في هذا الميناء نظام إرساء للسفن والوزن وختم البضائع ،مشيرا إلى أنهم انشأوا متحفا خاصا به في ذات الموقع يضم أهم المكتشفات من مقاطع صوانية ومقاشط وأختام جمركية من مختلف العصور إضافة إلى عملات تعود لعدة حضارات وفخاريات نادرة وعملات إسكندر المقدوني الفضية التي لا تقدر بثمن إلى جانب الحلي والمجوهرات التي تعود لذلك العصر.

وردا على سؤال يتعلق بأنماط مدن الدولمن قال عرجان أن هناك خمسة أنماط للمدن الدولمونية ،وأن معظمها تركز في منطقة المنامة ضمن اسوار قلعة البحرين الحالية التي تشرف على الشاطيء الشمالي بطول 750 مترا وعرض 360 مترا.

وقال أن المدينة الأولى وجدت في الفترة ما بين 288-2200ق .م وأن أهم ما عثر فيها هو الكسر الفخارية ذات التقنية العالية في ذلك العصر ،في حين أن المدينة الثانية وهي فترة الذروة لتلك الحضارة ما بين 1800-750 ق.م ،تم فيها بناء المباني الضخمة نسبيا وقنوات الري المنتشرة قرب الجزيرة ومكابس التمر ومخازن الغلال وآبار المياه والميناء الدولموني.

أما أهم معالم المدينة الثالثة 750-325 ق.م ، فأهم معالمها هو قصر أوبري في جزيرة المنامة ،حيث تحول البناء إلى الجبص وظهرت تقنية الفخار الرقيق والمزركش، كما وجد أيضا ضمن توابيت الدفن الفخارية ،وكذلك أوعية تحتوي على فخاريات من ضمنها هيامل عظمية لأفاعي لم يستطع الباحثون الإهتداء إلى هذا الأسلوب في الدفن ولكن يعتقد بأن الأفعى ذات علاقة بأسطورة جلجامش.

وبخصوص المدينة الرابعة فقال أنها بنيت في فترة تايلوس 325 ق.م-622 م،وأهم مكتشفاتها العملات الفضية النفيسة التي تعود إلى الإسكندر المقدوني والموجودة في متحف قلعة البحرين، موضحا أن البيوت المتكاملة التي أرفقت بها الحمامات وغرف التخزين الخاصة ونظام الزخرفة وزركشة الجدران، فظهرت في الفترة ما بين 622-1400م.

وقال الباحث الأردني أن موقعها المتوسط لحضارت العالم القديمة حتم على حضارة الدولمن إنشاء علاقات تجارية وثقافية مع مختلف حضارت العالم ومنها السومريين في العراق والتي إعتبرتها الأرض الطيبة المنتجة للثمار ،وأرض المياه العذبة المنتشرة بكثرة فوق اليابسة وتحت سطح البحر ،ونقطة مهمة للتزود بالمياه والمؤن خلال رحلاتها التجارية.كما انها الأرض التي يعتقد أن بركة الإلهة "إنكي" قد حلت بها و‘تبروها ايضا أرض الطهارة والحياة الأبدية ،ولذلك حرموا فيها القتل والظلم وإفتراس الأسد أو نهش الذئب للحمل حسب أسطورتهم المعروفة بإسم"إنكي ونخور سات"،مؤكدا أن هذا المعتقد جعلهم يدفنون موتاهم من الكهنة والطبقات الراقية في أرض الخلود لإيمانهم بالحياة الأبدية ما بعد الموت.

وتابع عرجان أن الدولمن أنشأوا أيضا علاقة مع الآشوريين وكانت إمتداد للعلاقة مع السومرين التي كانت تحت سيطرتهم إبان مملكة "أور" وذكرت في نص "دولمن ومجان وسرجون وبانيبال" وهي أهم النصوص التاريخية في ذلك الوقت،لافتا أن علاقة الدولمن بالأكاديين ذكرت في أخبار سرجون الأكادي الذي أضاف الأراضي المحيطة بها إلى مملكته،وهي الساحل الشرقي للجزيرة العربية ،منوها أن الملك "جوديا"بعد أن قام بدك بابل، أرسل وفدا إلى ملكها "سنحاريب" ووضعه أما خيارين: إما الخضوع الكامل لنظام الحكم الأكادي أو الخراب الكامل كما حدث لبابل.

وقال أن حضارة الدولمن وجدت في البحرين منذ العصر النحاسي "الألف الثالث قبل الميلاد"في موقع متوسط لحضارت العالم القديم وهمزة الوصل ما بين بلاد الرافدين وحضارة السند في الهند والفراعنة في مصر وما كان في الجزيرة العربية،لافتا أنها ذكرت في الكتابات المسمارية والسومرية التي تعد أول كتابة عرفها التاريخ وأبدعتها الإنسانية.

وأضاف الباحث عرجان أن حضارة الدولمن تمتد من جزيرة فيلكا شمال الكويت إلى اطراف مجان في سلطنة عمان على إمتداد الساحل الشرقي للجزيرة العربية والتي تسمى بأرض الخلود والمكان الذي تشرق منه الشمس ،مبينا أنها حضارة متكاملة من حيث المدنية وكان فيها نظام إقتصادي تجاري مقرونا بنظام متكامل من حيث الموانيءوأنظمة التخزين ،إضافة إلى نظام الجمارك بشكله المبدئي من حيث الأختام وانظمة الوزن والتحصينات الدفاعية للجزيرة التي كان مركزها المنامة والمحرق.

وحول سر تسميتها بأرض الخلود ،أوضح الباحث الأردني أن أسطورة "نعم"السومرية ذكرت أن هذه التسمية كانت مقرونة بالمعتقدات الدينية السائدة في تلك الأيام التي تقول أن الإلهة "إنكي" هجرت أرض الرافدين وسكنت أرض الخلود وبعدها تبعها البطل السومري جلجامش للبحث عن سر الخلود أيضا، وهو زهرة اللوتس التي نبتت تحت مياه البحر إلا أن الأفعى إلتهمتها وحرمته من هذه الميزة،موضحا أنها سميت أيضا بتايلوس وأرودوس وهي أسماء إغريقية أطلقت على الجزيرتين في القرن الثالث ق.م ،وكذلك إسم "أوال " وهو إسم المعبد الوثني المعروف بقبيلة وائل ما قبل الإسلام.

تابعو الأردن 24 على google news