jo24_banner
jo24_banner

الظل الطويل لكورونا: كيف نتجنب مصيدة "الأرقام بخير والإقتصاد يعاني"؟

د. جمال الحمصي
جو 24 :
الظل الطويل لكورونا:
كيف نتجنب مصيدة "الأرقام بخير والإقتصاد يعاني"؟

 أصدرت دائرة الإحصاءات العامة منذ أقل من أسبوع تقديراتها الربعية الدورية للناتج المحلي الإجمالي وللنمو في الإقتصاد الأردني للربع الثاني من عام 2021.
حسب بيان الدائرة، فقد أظهرت نتائج التقديرات الأولية نمواً بلغت نسبته 3.2% خلال الربع الثاني من عام 2021 مقارنة بالربع الثاني من عام 2020، مدفوعاً بنمو قطاع الصناعات التحويلية وقطاع الخدمات المالية، وبالمقارنة مع نمو لم يتجاوز 0.3% خلال الربع الأول من العام الحالي.
هذه النتائج التقديرية للربع الثاني إن صحت فهي تعكس تحولاً مفاجئاً وملفتاً في مسار النمو، بل أن هذه الأرقام تفوق معدلات النمو قبل وباء كورونا بشكل واضح والبالغة نحو 2% في عام 2019، وهي أيضا تتجاوز توقعات صندوق النقد والبنك الدوليين (بحدود 2% أيضاً). وأخيراً، تتناقض هذه التقديرات المتفائلة مع اتجاهات البطالة في الربع الثاني 2021 رغم انسجامها مع احصاءات الصادرات الأردنية.
حسب هذا التحليل، فقد بدأ تعافي الإقتصاد حتى قبل بدء تنفيذ برنامج عمل الحكومة الإقتصادي (2021-2023)، لكن هل هذا الاستنتاج صائب من الناحية الإقتصادية وليس الإحصائية؟.
وحتى اذا عزونا النمو الى التطور السريع الحاصل في برنامج التطعيم الوطني ضد كورونا وإلى فتح مختلف القطاعات، بما فيها الخدمات، فان هذا كاف فقط للعودة الى وتائر نمو في حدود 2%. كما إن حجم التحفيز المالي الحكومي، مهما بلغ، والارتفاع الموازي المتوقع في الإستهلاك الخاص لا يمكن أن يفسر نمو عال يزيد على 2%.
أما النمو الإيجابي والاستثنائي المسجل في الصادرات السلعية فقد انعكس بالفعل على نمو قطاع الصناعة، لكن هذا القطاع لا يستحوذ سوى على 20% من الإقتصاد.
في واقع الحال، وبعد التمحيص في التقديرات والمنهجيات، نجد أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي هي ليست موضع نقاش، بل إن سؤال المقال الأساسي هو في منهجية احتساب نمو الربع الثاني 2021. فقد تأثر هذا الإحتساب للأسف بمشكلة حادة تُدعى "أثر فترة المقارنة Base Effect".
هذه المشكلة عادة ليست خطيرة في الأحوال العادية، لكن الركود الاستثنائي الذي طرأ في النشاط الإقتصادي محلياً ودولياً بدءاً من الربع الثاني 2020 قد خلق تذبذباً استثنائياً في احصاءات الناتج والنمو وربما الصادرات بدءاً من الربع الثاني 2021 عند مقارنتها مع نظيرتها في الربع الثاني 2020.
ولكن اذا ما استبعدنا رقم 3.2% كتقدير متحيز نحو الأعلى ومتأثر بهوّة الربع الثاني 2020، فما هو التقدير الأكثر واقعية؟
كمحلل رئيسي سابق في النمو الاقتصادي وتشخيصه، يمكن القول أن تقديرات النمو في الاقتصاد الأردني في الربع الثاني 2021 يمكن أن تختلف حسب المنهجية المعتمدة، لكن بمقارنة مستوى الناتج الحقيقي خلال الربع الثاني 2021 مع متوسط قيمته خلال الأرباع الأربعة 2020 (لإزالة أثر الموسمي في التقديرات الربعية) نجد ان النمو الإقتصادي بالأسعار الثابتة خلال الربع الثاني 2021 لم يتجاوز 0.1%.
هذا السيناريو يمكن تحديه بمنهجيات أخرى كالمقارنة مع الربع السابق أو الربع الأول 2020، لكن هذه المنهجيات تقود الى تقديرات متفائلة جداً وتتأثر بالعامل الموسمي وبالتالي غير واقعية في ضوء أرقام البطالة.
والمسألة ليست احصائية بحتة، بل لها مضامين جوهرية على السياسة الاقتصادية الحصيفة: إذ قد نقنع أنفسنا بأننا بخير وفي "الاتجاه الصحيح"، لكن الواقع يعكس تراجعاً في معدلات الاستثمار وخروج أعداد متنامية من المنشآت القائمة أو تعثرها وبالتالي تأخر التعافي وضياع أعداد متزايدة من فرص العمل في القطاع الخاص.
ولنتذكر دوماً ان التقييم الاقتصادي الموضوعي يلعب دوراً أساسياً، سواء في ادراك حجم وتنوع والحاح ومتطلبات التعافي الاقتصادي، أو في تبني السياسات الاقتصادية غير التقليدية، الكلية منها والجزئية، بعيداً عن وصفات مالية بحتة لصندوق النقد الدولي لم تُجْدِ نفعاً مستداماً خلال العقد الأخير، حتى قبل وباء كورونا وظله الطويل.

*: مستشار وخبير اقتصادي

تابعو الأردن 24 على google news