jo24_banner
jo24_banner

كيف نحقق مستهدفات النمو في رؤية التحديث الاقتصادي

د. جمال الحمصي
جو 24 :

 

 رغم توالي البرامج وتتابع الاصلاحات المنفذة منذ عقد من الزمن على الأقل، لا يزال النمو الاقتصادي مستقراً بل متجمداً عند مستويات ضعيفة نسبياً بحدود 2-3% وكأنه قدر محلي محتوم أو فخ دولي مُحكم. والنمو الاقتصادي كما هو متفق عليه، ليس بالهدف الفرعي الذي يمكن تجاهله، فهو أساس التنمية الاقتصادية ككل.

وغني عن التفصيل أن هذه المعدلات الرسمية للنمو لا تتجاوز بكثير وتائر النمو السكاني، وهي لا تشبع بالتأكيد التدفقات السنوية للعاطلين عن العمل والواقعين في مصيدة الفقر. باختصار، هذا المسار الضعيف للنمو الذي خفّض تصنيف الأردن الدولي بمؤشر متوسط دخل الفرد مؤخراً لا يضمن الكفاءة ولا حتى العدالة والاستدامة في الاقتصاد الأردني.

فما السبب الجذري لهذا "الاستقرار" عند مسارٍ طويل الأمد للنمو الضعيف والمديونية العالية حالياً؟ وما هي أثاره التوزيعية على السكان؟ وأين سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين وخبرائهما ودعمهم التحليلي والمالي "المستدام"؟ هل السبب هو فلسفة السياسة الاقتصادية القائمة على حكمة "الصندوق" وليبراليته الجديدة وضعف أدواتهما وسياساتهما؟ أم السبب تحديداً هو ترجيح برامج صندوق النقد الدولي لهدف الاستقرار المالي والنقدي على حساب هدف النمو الاقتصادي التشاركي بسبب سياسات انكماشية تقييدية؟ بالرغم من أن النمو المستدام يدعم الاستقرار (نسبة الدين العام والايرادات الحكومية والاحتياطيات الأجنبية والحيز المالي) في الأجل الطويل. الصدمات الخارجية ليست هي التفسير و"الشماعة"، لأن أثرها السلبي يفترض ان يكون مؤقتاً وأن يوازنه ويعادله تدابير تنشيطية إضافية للمؤسسات والسياسات التنموية الأردنية.

فلا تزال السياسات المالية والنقدية والتجارية الأردنية خاضعة لمحددات وقيود هيكلية عائدة الى فلسفة السياسة المعنية وإطارها العام الثابت، بما فيها شح المجال المالي القابل للتصرف Fiscal Space وعدم مرونة معدل الضريبة والاعانة والتعرفة الجمركية والمسقفات وسعر الفائدة ونمو السيولة المحلية حسب الظرف المحلي.

هذا المقال يقدم بعد التحول الديمقراطي الايجابي نموذجاً جديداً لإدارة الرخاء الاقتصادي وتيسيره، سأطلق عليه تعبير: "الإدارة والموازنة العامة الموجّهة بالنمو".

فالإجابة الشافية تبدأ بتحديد المعوقات الأساسية للنمو الاقتصادي Binding Constraintsعلى المستوى الكلي والقطاعي وتمر بحوكمة اقتصادية ومالية أفضل لتنفيذ وتنسيق سياسات النمو وتنتهي بنظام فعال للمراجعة والتقييم والمساءلة. هنا يتم إدراج "التزامات النمو" ضمن تدابير وموازنات واستراتيجيات وأنشطة الوزارات والوحدات الحكومية، حيث التمويل القائم والجديد مرتبط بالأداء الجديد.

وقد يقول قائل ان تنفيذ "الإدارة والموازنة العامة الموجّهة بالنمو" تتجاهل حقيقة شح الموارد ومحدودية الحيز المالي القابل للتصرف وجمود هيكل وبنود الموازنة العامة وتحيزها المهيمن لرواتب الجهازين المدني والعسكري ومخصصات التقاعد بشقيه وكذلك فوائد (خدمة) الدين العام، لكن المطلوب ليس خلق مؤسسات جديدة بالضرورة، وليس متابعة الاستدانة العامة لتوفير حيز مالي اضافي لإنفاق ضعيف الكفاءة على النمو.

المطلوب هو تحسين حوكمة الوزارات والمؤسسات القائمة، الخاضعة للموازنة العامة والمستقلة عنها، واعادة هندستها وتغيير ثقافة إداراتها لتجعل أول أولوياتها ليس تحرير الأسواق والأسعار والخصخصة ومتابعة روتينها، بل تحقيق النمو السريع والمتوازن والعادل الذي يشترك في منافعه مختلف القطاعات والسكان، وبالجزرة والتشريع.

وضمن هذا "المخطط التحفيزي للنمو"، يجب ان تصدر كافة الوزارات والوحدات الحكومية المستقلة تقارير ربعية منتظمة، بناء على منهجية رصينة ومتفق عليها (Growth Impact Assessment)، تخضع للتقييم والمساءلة المهنية والمتخصصة ضمن وحدة جديدة لدى رئاسة الوزراء بالتنسيق أو بالدمج مع دائرة الموازنة العامة.

وهذه التقارير تشرح التدابير التي نفذت خلال الربع الماضي لدعم النمو التشاركي (الشامل والمستدام) وأثارها المتوقعة الى النمو الحقيقي وعلى عدالة التوزيع. والتركيز ينبغي أن يكون خصوصاً على المؤسسات الأكبر حجما وتأثيراً محتملاً على النمو المستقبلي، وعلى معوقات النمو لتيسيرها والتعامل معها فوراً.

فمثلاَ، لا يتوقع ان يكون لوزارة الثقافة تأثيراً كبيراً ومباشراً على النمو قصير ومتوسط الأجل مقابل وزارة الصناعة والتجارة أو وزارة التخطيطأو وزارة الاستثمار، ولا يتوقع ان يكون لوزارة الشباب تأثيراً يوازي تأثير وزارة المالية (بما فيها دائرة الأراضي والمساحة وتأثيرها على قطاع العقار) وهيئة الأوراق المالية وصندوق الضمان الاجتماعي. ولا يتوقع أن يكون لدائرة المطبوعات والنشر تأثيراً تنموياً يوازي نظيره في أمانة عمان الكبرى (مثال: مراجعة المسقفات في ظل ظروف الركود) أو دائرة ضريبة الدخل والمبيعات.

المطلوب اذن نمو حقيقي أسرع على مستوى كلي، وعلى مستوى كل قطاع رئيسي، مقاد من قبل استثمارات القطاع الخاص وصادراته ذات القيمة العالية، مع اعطاء اولوية لقطاعات واعدة ومستهدفة ذات انتاجية أعلى ومردود سريع وعريض على الاقتصاد الأردني (مثال: الصناعات عالية القيمة والاقتصاد الرقمي)، ومن خلال احداث "دفعة قوية" في تنفيذ وتنسيق السياسات الداعمة للنمو في القطاعات ذات الاولوية، بما فيها السياسة الاستثمارية والتجارية والصناعية والمالية والائتمانية والنقدية.

التغييرات المستهدفة في الإدارة العامة وحوكمة الوزارات والمؤسسات المستقلة بعيداً عن ثقافة "القلاع البيروقراطية" يتطلب تحديث قانون التخطيط والتعاون الدولي وبعض التشريعات القطاعية الهامة، وإعادة هندسة وزارة تطوير القطاع العام وخارطة تحديث القطاع العام.

أما فلسفة السياسة الاقتصادية، فليس هنالك أبلغ من مقولة علي بن أبي طالب "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة"، فالليبرالية الجديدة لوحدها لم تعد الحل السحري لتحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، وأهمها النمو الاقتصادي الذي يفوق 5%.


كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير