المواقع الإعلامية : نحو خطاب نقدي
جو 24 : كتب فادي حمّاد - يبدو أن المواقع الإعلامية الإخبارية المحلية لا تعاني من أزمة ذات بعد واحد قدر ما تعاني من أزمات متعددة الأبعاد ، من محاولات الضبط و التوجيه ذات الطابع و المغزى السياسي الأمني إلى أزمات القصور الذاتي ، والقانون القديم القائل بأن كل تراكم كمي سيؤدي بالضرورة إلى تغير نوعي لا يظهر متسقاً مع تكثّر المواقع الإخبارية محلياً، ففي مقابل الكم يبدو أن النوع مازال يحتاج إلى المزيد من النقد و العمل على تطويره .
و بعيداً عن تأسيس خطاب بلغة عاطفية حول تلك المواقع ، فما الذي يمكن أن نقدمه في سبيل تأسيس وجود أكثر فاعلية لأثر تلك المواقع و ضرورتها ، أليس علينا أن نبدأ بالذات قبل التفكير بأدوار محتملة لآخرين ؟
سؤالات الذات
هل يجوز لنا أن نطرح الأسئلة على عكس ما تعودنا من الإجابات التي طالما ألقت بعبء التراجع و الانتكاس في مهنية المواقع الإعلامية إلى أدوار الضبط و وسائل الهيمنة التي مارستها الحكومات ضد هذه المواقع ؟
و أن نبدأ بالسؤال الأساسي البسيط عن طبيعة المستوى و مهنيته الذي قدمته و تقدمه تلك المواقع و طبيعة دوافع ناشري تلك المواقع !
هنا لا تبرز الحاجة إلى تقديم إجابات "نموذجية" بقدر ما تبرز ضرورة المراجعات النقدية الحقيقة من قبل المهتمين بهذا الفضاء الإعلامي ، مراجعات ليست بصدد إلقاء اللوم على الآخر بقدر ما تنهم بمشكلات القصور الذاتي لتلك المشاريع الإعلامية ، فمن جهة هناك تلك النظرة التقليدية حول ناشري تلك المواقع و التي وفقها تجير تلك المشاريع لصالح الأجندة- المفترضة- السياسية أو الاجتماعية لأصحاب تلك المواقع ، و برأيي أن تلك النظرة التي تختزل تلك المشاريع الإعلامية في توصيف برغماتي بحت قد لا تصدق على الجميع كما أنها لا تنظر إلى الصورة بتمامها ، فالأهم من الأجندات الخاصة الغير بريئة من فقه المنافع الذاتية ، هو ترسيخ نماذج و صور رمزية للنخب السياسية و الثقافية الفاعلة في المجتمع ، و تصبح تلك المواقع بما تقدمه من أقلام وسيلة من وسائل ضبط و توجيه تيارات الوعي الثقافي و السياسي في المجتمع ، بل يصبحون السقف الذي تقاس به المضامين و اللغة الاعلامية ، و كأننا نتآمر على القراء في تقديم أي سقف آخر قد يفوق ما هو موجود. و مثل هذه الوظيفة ليست بحاجة إلى رقابة أو تداخلات أمنية الطابع ، لأنها مزروعة في أصل تلك المشاريع و بنيتها ، من هنا تنشأ الضرورة لوجود نوعية أخرى من الناشرين تؤسس عملها على اكتشاف و تقديم نماذج للفكر أكثر أصالة و أكثر انهماماً بمشكلات مجتمعاتها ، بعيداً عن سياق النخب التقليدية التي في غالبها-مع وجود الاستثناءات أبداً- لم تعد تمارس إلى دور عقلنة الواقع بكل بؤسه و الانهمام بأزماتها الذاتية .
و في بُعد المهنية ، نلاحظ أننا حتى اليوم لم ننتج تلك النوعية من الفاعلين في هذا الحقل الذين تطورت " مهنيتهم" ضمن صيرورة طبيعية من التدريب و التفاعل المنفتح ثقافياً و سياسياً ، هذه النوعية من المهنية و التي مازلت يفتقدها الكم الغالب في الفضاء الإعلامي الافتراضي ، ليست ببعيدة عن حالة الصحافة التقليدية ، لكن هذه الأخيرة استطاعت في العقدين الأخريين أن تشرع في الخروج- نسبياً- من هذه النسق من خلال تقديم نماذج لصحفيين و كتاب من أصحاب التخصص و التدريب عالي المستوى ، و هذا ما يبدو أنه غائب عن الفضاء الإعلامي الالكتروني ، و لا يعني الكلام السابق أن التخصص و التدريب ضرورة فردية لمن يمتلك الرغبة في العمل الإعلامي و لكنه ضرورة لمن يرغب في أن يكون صاحب مشروع إعلامي متكامل ، حيث يوفر التدريب و المعرفة المنتظمة السياق حول هذه المشاريع إنتاج رؤية تكاملية للمشروع الإعلامي يضمن عدم لاهتزاز و عدم فقدان لاتزان في مواجهة الضغوط المتنوعة .
من هنا كان الأولى بأصحاب تلك المشاريع أن يمتلكوا من الوعي و الشجاعة ما يجعلهم قادرين على مراجعة مشاريعهم الخاصة و تطويرها قبل أن تظهر تلك الضرورة إثر طرقات الرقابة الحكومية أو ملل المزاج الجماهيري .
الرقابة و الضبط
يخضع الإعلام في الدولة إلى استراتيجيات رقابية ضابطة في داخل بنية الدولة و مجتمعها، حيث تستهدف أساساً كل ما هو مستجد و طاريء و بشكل ما كل ما هو "مختلف"، خاصة إذا ما بدأ المختلف و المستجد في الحضور كاحتمال للتغيير في منظومة الاستراتيجيات الضابطة و العلاقات الراسخة و التقليدية.
و لا أعني أن الدولة أو السلطة تُخضع "المُختلف" لإجراءات من التنظيم الضابط و الرقابة - التي قد تتمثل في الإقصاء في حالات معينة - من جهة أنه مختلف فحسب ، بل ترمي من خلال ذلك إلى الحفاظ على " المؤتلف " ضمن بنية السلطة بعلائقها و تقاليدها السائدة المحافظة .
فالإنتاج الإعلامي - بوصفه ثقافيا أيضاً- لا يشذ عن منطق الرقابة و التنظيم السابق ، فإما أن يندرج العمل الإعلامي ضمن استراتيجيات المحافظة على السائد/المؤتلف و تدعيمه ، أو أنّ يكون جزءاً من استراتيجيات هدم السائد، أي مندرجاً في "المختلف" و هنا ستبدأ الإجراءات الخاصة باستيعاب ذلك المختلف ، و تهميش و إقصاء المختلف .
و قد يبدو الطرح السابق محاولة لشرعنة و عقلنة دور الرقابة و لطموح الهيمنة من قبل السلطة على الإعلام ، لكن يبقى أن نعترف أن محاولات السلطة لضبط مناخ الإعلام فيها لا ينبع من هوس ذاتي بقدر ما هو تمثل واقعي و منطقي للمحافظة على تماسكها بشكلها الراهن ، من هنا كان على العمل الإعلامي أن يعاني نتيجة هذا المنطق الطبيعي و يناضل ضد تشريعات الرقابة و محاولات وأد بعض المشاريع الإعلامية بل حتى ضد محاولات استبعاد بعض النخب عن فضاء السوق الإعلامي .
أما السؤال الأخطر فهو برأيي لا يتوجه إلى الدولة كبنية سياسية بل يجب أن يوجه إلى الفاعلين الحقيقيين خلف بعض التشريعات التي تضيق من مساحة النقد الحقيقي لقوى الفساد و الإفساد ، و للأسف فإن الأخطر من ذلك جميعا هو التواطؤ بين تلك القوى و بعض "سادة" العمل الإعلامي المحلي ، و ما كشف حول قائمة الجنرال الذهبي أخيراً يمثل بعدا واحدا للفضيحة ، أما البعد الأهم فهو مرور تلك الفضيحة بهدوء ، استطيع و يستطيع الكثيرون أن نسمي العديد من "الرموز" الإعلامية التي تقدم للجماهير خطاباً نقدياً إنسانيا و ديمقراطياً و تمارس في صالوناتها و صالونات أربابها أبشع أنواع الخطابات الفاشية ، هؤلاء و استمرار و جودهم هو من يضمن للسلطة توظيفهم عند الحاجة لتمرير قوانين قاسية بحق الحريات الإعلامية . فهم الأبناء الذين قدمتهم السلطة-أمهم- قرباناً لشرعنة محاولات تضييقها على الحريات أو تجذير مقولة فساد النخب الإعلامية في الوعي الجماهيري لإفقاده أية مصداقية مستقبلاً.
التلقي
لم نعتد في الخطاب الإعلامي العربي على إعطاء المتلقي أي دور رئيسي في عملية الإنتاج الإعلامي مع أن أبجديات أي نظرية إعلامية يحتل المتلقي فيها الدور الرئيس . محلياً يبدو أن مجانية الظن بالمتلقي المحلي جعلت غالب القائمين على المواقع الإعلامية و الإخبارية يهملون الحاجة العميقة و الملحة لتغذية عقول المتلقين بما هو أعمق من الخبر الخام حيث تظهر الحاجة إلى " القيمة المضافة" أي القيمة التي يمكن أن يمنحها الإعلاميون و المحللون للخبر
، و هذا المفهوم الذي دخل السوق الإعلامي العالمي قادماً من السوق الاقتصادي ، صار هماً شاغلاً لأصحاب الإمبراطوريات الإعلامية العالمية إثر اهتزاز إمبراطورياتهم نتيجة هيمنة أدوات الاتصال و التواصل الحديثة التي نزعت هالة الأهمية عن الخبر بوصفه مجرد معلومة خام ، فكان البديل الصحي أن يبحث العاملون في هذه المجال عن إعطاء و توفير بعد آخر للخبر ، و هو البعد الذي يوفره التحليل حول الخبر ، و للأسف فإننا لا نلحظ الكثير من الاهتمام بهذين البعدين ، فحتى الكتابات المدعوة تحليلاً غالباً لا تقدم أي قيمة إلا قيمة رأي كاتبها ، في المقابل تبدو المعرفة التي يقدمها الكتاب المحللون أقل من المستوى المتوقع لجمهور بلد نسبة التعليم و الثقافة العامة فيها ليسا متدنيين أبدا .
ما نحتاجه اليوم لم يعد ما يقدم يفيه حقه أو بعض حقه ، من الذكاء و المهنية في إدارة المحتوى مروراً بالقيمة المضافة في التحليل و انتهاء إلى أصالة الرأي و رسوخه أمام محاولات الرقابة و الضبط السلطوية ، كلها مفاهيم و استراتيجيات غائبة -في العموم- عن الفاعلين في الإنتاج الإعلامي المحلي، و الغاية من تقديم أية اجتهادات لا تتمثل في النقد بل هدفها الرئيس هو تشريع النقد و فتحه ليصير جزءاً من صيرورة التطور الذاتي ، بشكل يقدم تجاوزاً ذكياً للمشكلات و الصعوبات أو لتحديات الهيمنة في الفضاء الإعلامي المحلي .
fadisg@gmail.com
و بعيداً عن تأسيس خطاب بلغة عاطفية حول تلك المواقع ، فما الذي يمكن أن نقدمه في سبيل تأسيس وجود أكثر فاعلية لأثر تلك المواقع و ضرورتها ، أليس علينا أن نبدأ بالذات قبل التفكير بأدوار محتملة لآخرين ؟
سؤالات الذات
هل يجوز لنا أن نطرح الأسئلة على عكس ما تعودنا من الإجابات التي طالما ألقت بعبء التراجع و الانتكاس في مهنية المواقع الإعلامية إلى أدوار الضبط و وسائل الهيمنة التي مارستها الحكومات ضد هذه المواقع ؟
و أن نبدأ بالسؤال الأساسي البسيط عن طبيعة المستوى و مهنيته الذي قدمته و تقدمه تلك المواقع و طبيعة دوافع ناشري تلك المواقع !
هنا لا تبرز الحاجة إلى تقديم إجابات "نموذجية" بقدر ما تبرز ضرورة المراجعات النقدية الحقيقة من قبل المهتمين بهذا الفضاء الإعلامي ، مراجعات ليست بصدد إلقاء اللوم على الآخر بقدر ما تنهم بمشكلات القصور الذاتي لتلك المشاريع الإعلامية ، فمن جهة هناك تلك النظرة التقليدية حول ناشري تلك المواقع و التي وفقها تجير تلك المشاريع لصالح الأجندة- المفترضة- السياسية أو الاجتماعية لأصحاب تلك المواقع ، و برأيي أن تلك النظرة التي تختزل تلك المشاريع الإعلامية في توصيف برغماتي بحت قد لا تصدق على الجميع كما أنها لا تنظر إلى الصورة بتمامها ، فالأهم من الأجندات الخاصة الغير بريئة من فقه المنافع الذاتية ، هو ترسيخ نماذج و صور رمزية للنخب السياسية و الثقافية الفاعلة في المجتمع ، و تصبح تلك المواقع بما تقدمه من أقلام وسيلة من وسائل ضبط و توجيه تيارات الوعي الثقافي و السياسي في المجتمع ، بل يصبحون السقف الذي تقاس به المضامين و اللغة الاعلامية ، و كأننا نتآمر على القراء في تقديم أي سقف آخر قد يفوق ما هو موجود. و مثل هذه الوظيفة ليست بحاجة إلى رقابة أو تداخلات أمنية الطابع ، لأنها مزروعة في أصل تلك المشاريع و بنيتها ، من هنا تنشأ الضرورة لوجود نوعية أخرى من الناشرين تؤسس عملها على اكتشاف و تقديم نماذج للفكر أكثر أصالة و أكثر انهماماً بمشكلات مجتمعاتها ، بعيداً عن سياق النخب التقليدية التي في غالبها-مع وجود الاستثناءات أبداً- لم تعد تمارس إلى دور عقلنة الواقع بكل بؤسه و الانهمام بأزماتها الذاتية .
و في بُعد المهنية ، نلاحظ أننا حتى اليوم لم ننتج تلك النوعية من الفاعلين في هذا الحقل الذين تطورت " مهنيتهم" ضمن صيرورة طبيعية من التدريب و التفاعل المنفتح ثقافياً و سياسياً ، هذه النوعية من المهنية و التي مازلت يفتقدها الكم الغالب في الفضاء الإعلامي الافتراضي ، ليست ببعيدة عن حالة الصحافة التقليدية ، لكن هذه الأخيرة استطاعت في العقدين الأخريين أن تشرع في الخروج- نسبياً- من هذه النسق من خلال تقديم نماذج لصحفيين و كتاب من أصحاب التخصص و التدريب عالي المستوى ، و هذا ما يبدو أنه غائب عن الفضاء الإعلامي الالكتروني ، و لا يعني الكلام السابق أن التخصص و التدريب ضرورة فردية لمن يمتلك الرغبة في العمل الإعلامي و لكنه ضرورة لمن يرغب في أن يكون صاحب مشروع إعلامي متكامل ، حيث يوفر التدريب و المعرفة المنتظمة السياق حول هذه المشاريع إنتاج رؤية تكاملية للمشروع الإعلامي يضمن عدم لاهتزاز و عدم فقدان لاتزان في مواجهة الضغوط المتنوعة .
من هنا كان الأولى بأصحاب تلك المشاريع أن يمتلكوا من الوعي و الشجاعة ما يجعلهم قادرين على مراجعة مشاريعهم الخاصة و تطويرها قبل أن تظهر تلك الضرورة إثر طرقات الرقابة الحكومية أو ملل المزاج الجماهيري .
الرقابة و الضبط
يخضع الإعلام في الدولة إلى استراتيجيات رقابية ضابطة في داخل بنية الدولة و مجتمعها، حيث تستهدف أساساً كل ما هو مستجد و طاريء و بشكل ما كل ما هو "مختلف"، خاصة إذا ما بدأ المختلف و المستجد في الحضور كاحتمال للتغيير في منظومة الاستراتيجيات الضابطة و العلاقات الراسخة و التقليدية.
و لا أعني أن الدولة أو السلطة تُخضع "المُختلف" لإجراءات من التنظيم الضابط و الرقابة - التي قد تتمثل في الإقصاء في حالات معينة - من جهة أنه مختلف فحسب ، بل ترمي من خلال ذلك إلى الحفاظ على " المؤتلف " ضمن بنية السلطة بعلائقها و تقاليدها السائدة المحافظة .
فالإنتاج الإعلامي - بوصفه ثقافيا أيضاً- لا يشذ عن منطق الرقابة و التنظيم السابق ، فإما أن يندرج العمل الإعلامي ضمن استراتيجيات المحافظة على السائد/المؤتلف و تدعيمه ، أو أنّ يكون جزءاً من استراتيجيات هدم السائد، أي مندرجاً في "المختلف" و هنا ستبدأ الإجراءات الخاصة باستيعاب ذلك المختلف ، و تهميش و إقصاء المختلف .
و قد يبدو الطرح السابق محاولة لشرعنة و عقلنة دور الرقابة و لطموح الهيمنة من قبل السلطة على الإعلام ، لكن يبقى أن نعترف أن محاولات السلطة لضبط مناخ الإعلام فيها لا ينبع من هوس ذاتي بقدر ما هو تمثل واقعي و منطقي للمحافظة على تماسكها بشكلها الراهن ، من هنا كان على العمل الإعلامي أن يعاني نتيجة هذا المنطق الطبيعي و يناضل ضد تشريعات الرقابة و محاولات وأد بعض المشاريع الإعلامية بل حتى ضد محاولات استبعاد بعض النخب عن فضاء السوق الإعلامي .
أما السؤال الأخطر فهو برأيي لا يتوجه إلى الدولة كبنية سياسية بل يجب أن يوجه إلى الفاعلين الحقيقيين خلف بعض التشريعات التي تضيق من مساحة النقد الحقيقي لقوى الفساد و الإفساد ، و للأسف فإن الأخطر من ذلك جميعا هو التواطؤ بين تلك القوى و بعض "سادة" العمل الإعلامي المحلي ، و ما كشف حول قائمة الجنرال الذهبي أخيراً يمثل بعدا واحدا للفضيحة ، أما البعد الأهم فهو مرور تلك الفضيحة بهدوء ، استطيع و يستطيع الكثيرون أن نسمي العديد من "الرموز" الإعلامية التي تقدم للجماهير خطاباً نقدياً إنسانيا و ديمقراطياً و تمارس في صالوناتها و صالونات أربابها أبشع أنواع الخطابات الفاشية ، هؤلاء و استمرار و جودهم هو من يضمن للسلطة توظيفهم عند الحاجة لتمرير قوانين قاسية بحق الحريات الإعلامية . فهم الأبناء الذين قدمتهم السلطة-أمهم- قرباناً لشرعنة محاولات تضييقها على الحريات أو تجذير مقولة فساد النخب الإعلامية في الوعي الجماهيري لإفقاده أية مصداقية مستقبلاً.
التلقي
لم نعتد في الخطاب الإعلامي العربي على إعطاء المتلقي أي دور رئيسي في عملية الإنتاج الإعلامي مع أن أبجديات أي نظرية إعلامية يحتل المتلقي فيها الدور الرئيس . محلياً يبدو أن مجانية الظن بالمتلقي المحلي جعلت غالب القائمين على المواقع الإعلامية و الإخبارية يهملون الحاجة العميقة و الملحة لتغذية عقول المتلقين بما هو أعمق من الخبر الخام حيث تظهر الحاجة إلى " القيمة المضافة" أي القيمة التي يمكن أن يمنحها الإعلاميون و المحللون للخبر
، و هذا المفهوم الذي دخل السوق الإعلامي العالمي قادماً من السوق الاقتصادي ، صار هماً شاغلاً لأصحاب الإمبراطوريات الإعلامية العالمية إثر اهتزاز إمبراطورياتهم نتيجة هيمنة أدوات الاتصال و التواصل الحديثة التي نزعت هالة الأهمية عن الخبر بوصفه مجرد معلومة خام ، فكان البديل الصحي أن يبحث العاملون في هذه المجال عن إعطاء و توفير بعد آخر للخبر ، و هو البعد الذي يوفره التحليل حول الخبر ، و للأسف فإننا لا نلحظ الكثير من الاهتمام بهذين البعدين ، فحتى الكتابات المدعوة تحليلاً غالباً لا تقدم أي قيمة إلا قيمة رأي كاتبها ، في المقابل تبدو المعرفة التي يقدمها الكتاب المحللون أقل من المستوى المتوقع لجمهور بلد نسبة التعليم و الثقافة العامة فيها ليسا متدنيين أبدا .
ما نحتاجه اليوم لم يعد ما يقدم يفيه حقه أو بعض حقه ، من الذكاء و المهنية في إدارة المحتوى مروراً بالقيمة المضافة في التحليل و انتهاء إلى أصالة الرأي و رسوخه أمام محاولات الرقابة و الضبط السلطوية ، كلها مفاهيم و استراتيجيات غائبة -في العموم- عن الفاعلين في الإنتاج الإعلامي المحلي، و الغاية من تقديم أية اجتهادات لا تتمثل في النقد بل هدفها الرئيس هو تشريع النقد و فتحه ليصير جزءاً من صيرورة التطور الذاتي ، بشكل يقدم تجاوزاً ذكياً للمشكلات و الصعوبات أو لتحديات الهيمنة في الفضاء الإعلامي المحلي .
fadisg@gmail.com