الدُّب والجَنَرال
قبل ثلاثة قرون قال بوالو دبريو في مواعظه أن أصدقاءك هم ألد الأعداء لأخطائك، ولا تخلو ثقافة في العالم من مثل هذه الموعظة، تحذيراً من الصديق المنافق الذي يتملق عواطف صاحبه، فالدب الذي ألقى حجراً على رأس سيده النائم لينقذه من ذبابة فقتله كان جاهلاً وبريئاً، لكن البشر عندما يفعلون ذلك تكون لهم حساباتهم، فالاسترضاء مهنة، وكذلك تزيين الاخطاء لأولياء النعمة.
ولو تذكر ساسة وجنرالات وسادة في عالمنا العربي هذه الموعظة لما سال كل هذا الدم ولما تحولت عواصم عريقة الى أطلال.
وقبل موعظة بوالو بآلاف الأعوام دار حوار بين سيد سومري وتابعه انتهى الى ان قال السيد الذي ضجر من نفاق تابعه أن لا معنى لوجود هذا التابع، لأنه ببغاء تردد الصدى، فقرر الاستغناء عنه، لأنه مجرد ظل ثقيل له.
لكن المشكلة هي ادمان البشر على التلذذ بنفاقهم وتدليلك عواطفهم كالعضلات من اجل الاسترخاء، بقدر ضيقهم بالحق والمصارحة، لكن الانسان يعود الى رشده بعد فوات الاوان.
حدث هذا على امتداد تاريخنا، وان كان قد بلغ ذروته في عصرنا، فالاخطاء التي تحولت الى خطايا وذهب ضحيتها ملايين الناس، وجدت من يتغزلون بها ولو كان اصدقاء ومستشارو صانعي القرار على قدر ولو محدود من الامانة المعرفية والاخلاقية لكان الحال غير الحال.
لكن هؤلاء لم يروا أبعد من أنوفهم ومن يومهم فكانت حكاية الدّب الجاهل أبرأ وأقل أذى من حكايتهم لأنهم لم يلقوا حجارتهم على رأس رجل واحد بل على أمة برمتها.
وهناك حكاية آسيوية قديمة تروى عن طاغية قرر ان يعاقب من لا يمتدح اخطاءه بالموت، وحين علم بأن رجلاً واحداً أصر على عدم الامتثال لهذا الأمر أحضره وسط عدد كبير من الناس ليكون ذبحه عبرة للآخرين ممن تسول لهم أنفسهم العصيان. وفي اللحظة الحاسمة صاح الطاغية بالجلاد قائلاً له.. لا اترك لهذه البلاد رجلها الوحيد، انها من بعده أرملة..
فكم أرملة الآن من البلدان وليس من النساء فقط في هذا العالم الأعمى، فالطاغية له لحظة استفاق فيها لأنه فكر فيها ببلاده، وبالمناسبة فان الطغاة ايضا ليسوا سواسية قدر تعلق الامر بأوطانهم، رغم صعوبة المفاضلة بين نار الطغيان ورمضائه.
فهل يأتينا زمن نقلع فيه عن ادمان عادة علنية قبيحة هي التلذذ بمديح الأخطاء؟
أم ان قدرنا ان ندفع أثماناً مضاعفة للطغاة والدببة معاً، رغم أن الذباب في كل الحالات هو ما ينجو من حجارتنا!!؟
(الدستور)