حين يكون «الديني» طرفاً في الصـراع!
حسين الرواشدة
جو 24 : كان يمكن “للازهر” ان يحافظ على “منزلته” الدينية كمرجعية لأهل السنة الذين يشكلون اكثرية المسلمين في العالم، وكمؤسسة “جامعة” لاتباع كافة المذاهب والمدارس الاسلامية، لكنه – للأسف – أفقد نفسه هذه “الميزة” بعد ان انخرط في العمل السياسي، وانحاز في مواقفه الى طرف ضد الطرف الآخر، وأصبح – بالتالي – مجالا للنقاش العام بين مؤيد ورافض، لا على صعيد التيارات والشخصيات الاسلامية من داخل مصر وخارجها، وانما ايضاً من داخل الازهر نفسه.
دخول “الديني” على خط الاشتباكات والصراعات السياسية التي تدور في عالمنا العربي يبدو مفهوماً ومشروعاً ايضاً، فلا يمكن ان نتصور بأن يقتصر دور علمائنا ومؤسساتنا الدينية على ما يتعلق بالاحوال الشخصية والعبادية للمسلم، وان يتركوا “المجال العام” وقضايا المجتمع – بما فيها السياسة – للآخرين دون ان يكون لهم رأي فيها، لكن ما فعله هؤلاء تجاوز – احياناً – واجب الرأي والنصيحة، وضرورات البحث في الجوامع والمشتركات، والعمل على “وحدة الكلمة” وتجنب “الفتنة” والاخلاص في الدفاع عن الحق، فاصبحوا للأسف جزءاً من “المشكلة” وطرفاً في الصراع، وتحول – بعضهم – الى ادوات لتأجيج مشاعر الكراهية والطائفية والخلاف حتى داخل المذهب الواحد.
لقد نجح “السياسي” في جرّ “الديني” الى معمعة “الصراع”، وأقحمه في “لعبة” الصدام، ووظفه لتمرير “أجنداته” وتسويغ مقراراته، وبدل ان يكون “عالم الدين” ممثلاً للامة وناطقاً باسم “ضميرها العام” أصبح “ناطقاً” باسم السلطة او باسم المعارضة، وعندئذ وقع “العامة” من الناس في دائرة “الحيرة”، فمن يصدقون، وبمن يثقون، ما دام أن كل واحد من العلماء يقدم حجته باسم الدين، ويفتي بالنيابة عن الله تعالى، ويا ليت ان الاختلاف بينهم على مسألة “فقهية” يكون فيها الاختلاف رحمة ويسراً للناس، ولكنه – للاسف – اختلاف على “الاولويات” الكبرى والنوازل التي تتعلق بمصير الامة، وحياة الناس، ومكانة الدين ودوره ايضاً.
كان يمكن “للديني” أن يحافظ على “استقلاليته” وأن يمارس دور الداعية لا دور القاضي، ودور “الجامع” لا دور” المنحاز”، فالسياسة تحتمل الخطأ والصواب، فيما الدين علاقة بين الناس وخالقهم لا يحق لاحدٍ اختراقها او الحكم عليها، لكن ما حدث قلبَ هذه الثوابت والمفاهيم، ووضع “الدين في مواجهة السياسة” والعكس ايضاً، ومع انه لا يخطر في بالنا الدعوة الى الفصل بين الطرفين، الا ان الدمج بينهما يحتاج الى “قواعد” ومعادلات واضحة، والى فهم حقيقي لمقاصد الدين والتزام بها، وفهم والتزام ايضاً بأولويات السياسة وضروراتها، وهذا للأسف ما نفتقده في كثير من تجاربنا، لا سيما المعاصرة منها.
مهمة علماء الدين ومرجعياته ومؤسساته في عالمنا العربي الذي يمرّ بأخطر التحولات يفترض ان تقوم في اطار “درء الفتن والمفاسد” وجمع شمل الامة والمجتمعات، وحرمة التل والتكفير، وتصحيح حالى “التدين”، وكبح جماح خطاب الكراهية والصراعات المذهبية والسياسية، ولكي يتمكنوا من ذلك، لا بدّ أن “يلتقوا على كلمة سواء” وفتاوى منزهة عن الاغراض السياسية، و”اجماع” مؤسسي يسهم فيه اهل الخبرة والاختصاص لكي يكون ملزماً ومقنعاً للجميع.
الجراحات التي تتركها الصراعات السياسية يمكن ان تلتئم، لكن الصراعات التي يّذكيها البعض “باسم الدين” تحتاج الى وقت طويل لكي تبرأ، وربما تخلّف وراءها المزيد من “المظلوميات” والآلام وعوامل الفرقة، وقد عانت امتنا في تجربتها التاريخية من هذه الصراعات التي جرت تحت “غطاء الدين” وما نزال ندفع ضريبتها حتى الآن.
لقد اخطأ بعض علمائنا حين “أفتوا” بالقتل، او حين انحازوا الى طرف سياسي ضد آخر، كما اخطأ بعض السياسيين حين وظفوا مؤسساتنا الدينية او هاجموها، وها نحن للاسف ندفع ثمن هذه “الاخطاء” في كثير من بلداننا العربية والاسلامية التي تطحنها الصراعات حول السلطة او على تخوم المذاهب او الطوائف او الاديان والملل، وكان يمكن ان نتجنبها لو ظل علماء الدين ورجاله بعيداً عن “منصة” السياسة، شهداء على الناس، وممثلين لضميرهم ودعاة لوحدتهم ايضاً.
(الدستور)
دخول “الديني” على خط الاشتباكات والصراعات السياسية التي تدور في عالمنا العربي يبدو مفهوماً ومشروعاً ايضاً، فلا يمكن ان نتصور بأن يقتصر دور علمائنا ومؤسساتنا الدينية على ما يتعلق بالاحوال الشخصية والعبادية للمسلم، وان يتركوا “المجال العام” وقضايا المجتمع – بما فيها السياسة – للآخرين دون ان يكون لهم رأي فيها، لكن ما فعله هؤلاء تجاوز – احياناً – واجب الرأي والنصيحة، وضرورات البحث في الجوامع والمشتركات، والعمل على “وحدة الكلمة” وتجنب “الفتنة” والاخلاص في الدفاع عن الحق، فاصبحوا للأسف جزءاً من “المشكلة” وطرفاً في الصراع، وتحول – بعضهم – الى ادوات لتأجيج مشاعر الكراهية والطائفية والخلاف حتى داخل المذهب الواحد.
لقد نجح “السياسي” في جرّ “الديني” الى معمعة “الصراع”، وأقحمه في “لعبة” الصدام، ووظفه لتمرير “أجنداته” وتسويغ مقراراته، وبدل ان يكون “عالم الدين” ممثلاً للامة وناطقاً باسم “ضميرها العام” أصبح “ناطقاً” باسم السلطة او باسم المعارضة، وعندئذ وقع “العامة” من الناس في دائرة “الحيرة”، فمن يصدقون، وبمن يثقون، ما دام أن كل واحد من العلماء يقدم حجته باسم الدين، ويفتي بالنيابة عن الله تعالى، ويا ليت ان الاختلاف بينهم على مسألة “فقهية” يكون فيها الاختلاف رحمة ويسراً للناس، ولكنه – للاسف – اختلاف على “الاولويات” الكبرى والنوازل التي تتعلق بمصير الامة، وحياة الناس، ومكانة الدين ودوره ايضاً.
كان يمكن “للديني” أن يحافظ على “استقلاليته” وأن يمارس دور الداعية لا دور القاضي، ودور “الجامع” لا دور” المنحاز”، فالسياسة تحتمل الخطأ والصواب، فيما الدين علاقة بين الناس وخالقهم لا يحق لاحدٍ اختراقها او الحكم عليها، لكن ما حدث قلبَ هذه الثوابت والمفاهيم، ووضع “الدين في مواجهة السياسة” والعكس ايضاً، ومع انه لا يخطر في بالنا الدعوة الى الفصل بين الطرفين، الا ان الدمج بينهما يحتاج الى “قواعد” ومعادلات واضحة، والى فهم حقيقي لمقاصد الدين والتزام بها، وفهم والتزام ايضاً بأولويات السياسة وضروراتها، وهذا للأسف ما نفتقده في كثير من تجاربنا، لا سيما المعاصرة منها.
مهمة علماء الدين ومرجعياته ومؤسساته في عالمنا العربي الذي يمرّ بأخطر التحولات يفترض ان تقوم في اطار “درء الفتن والمفاسد” وجمع شمل الامة والمجتمعات، وحرمة التل والتكفير، وتصحيح حالى “التدين”، وكبح جماح خطاب الكراهية والصراعات المذهبية والسياسية، ولكي يتمكنوا من ذلك، لا بدّ أن “يلتقوا على كلمة سواء” وفتاوى منزهة عن الاغراض السياسية، و”اجماع” مؤسسي يسهم فيه اهل الخبرة والاختصاص لكي يكون ملزماً ومقنعاً للجميع.
الجراحات التي تتركها الصراعات السياسية يمكن ان تلتئم، لكن الصراعات التي يّذكيها البعض “باسم الدين” تحتاج الى وقت طويل لكي تبرأ، وربما تخلّف وراءها المزيد من “المظلوميات” والآلام وعوامل الفرقة، وقد عانت امتنا في تجربتها التاريخية من هذه الصراعات التي جرت تحت “غطاء الدين” وما نزال ندفع ضريبتها حتى الآن.
لقد اخطأ بعض علمائنا حين “أفتوا” بالقتل، او حين انحازوا الى طرف سياسي ضد آخر، كما اخطأ بعض السياسيين حين وظفوا مؤسساتنا الدينية او هاجموها، وها نحن للاسف ندفع ثمن هذه “الاخطاء” في كثير من بلداننا العربية والاسلامية التي تطحنها الصراعات حول السلطة او على تخوم المذاهب او الطوائف او الاديان والملل، وكان يمكن ان نتجنبها لو ظل علماء الدين ورجاله بعيداً عن “منصة” السياسة، شهداء على الناس، وممثلين لضميرهم ودعاة لوحدتهم ايضاً.
(الدستور)