الرّيبة المُتبادلة!!
خيري منصور
جو 24 : لم يحدث من قبل أن أصبح الرئيس والجنرال والقاضي ورجل الدين يبدأون تصريحاتهم بالقسم ثلاث مرات.. فالجنرال السيسي يقسم بالله العظيم عدة مرات ألا يخون الأمانة الوطنية المعلقة في عنق الجيش، وصفوت حجازي يقسم ثلاث مرات ويحلف بالطلاق أنه لم يكن عضواً في جماعة الاخوان، لكن ذلك جاء بعد القبض عليه بعد أن صبغ لحيته بالأسود، وأضاف ان الرئيس المعزول مرسي أخطأ عدة مرات وأن الاخوان لم يحسنوا قيادة البلاد، وهناك أحد القضاة أقسم أيضاً بالله ثلاثاً قبل أن يدلي برأيه.
فما الحكاية؟ وهل بلغت ثقافة الرّيبة المتبادلة وفقه التكذيب هذا الحد الذي يضطر الناس من كل المواقع والشرائح أن يقسموا بالله ثلاثاً كي يصدقهم من يستمع اليهم.
انها ظاهرة لافتة، وتستحق اهتمام علماء النفس والاجتماع، فالانسان في الظروف السّوية والصحية لا يضطر أن يقسم بالله أو يحلف بالطلاق كلما فكر في قول شيء.
وقد سبقنا برنارد شو بطرافته المعهودة عندما تحدث عمن يفرطون بالقسم، وقد لا يكونون من الكاذبين، لكنهم يعيشون مناخات مشبعة بالرّيبة والحذر وعدم الثقة.
ان الأهم من كل هذا هو ما تناهى في بواطن النفوس في عالمنا العربي، فأزمة الثقة تفاقمت حتى باتت أشبه بالوباء، والتفسير السايكولوجي الأولي لهذه الظاهرة هو فائض المكبونات على اختلاف أنماطها السياسي والتعبيري والنفسي والجسدي، اضافة الى الاقتصادي.
تلك المكبوتات تنامت بمعزل عن أي رصد تربوي أو علمي، فأصبح معظم الناس باطنيين، ومصابين بشيزوفرينيا هي سلاحهم في الدفاع عن أنفسهم.
وكان الناس قبل أن يبلغوا هذا الحدّ من أزمة الثقة لا يقسمون إلا إذا كان الأمر جللاً أو في المحاكم حيث اليمين على من أنكر، لكن ما يحدث الآن هو أن الانسان كاذب الى أن يبرهن على صدقه سواء بالقسم أو باعطائه فرصة لتقديم عيّنة من ممارساته.
وهذا ما أشار اليه بعمق روائي وكاتب تشيكي هو كونديرا عندما قال ان النظم الشمولية المستبدة تحول الناس جميعاً الى متهمين، واختصر ذلك بمقولة بالغة العمق والدلالة.. هي عقاب يبحث عن جريمة وليس جريمة تبحث عن عقاب.
أليس من الأولى أن نقرأ هذه الظواهر من تقربات معرفية وثقافية وعدم اختزالها في السياسة وحدها؟
أخشى أن نضطر نحن الكتاب أيضاً الى أن نقسم بالله ثلاثاً ونحلف بالطلاق كلما كتبناً سطراً كي يصدقنا قراؤنا!!
(الدستور)
فما الحكاية؟ وهل بلغت ثقافة الرّيبة المتبادلة وفقه التكذيب هذا الحد الذي يضطر الناس من كل المواقع والشرائح أن يقسموا بالله ثلاثاً كي يصدقهم من يستمع اليهم.
انها ظاهرة لافتة، وتستحق اهتمام علماء النفس والاجتماع، فالانسان في الظروف السّوية والصحية لا يضطر أن يقسم بالله أو يحلف بالطلاق كلما فكر في قول شيء.
وقد سبقنا برنارد شو بطرافته المعهودة عندما تحدث عمن يفرطون بالقسم، وقد لا يكونون من الكاذبين، لكنهم يعيشون مناخات مشبعة بالرّيبة والحذر وعدم الثقة.
ان الأهم من كل هذا هو ما تناهى في بواطن النفوس في عالمنا العربي، فأزمة الثقة تفاقمت حتى باتت أشبه بالوباء، والتفسير السايكولوجي الأولي لهذه الظاهرة هو فائض المكبونات على اختلاف أنماطها السياسي والتعبيري والنفسي والجسدي، اضافة الى الاقتصادي.
تلك المكبوتات تنامت بمعزل عن أي رصد تربوي أو علمي، فأصبح معظم الناس باطنيين، ومصابين بشيزوفرينيا هي سلاحهم في الدفاع عن أنفسهم.
وكان الناس قبل أن يبلغوا هذا الحدّ من أزمة الثقة لا يقسمون إلا إذا كان الأمر جللاً أو في المحاكم حيث اليمين على من أنكر، لكن ما يحدث الآن هو أن الانسان كاذب الى أن يبرهن على صدقه سواء بالقسم أو باعطائه فرصة لتقديم عيّنة من ممارساته.
وهذا ما أشار اليه بعمق روائي وكاتب تشيكي هو كونديرا عندما قال ان النظم الشمولية المستبدة تحول الناس جميعاً الى متهمين، واختصر ذلك بمقولة بالغة العمق والدلالة.. هي عقاب يبحث عن جريمة وليس جريمة تبحث عن عقاب.
أليس من الأولى أن نقرأ هذه الظواهر من تقربات معرفية وثقافية وعدم اختزالها في السياسة وحدها؟
أخشى أن نضطر نحن الكتاب أيضاً الى أن نقسم بالله ثلاثاً ونحلف بالطلاق كلما كتبناً سطراً كي يصدقنا قراؤنا!!
(الدستور)