jo24_banner
jo24_banner

براقش وأحفادها!

خيري منصور
جو 24 : هل يُراد لهذا الوطن العربي من الوريد الى الوريد أن يصبح شعب بوان حيث صاح أبوالطيب قائلا بأنه غريب اليد والقلب واللسان! وهل يراد لوطن أوسع من قارة أن يتحول الى زنزانة؟ فأي ميداس جديد ابتلينا به بحيث يلامس الذهب فيحوّله الى صدأ ويقلب النعمة على ظهرها كالسلحفاة فتصبح نقمة؟ ان ما يحزننا ليس ما يحدث بقدر ما هو التعامل مع ما يحدث، لكأن هذا الإعصار يعصف بالمريخ أو بواق الواق، بحيث غاب الشغف والشجن معاً عنا ونحن نعانق أو نفارق، فما من مقابر كمقابرنا تعج بالعائدين رغم أن القيامة ليست وشيكة، وما فاض من الموت يكفي لطوفان لكن هناك من استبدلوا الحمامة بالغراب، والهديل بالنعيق تحت سماوات مشبعة بالزفير.
تأتي لحظات لا تخص الكاتب وحده، يصبح فيها الحبر بلون الدم ويتحول فيها الهمس الخجول الى نشيج قومي.
سوف ننحي جانباً في هذه اللحظة الحرجة الثقيلة الفاعل ونائبه والجار والمجرور لنعترف أمام المرايا على الأقل بأننا براقش التي قد تجني أيضاً على أحفادها.
بالطبع ليست هذه هي الخاتمة ولن نقول مرددين ما قاله أسلافنا عندما أكلوا أصابعهم ندماً.. سبقَ السيف العذل. فهناك دائماً بقية من الرحيق كما قال الانجليزي الجريح، شرط أن يكون في الأفق نحل مغامر يعود من ذلك الرحيق ولو بملعقة شهد.
لقد غاب الشغف عن لغتنا فأصبحت مشياً حذراً بين الألغام وليس رقصاً على ايقاع نشيد لثغنا به صغاراً، ثم حملنا دمه كباراً.
ليس فراراً الى فانتازيا البلاغة من فظاعة الواقع وغلظته، بل هي محاولة لاستعادة نبض كان رفيق كل كلمة سواء كانت المناسبة زفافاً أو مأتماً.

فلو عاد ذلك الشاعر العربي الملتاع لن يكرر الصوت أو حتى الصدى: في الشام أهلي وبغداد الهوى، لأن الاغتراب الآن في عقر الدار وليس في الرقمة أو الرقمتين.
لقد جرّنا الواقعيون الجدد بعربات تجرها الضباع لا الخيول الى قيعان لم نعرفها من قبل، فاللحظة غسقية، والخيطان الأبيض والأسود حبلان لمشنقة جماعية.
ما الذي صنعناه بأنفسنا أكثر مما صنعه الغزاة بنا؟ بحيث نخسر أبهى ما في رياضياتنا القومية من جمع وضرب لصالح هذه اللاوغرتمات الطائفية والمذهبية من قسمة وطرح!
إنها لحظات تفيض فيها العين فتغرق الكلمة في الدمعة، لأن ما يحدث هو انتحار قومي ولا يهم ما اذا كان السيف من ذهب أو من حديد.
فهل يأذن لنا الواقعي والذرائعي وآكلُ لحم أخيه حيَّاً وميتاً بدقيقة سدادٍ للدين وليس للحداد!!!

(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير