اللي استحوا...!
قد يكون أصل هذه الحكاية معروفاً لمعظم الناس، فالنساء اللواتي فضلن الموت في الحمام المحترق على الفرار عاريات فقدن الحياة، لكن الحكايات كلها وعلى اختلاف مناسباتها تقبل تأويلات لا آخر لها، فالذين استحوا أيضاً ماتوا، لكن هؤلاء لم يكونوا عراة في حمام تركي كما حدث للنساء، بل هم رجال أدركوا أن الحياة عندما تكون منزوعة الكرامة والحرية والمعنى لا تستحق أن تعاش، فكانوا القطفة الأولى لحروب وثورات ورثها عنهم من هم أدنى مرتبة في الكبرياء وأكثر تشبثاً بالحياة حتى لو كانت على خازوق.
وقد نشرت تقارير من ضحايا الحرب في سورية خصوصاً بعد الاستخدام المشكوك بمصدره للاسلحة الكيماوية فكان اكثرهم من النساء لأن اول ما يتطلبه انقاذ المصاب هو خلع ثيابه لأنها بيئة نموذجية لامتصاص السموم وبالتالي توصيلها الى مسامات الجسد.
وثمة في عالمنا هذا الذي اصبح فيه كل شيء مباحاً ومتاحاً من يخجلون، سواء كانوا رجالاً أو نساء، بحيث يفضلون الموت على أن تظهر عوراتهم على الشاشات كي يتسلى بها العاطلون عن انسانيتهم ووطنيتهم ويعيشون فقط في نطاق الضرورة الذي ترسمه الغرائز وحدها.
وهناك عبارة تنسب الى جيفارا عن وقود الثورات الذين يتقدمون الصفوف ويفقدون حياتهم من أجل الآخرين مقابل أناس ينتظرون بعيداً عن النار كي يقطفوا الثمار بعد أن تتحول الى رماد. أما النساء فلهن حكاية أخرى لا تنسب الى روزا لوكسمبرغ أو جان دارك أو حتى كوندليزا، فقد صحون ذات يوم في زمن غابر وقررن الثورة على الذكور الذين احتكروا الحياة والحروب.
انهن الأمازونيات اللواتي بترن أثداءهن كي لا تعوقهن عن استخدام القوس وأدوات الحرب البدائية.
ان بعض الأقوال المأثورة رغم بساطتها الظاهرية هي أقرب الى السهل الممتنع، ومنها اللي استحوا ماتوا، فتعالوا نقرأ قائمة طويلة بأسماء نساء ورجال من مختلف أقطارنا العربية قرروا أن يموتوا عندما أصبحت الحياة أشبه بعورة كبرى أو مجرد حفلة تعذيب تمتد عبر كل مراحل العُمر.. فالرغيف المسموم أنظف وأسلم من رغيف منقع في ماء الوجه أو دم الشقيق.
لهذا لم تكن المفاضلة عسيرة بين حيّ ميت تأجل دفنه وزكمت رائحة جثته أنوف البشر والشجر والحجر وبين ميت حيّ تفرغ للسهر في قبره المضاء بكهرباء أخرى لا تنقطع ولا فواتير لها هي كهرباء كبريائه التي حولت موته الى قيامة.
فهل تغير الزمان بحيث أصبح كل شيء مقلوبا على قفاه، فنقول مثلاً اللي استحوا عاشوا أو الحرة هي التي تأكل بثدييها عندما تجوع أو كلب حيّ خير من أسد ميّت؟
(الدستور)