2024-07-01 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

لماذا يلجأ رجالات الدولة إلى عشائرهم؟!

د. حسن البراري
جو 24 : لا يخفى على أي مراقب حصيف أن ثمة فجوة ثقة واضحة بين المواطنين الأردنيين ومؤسسات الدولة، ولا غرابة في ذلك، فبعد سنوات من السياسات الخاطئة وما رافقها من استعلائية وأبوية وفساد غير مسبوق في تاريخ الدولة الأردنية بدأ المواطن يشعر بحالة من الاستغراب (alienation) لم يعرفها من قبل. والأخطر أن المواطن بدأ يتوجس من مؤسسات الدولة ولا يثق بصانع القرار ولا في البرلمان الذي يرى الكثيرون من أبناء الأردن بأنه لا يمثلهم، فقد خذلهم في غير مرة، عداك عن التزوير الصارخ الذي مارسته الدولة في الانتخابات في أكثر من مرة.

وإذا كان موقف المواطن قابل للتفسير ومبرر، فإن الأمر مختلف عندما يفقد بعض رجال الدولة الثقة في المؤسسات التي طالما كان على رأسها! فهؤلاء تولوا أرفع المناصب واتخذوا قرارات أو أخذت قرارت باسمهم، ولهذا يتسائل المواطن العادي عن السبب الذي يدفعهم اللجوء إلى عشائرهم مقدمين بذلك مثالا سيئا أرجوا أن لا يحتذى به من قبل عامة الناس. هذه العينة من صناع القرار كانوا يتبجحون بأن الأردن هي دولة قانون ومؤسسات، فما الذي يجري؟

الدكتور معروف البخيت تولى منصب رئاسة الحكومة مرتين في السنوات السبع الأخيرة، والانطباع العام بأنه رجل نظيف وأنه استراتيجي ودائما ما يفكر للأمام، وللأمانة فإن الرجل كان مستقيما ولم يثرى كغيره من الدولة وحتى البيت الذي يسكنه هو هدية من الملك عبدالله. لكن في خضم الحالة العامة التي تتميز يفقدان ثقة المواطن بالمؤسسات لجأ معروف البخيت لعشيرته وقدم نفسه بأنه مستهدفا من قبل رئيس الحكومة الحالي عون الخصاونة وحصل على فزعة من أبناء عشيرته الذين بعثوا برسالة غير مباشرة بأن استهداف إبنهم لن يمر وأن الاصطدام بالعشائر لهو أمر محفوف بالمخاطر. وظهر نوع من الحنق على "استهداف" الخصاونة للبخيت الذي امتعض من وجبة التعيينات التي قام بها البخيت في الساعة الأخيرة من عمر حكومته التي جاءت على طريقة "ضربة مقفي،" ما دفع الخصاونة إلى الغائها. وعلى نحو لافت خرج البخيت عن صمته المعهود وأعلن عن نيته عقد مؤتمر صحفي حتى يحصل على براءة من الشارع لأنه يعرف تماما أن البرلمان الذي لم يحيله إلى القضاء لا يتمتع بأي مصداقية في الشارع الأردني.

وفي السياق، هناك من قدم نصيحة بأن المرحلة تحتاج لتقديم أكباش فداء ليتكون انطباع بجدية الدولة في ملاحقة الفاسدين لكن دون المضي في الملف إلى نهاياته المنطقية التي يمكن أن تطال بعض الأشخاص أصبح المساس بهم خطا أحمرا في وقت تجاوز فيه الأردنيون الكثير من الخطوط الحمراء. وهنا اختلط الحابل بالنابل وظهر وكأن هناك انتقائية وتصفيات حساب يمكن أن يدفع ثمنها البعض الذي قد يكون فاسدا، فنحن لا نجرم أي شخص إلا بعد أن يحاكم محاكمة عادلة.

هناك مطلبان واضحان للشارع الأردني من شأن الاستجابة لهما وضع حد للحراك ويساعد المؤسسات على استعادة الثقة الشعبية. والمطلب الأول ملاحقة الفاسدين بصرف النظر عن هويتهم وأصلهم وقربهم أو بعدهم عن مرجعيات عليا. وهذا لم يحدث لغاية الآن، وجاءت المسرحية البرلمانية بشأن ملف الفوسفات لتقضي على آخر أمل في أن ينتصر البرلمان للأردنيين. والمطلب الثاني هو تمكين الشعب الأردني للمشاركة في صناعة القرار حتى يتحمل أعباء المرحلة القادمة وهذا لا يمكن أن يحدث دون اصلاح سياسي حقيقي يعيد التوازن بين السلطات ويسمح بالمشاركة الشعبية الحقيقية في الحكم. أما الاستمرار في لعبة اقصاء الشعب عن صناعة القرار والطلب منه في الوقت ذاته تحمل أعباء السياسات الخاطئة بل والمدمرة فهو أمر لا يستقيم مع الصحوة الشعبية العامة.

وعودة على بدء، نقول أن معروف البخيت كان رئيسا للحكومة وهو يعرف كيف يصنع القرار ويعرف دور مراكز القوى التي يخشاها الآن، وهو يعرف كيف سجن عادل القضاه وخالد شاهين ويعرف كيف خرج وعاد شاهين، وبالتالي فإن مسألة "استهدافه" ان كانت صحيحة تثير الرعب في قلبه ليس لأنه فاسدا وإنما لانعدام ثقته في المؤسسات بشكل عام. وهنا لا أدافع عن الدكتور معروف البخيت لكن هناك أمور بقيت غامضة غابت عنها الشفافية.

بكلمة، لجوء رجالات الدولة لعشائرهم من شأنه أن يضرب بالهوية الوطنية الجامعة ويسمح للهويات الفرعية بالبروز بشكل يدفع بها لتكون لاعبا سياسيا وهذا أمر جلل! لو كان هناك دولة قانون ومؤسسات لما لجأ بعض المسؤولين السابقين لعشائرهم.
تابعو الأردن 24 على google news