المسيحيون العرب في عمان : حضور دافئ..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : شهدت عمان امس(الاول) لقاء اجتمع فيه نحو مئة من كبار الشخصيات المسيحية، يمثلون معظم الكنائس في بلداننا العربية والعالم، وكان موضوع النقاش حول التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، واستمعنا الى خطاب الملك الذي حذر فيه من خطر ترسخ النظرة السلبية والانعزال بين أتباع الديانات؛ ما يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي لمجتمعاتنا العربية. مذكرا ان منطقتنا تواجه حالة من العنف والصراع الطائفي والمذهبي والعقائدي، وان الاردن حذر من تبعاته السلبية التي تفرز مظاهر من السلوك الغريبة على تقاليدنا وإرثنا الإنساني والحضاري، القائم على مبادئ الاعتدال والتسامح، والتعايش وقبول الآخر.وهنا دعا الملك الى استلهام ا(الحالة الاردنية)التي تشكل أنموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين، كما استمعنا الى كلمة سمو الاميرغازي بن محمد التي اشار فيها الى ان “المسيحيين موجودون في المنطقة قبل المسلمين فهم ليسوا غرباء ولا مستعمرين ولا اجانب بل هم اهل الديار وعرب مثل المسلمين”.وبالتالي فان المساس بهم او الاساءة اليهم امر مرفوض كليا، اولا- شرعا كمسلمين امام الله، وثانيا اخلاقيا كعرب وكربع، وثالثا- شعوريا كجيران وأصدقاء وأعزاء، ورابعا- انسانيا كبشر”.
رسالة المؤتمر كانت واضحة، وهي الدعوة الى استعادة العلاقة الدافئة بين جناحي الامة الواحدة، وتطمين اخواننا المسيحيين بانهم جزءٌ اصيل في مجتمعاتنا، وبان الاردن الذي قدم أنموذجا فريدا في ترتيب هذه العلاقة على اساس المحبة المتبادلة والشراكة الوطنية والاحترام والعيش المشترك يستطيع في هذا الوقت الذي تعاني فيها المنطقة كلها من فوضى الصراعات والحروب ان ينهض بدور اساس في هذا السياق.
للتذكير فقط، فان حالة “التوأمة” التاريخية بين المسلمين واخوانهم المسيحيين العرب خضعت على مدى العقود الماضية (واخرها عصر الثورات والصراعات طيلة الاعوام الثلاثة المنصرفة) لشتى انواع العمليات الاستئصالية ، وكان المطلوب هو “تفريغ” هذا المشرق العربي كله من الحضور المسيحي، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت اخواننا المسيحيين للهجرة الى الغرب، سواء أكانت نفسية ام اغراءات غربية ام اخرى لها علاقة بما حدث من وقائع وصراعات وحروب على الارض، فان النتيجة كانت صادقة بامتياز، فقد تراجعت مثلا نسبة الوجود المسيحي في فلسطين من %21 بعد النكبة الى7% عام2011، فيما تراجعت ايضا نسبة المسيحيين في لبنان من نحو %55 عام 1932 من مجمل السكان الى نحو %40 الآن، وحدث ذلك في مصر وفي العراق وفي غيرهما من دول المشرق العربي، ففي سورية-مثلا- كانت نسبة المسيحيين تقارب ثلث عدد السكان في مطلع القرن العشرين، اما الان فنسبتهم هي اقل من 10 في المئة.أما في العراق، فمنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003،
تراجع عدد المسيحيين هناك بمقدار النصف، ورغم أنهم لا يمثلون سوى 3 بالمائة من إجمالي السكان، إلا أن المسيحيين الفارين من العراق يبلغ تعدادهم نصف عدد الفارين عموما عام 2010 أي في حدود 200 ألف.وكما تشير بعض الاحصائيات فان عدد المسيحيين في المنطقة العربية يبلغ ما بين 12 - 15 مليونا ،(في السعودية نحو مليون ونصف المليون مسيحي) يتوقع ان يهبط الى نحو (6) ملايين في عام ,2020.
قلت فيما مضى ان الدفاع عن الحضور المسيحي في بلادنا العربية والاسلامية، لا يتعلق - فقط - بما نشعر به - نحن المسلمين - من حالة عاطفية ووجدانية تجاه اخواننا الذين أسهموا معنا في بناء حضارتنا وتاريخنا، وجمعنا معهم الوطن الواحد والعيش المشترك، وانما يتعلق ايضاً بواجب ديني، يفرض علينا الحفاظ على هذا التنوع الثقافي والديني الذي ميز الله تعالى به بلداننا، وأمرنا بأن “نرعاه” من منطلق احترام ارادة الخالق والاحتفاء بنعمته، وما اكثرها الآيات القرآنية التي تشير الى العلاقة الطيبة التي تجمع المسلمين بالمسيحيين وأهل الكتاب، وتدعو الى احترامهم وعدم اكراههم على تبديل دينهم ، والتعامل معهم على أساس ان “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”.
والدفاع عن الحضور المسيحي في مشرقنا العربي ، ليس دفاعاً - ايضاً - عن اخواننا المسيحيين الذين اعتقد انهم يشاركوننا في التصدي لهواجس الهجرة وغياب الدور، وانما دفاع - ايضاً - عن الوجه الحضاري لامتنا وقضاياها العادلة، وعن سماحة ديننا الانساني، وعن هويتنا العربية الجامعة وما يجمعنا من موروث ثقافي مبدع، فقد شكل الانسجام بين المسلمين والمسيحيين في بلداننا العربية (أنموذجاً) مشرقاً “للمواطنة” الحقة التي تحصنها القيم قبل القوانين ، وأنموذجاً فريداً “للاخوة” التي لا تخضع لمعايير الفرز المذهبي او الطائفي ولا لمنطق “الاقلية” والاكثرية ، وانما تؤمن بجوامع المحبة والجيرة والعيش المشترك، وتتمسك بأواصر اللغة الواحدة والثقافة الواحدة والمصير الواحد. ولنا ان نتصور ايُّ خسارة سوف تلحق بنا (كما يقول هيكل) لو احسّ مسيحيو المشرق، بحق أو بغير حق ، انه لا مستقبل لهم أول لأولادهم فيه، ثم بقي الاسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية الصهيونية ، أمامه في اسرائيل؟!
“لا بد- كما يقول-ان المشهد العربي سوف يختلف انسانياً وحضارياً وسوف يصبح على وجه التأكيد أكثر فقراً واقل ثراء لو ان ما يجري الآن من هجرة مسيحيي المشرق ترك أمره للتجاهل أو التغافل او للمخاوف حتى وان لم يكن لها اساس”.
لا اتردد - كمسلم - بالدفاع عن حق اخواننا المسيحيين العرب في مزيد من الحضور والتفاعل ولا اتردد - ايضاً - في مطالبتهم بالتصدي - معنا - لهذا التراجع الذي يشكل خسارة لنا ولهم ، مهما كانت اسبابه ودوافعه، ولهذه الحروب والصراعات والاعتداءات التي تستهدفنا مثلما تستهدفهم ايضاً، ولهذه الحملات التي تسعى الى تشويه الدين، اي دين ، واشغال اتباعه بهواجس الخوف من الآخر، وحتمية الصراع بينهم وسجالات “الحمقى” التي تستهدف زرع الفتن من اتباع الاديان.
(الدستور)
رسالة المؤتمر كانت واضحة، وهي الدعوة الى استعادة العلاقة الدافئة بين جناحي الامة الواحدة، وتطمين اخواننا المسيحيين بانهم جزءٌ اصيل في مجتمعاتنا، وبان الاردن الذي قدم أنموذجا فريدا في ترتيب هذه العلاقة على اساس المحبة المتبادلة والشراكة الوطنية والاحترام والعيش المشترك يستطيع في هذا الوقت الذي تعاني فيها المنطقة كلها من فوضى الصراعات والحروب ان ينهض بدور اساس في هذا السياق.
للتذكير فقط، فان حالة “التوأمة” التاريخية بين المسلمين واخوانهم المسيحيين العرب خضعت على مدى العقود الماضية (واخرها عصر الثورات والصراعات طيلة الاعوام الثلاثة المنصرفة) لشتى انواع العمليات الاستئصالية ، وكان المطلوب هو “تفريغ” هذا المشرق العربي كله من الحضور المسيحي، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت اخواننا المسيحيين للهجرة الى الغرب، سواء أكانت نفسية ام اغراءات غربية ام اخرى لها علاقة بما حدث من وقائع وصراعات وحروب على الارض، فان النتيجة كانت صادقة بامتياز، فقد تراجعت مثلا نسبة الوجود المسيحي في فلسطين من %21 بعد النكبة الى7% عام2011، فيما تراجعت ايضا نسبة المسيحيين في لبنان من نحو %55 عام 1932 من مجمل السكان الى نحو %40 الآن، وحدث ذلك في مصر وفي العراق وفي غيرهما من دول المشرق العربي، ففي سورية-مثلا- كانت نسبة المسيحيين تقارب ثلث عدد السكان في مطلع القرن العشرين، اما الان فنسبتهم هي اقل من 10 في المئة.أما في العراق، فمنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003،
تراجع عدد المسيحيين هناك بمقدار النصف، ورغم أنهم لا يمثلون سوى 3 بالمائة من إجمالي السكان، إلا أن المسيحيين الفارين من العراق يبلغ تعدادهم نصف عدد الفارين عموما عام 2010 أي في حدود 200 ألف.وكما تشير بعض الاحصائيات فان عدد المسيحيين في المنطقة العربية يبلغ ما بين 12 - 15 مليونا ،(في السعودية نحو مليون ونصف المليون مسيحي) يتوقع ان يهبط الى نحو (6) ملايين في عام ,2020.
قلت فيما مضى ان الدفاع عن الحضور المسيحي في بلادنا العربية والاسلامية، لا يتعلق - فقط - بما نشعر به - نحن المسلمين - من حالة عاطفية ووجدانية تجاه اخواننا الذين أسهموا معنا في بناء حضارتنا وتاريخنا، وجمعنا معهم الوطن الواحد والعيش المشترك، وانما يتعلق ايضاً بواجب ديني، يفرض علينا الحفاظ على هذا التنوع الثقافي والديني الذي ميز الله تعالى به بلداننا، وأمرنا بأن “نرعاه” من منطلق احترام ارادة الخالق والاحتفاء بنعمته، وما اكثرها الآيات القرآنية التي تشير الى العلاقة الطيبة التي تجمع المسلمين بالمسيحيين وأهل الكتاب، وتدعو الى احترامهم وعدم اكراههم على تبديل دينهم ، والتعامل معهم على أساس ان “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”.
والدفاع عن الحضور المسيحي في مشرقنا العربي ، ليس دفاعاً - ايضاً - عن اخواننا المسيحيين الذين اعتقد انهم يشاركوننا في التصدي لهواجس الهجرة وغياب الدور، وانما دفاع - ايضاً - عن الوجه الحضاري لامتنا وقضاياها العادلة، وعن سماحة ديننا الانساني، وعن هويتنا العربية الجامعة وما يجمعنا من موروث ثقافي مبدع، فقد شكل الانسجام بين المسلمين والمسيحيين في بلداننا العربية (أنموذجاً) مشرقاً “للمواطنة” الحقة التي تحصنها القيم قبل القوانين ، وأنموذجاً فريداً “للاخوة” التي لا تخضع لمعايير الفرز المذهبي او الطائفي ولا لمنطق “الاقلية” والاكثرية ، وانما تؤمن بجوامع المحبة والجيرة والعيش المشترك، وتتمسك بأواصر اللغة الواحدة والثقافة الواحدة والمصير الواحد. ولنا ان نتصور ايُّ خسارة سوف تلحق بنا (كما يقول هيكل) لو احسّ مسيحيو المشرق، بحق أو بغير حق ، انه لا مستقبل لهم أول لأولادهم فيه، ثم بقي الاسلام وحيداً في المشرق لا يؤنس وحدته غير وجود اليهودية الصهيونية ، أمامه في اسرائيل؟!
“لا بد- كما يقول-ان المشهد العربي سوف يختلف انسانياً وحضارياً وسوف يصبح على وجه التأكيد أكثر فقراً واقل ثراء لو ان ما يجري الآن من هجرة مسيحيي المشرق ترك أمره للتجاهل أو التغافل او للمخاوف حتى وان لم يكن لها اساس”.
لا اتردد - كمسلم - بالدفاع عن حق اخواننا المسيحيين العرب في مزيد من الحضور والتفاعل ولا اتردد - ايضاً - في مطالبتهم بالتصدي - معنا - لهذا التراجع الذي يشكل خسارة لنا ولهم ، مهما كانت اسبابه ودوافعه، ولهذه الحروب والصراعات والاعتداءات التي تستهدفنا مثلما تستهدفهم ايضاً، ولهذه الحملات التي تسعى الى تشويه الدين، اي دين ، واشغال اتباعه بهواجس الخوف من الآخر، وحتمية الصراع بينهم وسجالات “الحمقى” التي تستهدف زرع الفتن من اتباع الاديان.
(الدستور)