اتفاقيات المعالجة مع المستشفيات الخاصة.. مسمار آخر في نعش مستشفيات "الصحة"!!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
يتأهب وزير الصحة الدكتور فراس الهواري لدق مسمار آخر في نعش مستشفيات الوزارة بتعديل اتفاقية المعالجة مع المستشفيات الخاصة لتشمل المشتركين بالتامين الصحي المدني من الفئتين الثانية والثالثة للعلاج في المستشفيات الخاصة في الحالات الطارئة .
وكانت الوزارة قد ابرمت في عام ٢٠٠٨ اتفاقيات للمعالجة مع غالبية المستشفيات الخاصة اقتصرت منذ ذلك الحين والى يومنا على المشتركين في التأمين الصحي المدني الدرجة الاولى لقاء تحمل ٢٠ بالمئة من كلفة العلاج .
ومنذ ذلك الوقت وعين جمعية المستشفيات الخاصة على مشتركي الدرجة الثانية والثالثة ، وبقيت تضغط على وزراء الصحة في الحكومات المتعاقبة لتعديل الاتفاقيات لتشمل هاتين الفئتين ، وللامانة لم يقدم اي من الوزراء السابقين على هذه الخطوة الانتحارية الى ان جاء البطل الهمام وبق بحصة الممانعة وأعلن الانصياع لارادة الجمعية .
وباختصار ، أعلن رئيس جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري إنه من " المتوقع الانتهاء من توقيع اتفاقية الملحق بين الجمعية والوزارة خلال أسبوعين " وبذلك يكون قد هيأ المسمار وما على الوزير الا دقه في النعش !! .
اليوم يؤكد وزير الصحة أن الحديث عن خصخصة مستشفيات الوزارة ليس مجرد تكهنات او شكوك وتخوفات، وانما هو مبني على مؤشرات ودلالات وتحليل دقيق لمجمل التطورات على أرض الواقع الصحي والقرارات التي تتخذ في اروقة الوزارة ،وباتت تعلن وإن بحذر شديد وتحت مبررات وذرائع واهنة .
وما يساق من مبررات لتعديل اتفاقيات المعالجة في كثير من جوانبه "حق يراد به باطل " كالقول بأنها تهدف الى "تخفيف الضغط عن المستشفيات الحكومية ..وتحقيق العدالة في العلاج بين مختلف الفئات " ، فما هكذا تورد الإبل!!
ومبدئيا لست ضد مستشفيات القطاع الخاص ، لا بل انظر إليها بفخر ، ولها فضل في تطور القطاع الصحي الأردني، وأسهمت في تشكيل صورته الايجابية والسمعة الطيبة التي يحظى بها محليا وعربيا وعالميا ، وأعتقد أن دورها تعزيز قدرات المستشفيات الحكومية وليس تبديدها وخطفها، الأمر الذي يعني انهيار نظامنا الصحي ان سقط عموده الفقري المتمثل في مستشفيات القطاع العام وتحديدا في وزارة الصحة .
وبالمقابل ادعو بقوة الى ضرورة تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمشتركين في التأمين الصحي المدني ولا سيما الدرجة الثانية والثالثة وهم الاغلبية المسحوقة بخدمة طبية لا تليق بابناء وطنا ، لكن أجزم ان الشرط الوحيد لتحقيق ذلك بناء قدرات مستشفيات الوزارة وتطويرها وتحديثها ، وخلاف ذلك ليس إلا تسويق للوهم .
ونعم كبيرة للتعاون بين جميع مكونات قطاعنا الصحي لتحسين مستوى الخدمة الصحية وتطويرها وتحقيق التكامل ، فذلك ينعكس على ابناء الوطن ايجابا ويعزز السمعة الطبية الطيبة ، ويستقطب السياحة العلاجية التي خسرناها لأسباب عديدة ، وننوح عليها دون أن نحرك ساكنا لإعادتها الى الحياة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
لكن، وحتى يكون التعاون مثمرا، ونقطف ثماره الطيبة ، ينبغي أن يكون ببناء متكافئ للقدرات وتطوير الامكانات ، وحشد الطاقات ، اما التعاون بين طرفين غير متكافئين واحدهما يتأخر عن الآخر ولا يرقى الى مستوى امكاناته وقدراته ، فإنه خداع ومحاولة يائسة للتضليل وجهد عبثي لتغطية الشمس بغربال !!.
وللحقيقة فإن الطرف الضعيف الواهن اليوم في معادلة التعاون المزعومة بين مستشفيات القطاع الخاص والوزارة هو بالتأكيد مستشفيات الأخيرة التي تواجه تحديات جمة عجزت عن مواجهتها على مدى السنوات الماضية بشكل ممنهج مقصود ونية مبيتة من قوى ضاغطة لإيصالها الى ما هي عليه من عجز للاجهاز عليها وخلق مبررات الدعوة للحل عبر الخصخصة .
ما الحل ؟؟ ولماذا الخوف من تعديل اتفاقيات المعالجة ؟؟.
اعتقد جازما ان الحل الامثل يكمن في بناء القدرات الذاتية لمستشفيات وزارة الصحة ، وقد قطعت الأخيرة شوطا طويلا على مدى السنوات العشرة الماضية ، إذ تم إنشاء مستشفيات جديدة ، وتم توسعة مستشفيات قائمة وصيانتها واعادة هيكلتها، بمعنى انه تتوفر بنى تحتيه جيدة ، اذا اين تكمن المشكلة ؟؟.
لعل من أكبر مشاكل الوزارة وأكثرها ارباكا للمشهد وتشويها له ، تلك المتعلقة بالكوادر ، حيث تعاني من نقص حاد في الاطباء واطباء الاختصاص وكذلك التمريض والصيادلة والمهن الصحية المساندة الأخرى، وما نشاهده من ضغط شديد وطوابير انتظار طويلة ومواعيد تمتد لاشهر، مرده هذا النقص .
وببساطة متناهية لن تخفف اي اتفاقية علاجية مع المستشفيات الخاصة الضغط الذي تعانيه مستشفيات الوزارة ، ويتمثل الحل الجذري بتوفير العدد الكافي من هذه الكوادر ولا سيماء اطباء الاختصاص ، الذين يبلغ رصيد الوزارة منها في بعض الاختصاصات صفرا ، بكل معنى الكلمة .
اما مبعث الخوف والخشية من اتفاقية المعالجة والتعديل عليها ، فمرده انها ستكون خنجر طعن مستشفيات الصحة ، وتؤكد اعتراف واضح صريح على ضعف الوزارة وعجزها ، وعدم رغبتها في التطوير والتحديث وبناء قدراتها .
وفي المحصلة مزيد من تراجع الخدمات التي تقدمها مستشفيات الوزارة ، وتأثر الغالبية سلبا بذلك ، اما القلة من الفرحين بالسماح لهم بمراجعة أقسام الطوارئ في المستشفيات الخاصة فسرعان ما سيكتشفوا انهم خدعوا ولم يجدوا ضالتهم المنشودة ولن يحتملوا فاتورة العلاج ، حتى وإن كانت بدفع ٢٠ بالمئة .
ولا بد هنا من التنويه الى الفاتورة العلاجية الباهظة التي سيتحملها صندوق التأمين الصحي جراء مراجعة المؤمنين لاقسام الإسعاف والطوارئ في المستشفيات الخاصة ، والتي ستحمل الوزارة اعباء مالية الاولى ان توجه لتطوير وتحديث مستشفياتها وتعزيزها بالكوادر وتوفير الادوية التي يعاني المرضى الأمرين في سبيل الحصول عليها لفقدانها اغلب الوقت.
وفي الخلاصة ، تشكل توجهات الوزارة معاول هدم لمستشفياتها ، ولن تحسن الخدمة التي تقدمها للمؤمنين صحيا ، بل ستشهد هذه المستشفيات مزيدا من التراجع وسوء الخدمة ، وهي بذلك تخلق مبررات قوية تخدم نهج الخصخصة.