وسائل إعلام وقعت في فخ «الابتزاز»!
حسين الرواشدة
جو 24 : أسوأ وظيفة يمكن ل”الإعلام” أن يمارسها هي الابتزاز، وقد تابعنا – فعلا – نماذج من تلك “المهمات” المغشوشة التي تحوّل الإعلام فيها الى “خصم” غير نزيه، وطرف يتقصّد الهجوم بشكل مباغت، فإذا “قنص” فريسته وضعها في “ميزان” المقايضة، فإما أن تستسلم لمطالبه وتدفع “الخاوة” وإما أن تنتظر ما يمكن أن يفعله من ترويج لـ”أنباء” غير صحيحة، أو تهشيم للصورة، أو اغتيال للشخصية أو المجاهرة بالسوء.
في موسم “الثورة على الفساد” وجد هذا الإعلام “فرصته” لمد شباكه، وبدل أن يلتزم أدق معايير “التحقق” والموضوعية بكشف المفسدين ومساعدة “مرافق” العدالة على الوصول اليهم، انشغل في وظيفة “الابتزاز” وتصفية الحسابات السياسية والشخصية، واندفع بشكل غير طبيعي لتوظيف طاقاته وحشد إمكانياته “لعقد” ما يلزم مع صفقات مع “فاسدين” أصلاء، والتفتيش عن “قصص” أخرى لأشخاص رفضوا “الابتزاز”، وكي يغطي على “انحيازه” وجد في تلك القصص “مادة” مشروعة لـ”الإثارة” ومصيدة لإقناع القارئ بأنه يمارس دوره المهني، فيما الحقيقة أن ما فعله ليس اكثر من “خداع”، أما ضحاياه فحدث ولا حرج.
حين تدقق في أغلب قصص “الفساد” التي تشهدها بعض وسائل الإعلام التي استقالت من الالتزامات الأخلاقية ومن أصول العمل المهني، تكتشف أنك في “ميدان” تحوّل فيه الإعلام من “حكم” الى “طرف” في الصراع، ومن “وسيط” لنقل الحقيقة الى “وسيلة” لتشكيلها وفق مصالح وأهواء من يقف وراءها، كما تكتشف ان المعركة على الفساد تحولت الى “مصيدة” لإيقاع الخصوم وتشويه المؤسسات وطمس الحقائق والابتزاز المالي والسياسي.. ومحاولة لإخضاع “الاشخاص” النظيفين واغتيالهم معنوياً أو لإسكاتهم على الأقل.
لا أنكر ان لدينا – بالطبع – وسائل اعلام ملتزمة وحريصة على اداء مهمتها وفق أدق المعايير المهنية، وقد قامت بدورها على أتم وجه، بفتح “ملفات” الفساد والأخطاء التي ارتكبت، ولم تسمح لنفسها أن تتجاوز هذا الخط، رغم ما تعرضت له من إغراءات وضغوط، لكن تلك الوسائل -للأسف- دفعت ثمن مواقفها، ولم تجد من يقف الى جانبها وهي تتعرض لـ”محنة” الشّح في الموارد المالية أو “التشويه” الذي أصاب “المهنة” فدفع ضريبته كل من ينتمي اليها، حيث راح “الصالح” بجريرة “الطالح”.
مثلما دفعت وسائل الإعلام “النظيفة” ثمن أخطاء “بعض المحسوبين على المهنة”، دفع المجتمع ايضا من سمعته وتماسكه واستقراره الاجتماعي والاقتصادي ذلك الثمن، وإذا كان ثمة طرف قد ساهم بإشاعة اجواء الكراهية والضغينة، وإعاقة ما يمكن ان ينطلق من مبادرات لـ”التوافق” السياسي، و”تشويه” صورة المؤسسات التي يفترض ان تحترم، و الإطاحة بـ”سمعة” الشخصيات النظيفة ودفعها الى “الانزواء” أو الاستقالة من العمل العام، فإن أهم طرف توجه اليه أصابع الاتهام هو “الإعلام” الذي انبت عن رسالته، وانقاد لغرائزه ومصالحه، وضحى بمصداقيته.
أول من يتحمل مسؤولية ما حصل هو “الجسد الإعلامي” نفسه، سواء أكان ممثلا في “النقابة” التي هربت من استحقاقاتها وتركت “الفراغ” للآخرين فملأوه بتشريعات أو إجراءات غير مقنعة، أو كان ممثلا في “حكماء” الإعلام الذين وجدوا أنفسهم “عاجزين” أمام هذه “الطاقة الكبرى” فآثروا الصمت أو الانسحاب من المشهد أو الاكتفاء بتقديم النصائح دون أن يكون لهم “موقع” في التأثير أو التغيير.
أما المسؤول الأهم فهو “الحكومات” المتعاقبة التي ظلت تحمّل “الإعلام” مسؤولية كل شيء، دون ان تسمح لـ”البيت” الإعلامي بأن يرتب نفسه أو أن تمنحه ما يلزم من آليات ودعم لمعاقبة “الدخلاء” الذين استقووا على المجتمع وعليها ايضاً.
في المجتمعات التي تكون فيها طلقة “الشائعة” اقوى من “الحقيقة” نفسها، وتكون فيها “يد” الإعلام أطول من يد “المعلومة” و يد ما يمكن أن يصدر من أحكام “براءة” وردود للتوضيح ومحاولات للشرح والتفصيل واستدراك “النشر” الخطأ، في هذه المجتمعات.. يجد “ضحايا الأعلام” أنفسهم أمام مواجهات غير متكافئة، ومصائر غير واضحة، فيجتهدون بالدفاع عن انفسهم بأية صورة ووسيلة، بعضهم يستسلم للأمر الواقع فيصمت أو يهادن أو يرضخ، وبعضهم يصمم على أن يخوض المعركة فيدفع تكاليفها من سمعته وربما من موقعه، الذي وصل اليه بعصامية، أما “الخصم الإعلامي” فيخرج في الغالب منتصراً دون أن يسأله أحد عما ارتكبه من اخطاء.
إذا سألتني عن “نماذج” من هذا العبث، فلدي – كما لديك – عشرات منها، وما عليك إلا أن “تنقر” على بعض المواقع الإعلامية وعندها ستطالع ما لا يمكن أن تتصوره من “قصص” مفبركة، ومقالات “محبوكة” بعناية، واستقصاءات لحوادث وهمية وبعضها صحيح لكنه “موجّه” لأهداف محددة، وكلها تعكس واحدة من اسوأ مهام الإعلام، وهي مهمة “الابتزاز”، هذه التي تحوّلت إلى “فخ” باسم مكافحة الفساد والأخطاء والدفاع عن حقوق المجتمع، لكنه “فخ” وقع فيه الإعلام ونجا منه “الفاسدون” للأسف.
(الدستور)
في موسم “الثورة على الفساد” وجد هذا الإعلام “فرصته” لمد شباكه، وبدل أن يلتزم أدق معايير “التحقق” والموضوعية بكشف المفسدين ومساعدة “مرافق” العدالة على الوصول اليهم، انشغل في وظيفة “الابتزاز” وتصفية الحسابات السياسية والشخصية، واندفع بشكل غير طبيعي لتوظيف طاقاته وحشد إمكانياته “لعقد” ما يلزم مع صفقات مع “فاسدين” أصلاء، والتفتيش عن “قصص” أخرى لأشخاص رفضوا “الابتزاز”، وكي يغطي على “انحيازه” وجد في تلك القصص “مادة” مشروعة لـ”الإثارة” ومصيدة لإقناع القارئ بأنه يمارس دوره المهني، فيما الحقيقة أن ما فعله ليس اكثر من “خداع”، أما ضحاياه فحدث ولا حرج.
حين تدقق في أغلب قصص “الفساد” التي تشهدها بعض وسائل الإعلام التي استقالت من الالتزامات الأخلاقية ومن أصول العمل المهني، تكتشف أنك في “ميدان” تحوّل فيه الإعلام من “حكم” الى “طرف” في الصراع، ومن “وسيط” لنقل الحقيقة الى “وسيلة” لتشكيلها وفق مصالح وأهواء من يقف وراءها، كما تكتشف ان المعركة على الفساد تحولت الى “مصيدة” لإيقاع الخصوم وتشويه المؤسسات وطمس الحقائق والابتزاز المالي والسياسي.. ومحاولة لإخضاع “الاشخاص” النظيفين واغتيالهم معنوياً أو لإسكاتهم على الأقل.
لا أنكر ان لدينا – بالطبع – وسائل اعلام ملتزمة وحريصة على اداء مهمتها وفق أدق المعايير المهنية، وقد قامت بدورها على أتم وجه، بفتح “ملفات” الفساد والأخطاء التي ارتكبت، ولم تسمح لنفسها أن تتجاوز هذا الخط، رغم ما تعرضت له من إغراءات وضغوط، لكن تلك الوسائل -للأسف- دفعت ثمن مواقفها، ولم تجد من يقف الى جانبها وهي تتعرض لـ”محنة” الشّح في الموارد المالية أو “التشويه” الذي أصاب “المهنة” فدفع ضريبته كل من ينتمي اليها، حيث راح “الصالح” بجريرة “الطالح”.
مثلما دفعت وسائل الإعلام “النظيفة” ثمن أخطاء “بعض المحسوبين على المهنة”، دفع المجتمع ايضا من سمعته وتماسكه واستقراره الاجتماعي والاقتصادي ذلك الثمن، وإذا كان ثمة طرف قد ساهم بإشاعة اجواء الكراهية والضغينة، وإعاقة ما يمكن ان ينطلق من مبادرات لـ”التوافق” السياسي، و”تشويه” صورة المؤسسات التي يفترض ان تحترم، و الإطاحة بـ”سمعة” الشخصيات النظيفة ودفعها الى “الانزواء” أو الاستقالة من العمل العام، فإن أهم طرف توجه اليه أصابع الاتهام هو “الإعلام” الذي انبت عن رسالته، وانقاد لغرائزه ومصالحه، وضحى بمصداقيته.
أول من يتحمل مسؤولية ما حصل هو “الجسد الإعلامي” نفسه، سواء أكان ممثلا في “النقابة” التي هربت من استحقاقاتها وتركت “الفراغ” للآخرين فملأوه بتشريعات أو إجراءات غير مقنعة، أو كان ممثلا في “حكماء” الإعلام الذين وجدوا أنفسهم “عاجزين” أمام هذه “الطاقة الكبرى” فآثروا الصمت أو الانسحاب من المشهد أو الاكتفاء بتقديم النصائح دون أن يكون لهم “موقع” في التأثير أو التغيير.
أما المسؤول الأهم فهو “الحكومات” المتعاقبة التي ظلت تحمّل “الإعلام” مسؤولية كل شيء، دون ان تسمح لـ”البيت” الإعلامي بأن يرتب نفسه أو أن تمنحه ما يلزم من آليات ودعم لمعاقبة “الدخلاء” الذين استقووا على المجتمع وعليها ايضاً.
في المجتمعات التي تكون فيها طلقة “الشائعة” اقوى من “الحقيقة” نفسها، وتكون فيها “يد” الإعلام أطول من يد “المعلومة” و يد ما يمكن أن يصدر من أحكام “براءة” وردود للتوضيح ومحاولات للشرح والتفصيل واستدراك “النشر” الخطأ، في هذه المجتمعات.. يجد “ضحايا الأعلام” أنفسهم أمام مواجهات غير متكافئة، ومصائر غير واضحة، فيجتهدون بالدفاع عن انفسهم بأية صورة ووسيلة، بعضهم يستسلم للأمر الواقع فيصمت أو يهادن أو يرضخ، وبعضهم يصمم على أن يخوض المعركة فيدفع تكاليفها من سمعته وربما من موقعه، الذي وصل اليه بعصامية، أما “الخصم الإعلامي” فيخرج في الغالب منتصراً دون أن يسأله أحد عما ارتكبه من اخطاء.
إذا سألتني عن “نماذج” من هذا العبث، فلدي – كما لديك – عشرات منها، وما عليك إلا أن “تنقر” على بعض المواقع الإعلامية وعندها ستطالع ما لا يمكن أن تتصوره من “قصص” مفبركة، ومقالات “محبوكة” بعناية، واستقصاءات لحوادث وهمية وبعضها صحيح لكنه “موجّه” لأهداف محددة، وكلها تعكس واحدة من اسوأ مهام الإعلام، وهي مهمة “الابتزاز”، هذه التي تحوّلت إلى “فخ” باسم مكافحة الفساد والأخطاء والدفاع عن حقوق المجتمع، لكنه “فخ” وقع فيه الإعلام ونجا منه “الفاسدون” للأسف.
(الدستور)