ويسألونك عن مستقبل الثورات العربية؟
ما هو مستقبل الثورات والتحولات السياسية في عالمنا العربي؟؟ قبل ان أجيب استأذن القارىء الكريم بالتذكير في مسألتين: احداهما ان الخط البياني لما حدث منذ ثلاث سنوات يسير للاسف في الاتجاه “الخطأ” إذ ان ما حدث في مصر مثلا بعد الانقلاب، ومثله في تونس نسبيا، يشير الى ان “الاوضاع” عادت للوراء، ليس فقط على صعيد المنجزات السياسية للثورة المتمثلة في الانتخابات والحرية واستعادة الكرامة وانما ايضا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، اما المسألة الاخرى فهي ان “صورة” هذه التحولات والثورات في البلدان التي لم يطرأ عليها “التغيير” والاخرى التي حاولت “التكيف” جزئيا مع هذه الموجة، ما تزال “غير مقبولة”، صحيح ان استقبال العالم العربي “للربيع” الذي انطلق من تونس كان ايجابيا في البداية، الا ان ما جرى بعد ذلك، سواء في مصر أو ليبيا أو تونس، “قلب” الصورة، ودفع البعض الى الاحساس “بالخوف” من استنساخ “التجربة”، وبالتالي فان عدوى انتشار “الثورات” اصطدم بحصارين: احدهما قامت به الحكومات والمتخوفون من الاصلاح والتغيير، والآخر “حصار” قام به الناس الذين توجسوا من منطلقات هذه “التحولات” ومآلاتها ومن يقف وراءها.. وخاصة بعد “انتكاسة” الثورة في سوريا.
ثمة عوامل متعددة ساهمت في “قلب” المزاج العام العربي، منها ما يتعلق “بحالة المجتمعات العربية”، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو التعليم أو ممارسة السياسة، ولنا – هنا – ان نتصور بأن “الحواضن” العربية لاستقبال “التغيير” ما تزال غير جاهزة، خذ – مثلا – نسبة الأمية التي وصلت الى نحو 27% من عدد سكان العالم العربي (67 مليون أمي)، ونحن نتحدث هنا عن “الامية” بمعناها التقليدي، ولو اضفنا عدد الأميين ثقافيا وسياسياً وتكنولوجيا لتجاوزت النسبة الضعف او اكثر، وخذ مثلا ترتيب دولنا العربية على قائمة “الفساد” والحريات والديمقراطية، حيث تحتل أعلى المراتب في ممارسة الفساد وآخرها في سلم ممارسة الحرية والديمقراطية، وخذ ثالثاً ترتيب جامعاتنا العربية على مستوى العالم، ومعدل ما يخصص للابحاث العلمية وعدد الاختراعات والبحوث المقدمة، وخذ ثالثا نسبة الفقر والبطالة بين الشباب، ونسبة الذين يعانون من اضطرابات نفسية، ستكشف ان مجتمعاتنا العربية في اسوأ حالاتها، وان ما أفضت اليه التحولات التي شهدتها كان طبيعيا بامتياز، كما ان من الصعوبة بمكان ان نتوقع “مسارات” أفضل اذا ما اخذنا بعين الاعتبار عامل “التخلف” الذي انتجته عقود من الاستبداد والقهر وغياب التنمية والعدالة.
ثمة عامل آخر يتعلق “بالقوى المضادة” للتغيير، وسواء اكانت من الداخل أو الخارج فانها نجحت حتى الآن في “تشويه” هذه المسارات العربية، واستطاعت ان “تخلق” حالة من الانقسام والفزع وسط المجتمعات، وبالتالي فان “عوامل اجهاض” التحولات والثورات – بمختلف اشكالها وآلياتها – كانت حاضرة وبقوة في كل تفاصيل المشهد، خذ مثلاً ما حدث في مصر، او سوريا، وليبيا وتونس، وسترى بأن “يد” الآخر الاجنبي، والعربي المتخوف من امتداد “التغيير” اليه، كانت ممدودة للعبث بالوقائع والاحداث واعادة الصورة الى الخلف.
باجتماع العاملين: الذاتي والخارجي، يمكن ان نشير الى ان مآلات ما جرى في عالمنا العربي ستكون محفوفة بالمخاطر، صحيح ان ثمة رهانات على “وعي الناس” وعلى “فشل البديل” وعلى “انكشاف نوايا الآخر واهدافه”، لكن الصحيح ايضا ان “مجتمعاتنا” العريبة ما تزال في مرحلة “الصدمة” بعد ان فوجئت بما جرى، كما ان “النخب” والقوى السياسية والفكرية التي يفترض ان تمهد الطريق لها لقبول “الجديد” انشغلت بصراعاتها ومكاسبها، زد على ذلك ان الدائرة الثقافية التي تتحرك فيها المجتمعات ما تزال مغلقة على “تجارب” تراثية بعضها لا يصلح للحاضر، وبعضها الآخر يحتاج الى مقاربات تجديدية لم تجد من ينهض اليها، وبالتالي فان الحديث – مثلا – عن بناء الدولة او الديمقراطية او فكرة “الاسلام السياسي” أو حتى “التوافق” ما تزال مجرد افكار عامة وغامضة في الغالب، وان ما فعلناه لم يتجاوز “استنساخ” ما لدى غيرنا، حتى دون ان نضيف اليه اي جديد.
أخشى ما أخشاه، ان يشعر البعض بالتشاؤم عند النظر الى حالة مجتمعاتنا ومسارات الثورات فيها، خاصة بعد انقلاب مصر، وحرب سوريا والتدخل العسكري فيها، لكن ثمة فرصة ما تزال موجودة لاعادة قراءة خارطتنا العربية، سياسيا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا، وهذه الفرصة بيد “النخب” التي استقالت – للاسف – من وظيفتها، وانشغلت في صراعات اقتسام الكعكة فيما بينها.. لكنني على يقين بأنها ستصحو على واقع يفرض عليها أن تتحرك، وما أتمناه هو ان تكون “الصحوة” قريبة لكي لا ندفع ما دفعه غيرنا من الضحايا والدماء والمزيد من الفوضى والصراعات!
(الدستور)