jo24_banner
jo24_banner

نحو شراكة تكاملية لا تناحرية بين "الصحة" والمستشفيات الخاصة

حاتم الأزرعي
جو 24 :


حذرت كما حذر عديد من المختصين والمتابعين للشؤون الصحية من مغبة توقيع وزير الصحة الدكتور فراس الهواري مع جمعية المستشفيات الخاصة على الاتفاقية التي تتيح للمؤمنين من الفئة الثانية والثالثة تحت مظلة صندوق التأمين الصحي المدني مراجعة أقسام اسعاف المستشفيات الخاصة في الحالات الطارئة.

لكن وزير الصحة لم يكترث ، وأدار ظهره للجميع بعنجهية، وخضع للوبي المستشفيات الخاصة واستسلم لإرادتهم ، وضرب عرض الحائط ، بمصلحة ثلاثة ملايين ونصف مليون مشترك ومنتفع بالتأمين الصحي المدني دون أن يرمش له جفن ، إزاء كل التحذيرات من إنهيار صندوقهم، وتحميله اعباء جديدة إضافية تفاقم مديونيته ، وهي ثقيلة دون أدنى شك .

على صخرة الاتفاقية سقط اول ضحاياها ، فتناثرت أشلاء وشظايا لجنة الصحة النيابية تحت القبة ، وكشف النائب الدكتور تيسير كريشان بوضوح ان "الاتفاقية" كانت السبب الرئيس في تقديم اعضاء اللجنة استقالاتهم .

وبغض النظر عن "تباين وجهات النظر بين اعضاء اللجنة حول الاتفاقية"، كما بين الدكتور كريشان، فإن الأكيد انها تلحق ضررا بالغا ، ليس بصندوق التأمين الصحي وحسب، وإنما في المؤمنين صحيا، لا بل أن الأثر السلبي البالغ سيكون من نصيب مستشفيات وزارة الصحة، التي يعتقد مراقبون عديدون انها تيمم نحو السقوط في الهاوية، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من تهميش حكومي لها.

ولم يعد سرا ، أن الاهمال والتهميش الرسمي للمستشفيات الحكومية عموما ، ومستشفيات الوزارة خصوصا ، ممنهج ومدرس، غايته الاستراتيجية خصخصتها ، وتحويل ذلك الى مطلب شعبي بسبب سوء الخدمات التي تقدمها لمراجعيها من المؤمنين وغيرهم ، وتسويق وهم استحالة إصلاح هذه المستشفيات التي يدعي ذابحوها ، أن الدهر أكل عليها وشرب .

واكاد أجزم بأن المستشفيات الحكومية ستكون ثاني ضحايا الاتفاقية بعد لجنة الصحة النيابية ، اذ ستحرمها الاتفاقيةمن فرص التحديث والتطوير بعد ان تستنزف الأخيرة صندوق التأمين الصحي وتخطف موارده المالية للانفاق على علاج الفئات الجديدة.

وللدقة فإن القلة القلية من الفئات الجديدة ، يمكن أن تستفيد من المستشفيات الخاصة ، ذلك أن غالبية الأخيرة تتركز في العاصمة عمان وعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في المحافظات ، فيما تخلو عديد من المحافظات نهائيا من وجود أي مستشفى خاص .

وهذه حقيقة ، تدحض بما لا يدع مجالا للشك ، ادعاءات الحكومة ، حين تحاول تسويق الوهم بأن الاتفاقية تحقق العدالة ، فأين هي حين ننظر الى خارطة توزيع المستشفيات الخاصة في المحافظات ؟!

تشير المعلومات الرسمية المستقاة من الموقع الالكتروني لإدارة التأمين الصحي الى ان عدد المستشفيات المشمولة بالاتفاق (٥١)، أكثر من ثلثيها في العاصمة عمان ، فيما لا يتوفر في محافظات الكرك والبلقاء وجرش ومادبا سوى مستشفى خاص واحد لكل منها وتخلو محافظات الطفيلة وعجلون من اي مستشفى خاص.

اما ثالث ضحايا الاتفاقية فهم الغالبية العظمى من المواطنين (مؤمنون وغير مؤمنين ) الذين لن يجدوا بعد تراجع المستشفيات الحكومية وانهيارها بسبب التهميش والإهمال، ملاذا آمنا يقدم لهم الرعاية الطبية التي يحتاجونها ، وربما يلقون حتفهم انذاك على عتبات أبواب هذه المستشفيات قبل أن يتمكنوا من دخولها !!.

وكما بين اعضاء اللجنة الصحية تباين في وجهات النظر إزاء الاتفاقية ، كذلك الحال بين الاوساط الطبية والمهتمين بالشأن الصحي ، ويرى اصحاب وجهة النظر الاولى ان الاتفاقية تخدم المستشفيات الخاصة فحسب وانها تحرم المستشفيات الحكومية من فرص التطوير والتحديث ، فيما يرى اصحاب وجهة النظر الاخرى ان المستشفيات الخاصة تستطيع تخفيف العبء عن المستشفيات الحكومية في ظل الاكتظاظ والضغط الهائل عليها وان المواطن سيتلقى خدمة جيدة في المستشفيات الخاصة نظرا لوجود امكانيات افضل لديها .

وبرصد ردود الفعل على الاتفاقية فإن اغلبها واقواها وأكثرها حكمة وموضوعية ومصداقية وتعبيرا عن الناس وهمومهم وامانيهم وتطلعاتهم، هي تلك التى تقف خلف وجهة النظر الداعية الى مزيد من الاهتمام والرعاية والدعم للمستشفيات الحكومية.

مطلوب اليوم توجيه الموازنة والمخصصات المالية من صندوق التأمين الصحي المدني لتطوير المستشفيات الحكومية وتحديثها وتعزيزها بالكوادر اللازمة لتمكينها من مواجهة التحديات وفي مقدمتها ازدياد اعداد المراجعين وطوابير الانتظار والاكتظاظ .

اما الحديث عن دور الاتفاقية ومستشفيات القطاع الخاص في تخفيف العبء عن المستشفيات الحكومية عموما ، ومستشفيات وزارة الصحة خصوصا ، فهو تضليل وذر للرماد في العيون لعميها عن حقيقة نهج الحكومة لخصخصة المستشفيات الحكومية عبر استراتيجية تدميرها وفق سياسة الخطوة خطوة .

لا أحد ضد مستشفيات القطاع الخاص، فهي تنهض بدور حيوي وتملك امكانات افضل في بعض جوانب الخدمة الطبية، ومطلوب دعمها وتعزيزها ، دون المساس بمستشفيات وزارة الصحة وليس على حسابها بخطف المبالغ المالية من صندوق التأمين الصحي وانفاقها لتصب في خدمة مستشفيات القطاع الخاص.

نعم مطلوب النهوض بالقطاعات الطبية كافة، فهي تشكل فسيفساء جميلة لنظامنا الصحي، ومطلوب التوجه لبناء شراكات عميقة بينها لتكون اكثر انسجاما وتوافقا على قاعدة التكامل واصوله ومبادئه والتشريعات الناظمة له بعدالة وتكافؤ فرص، لا يسرقها قطاع ويستحوذ بها دون غيره .

باختصار شديد شرط النظام الطبي الناجح بناء الشراكة بين القطاعات الطبية على قواعد التكامل لا التنافس والتناحر الذي ترسخه وتزرع بذوره الاتفاقية المجحفة بحق وزارة الصحة ومستشفياتها، فهل تتراجع عنها الوزارة قبل موعد نفاذها بعد ستين يوما من نشرها في الجريدة الرسمية، فتنزع بذلك اشتعال فتيل ازمة طبية لن تحتمل تبعاتها وتداعياتها، فتعض اصابعها ندما حين لا ينفع الندم ؟! .


 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير