فقه الموازنات السياسية.. للتذكير فقط
حسين الرواشدة
جو 24 : “معجزة” استقرار الأردن وسط محيط ملتهب لها أسبابها المتعددة، لكن أهم هذه الاسباب هو التزام السياسة الأردنية بمنطق “الموازنات” المرنة والمحسوبة بدقة.
فقه الموازنات -سياسيا- يقوم على اختيار “أخف الضررين” ويتيح لمتخذي القرار حرية الحركة والمناورة في اطار معادلة “درء المفاسد وجلب المصالح”، والاولى -بالطبع- مقدمة على الاخرى.
تاريخيا، نأى الاردن بنفسه عن الاشتباكات المباشرة مع الاطراف المتصارعة في المحيط، واختار “نقطة الوسط” والمنطقة الرمادية، ووازن بين الحفاظ على الحد الادنى من “الصداقات” وتجنب ما امكن من “الخصومات” والعداوات، وبحكم موقعه الجيوسياسي وحساسية ما يمكن ان ينهض به من ادوار، وما يرتبط به من علاقات اقليمية ودولية ظلت مواقفه المعلنة في “منطقة الاعراف” وكأنه يسير على خط دقيق محفوف بالمخاطر، لا مجال معه “للمغامرة” او لمزيد من البطء او السرعة، وبالتالي احتفظ الاردن “بخطوط” تسمح له بالالتفات للخلف او العودة للوراء.
فيما مضى، رفض الاردن منطق “بيضة القبان” ورفض ايضا منطق التدخل الخارجي المكشوف، والتزم “بالحياد الايجابي” وساهم في ترسيخ “فكرة” الاطار العربي والاسلامي لحل الازمات، واستخدم عنوان “الدعم” كبديل “للتدخل” و”المسافة الواحدة” كرد على اتهامات الانحياز.
لدينا -بالطبع- من النماذج والوقائع ما يؤكد ذلك، سواء في حرب العراق الاولى والثانية او في مرحلة “الثورات” التي شهدها العالم العربي، او في الصراعات الداخلية التي قامت داخل بعض الدول العربية، والنتيجة بالطبع معروفة، فقد نجح الاردن في توظيف “حياديته الايجابية” كورقة سياسية “لفضّ النزاعات” داخل البيت العربي، وتمهيد الوصول الى “الوفاق” والتوافق السياسي بين الفرقاء.
لا اعتقد ان ثمة مستجدات تبرر “تغيير” اعتماد فقه الموازنات السياسية الذي التزمنا به حيال ما يحدث حولنا، لا على صعيد الصراع السياسي في مصر، ولا على صعيد التدخل العسكري المتوقع في سوريا ولا –ايضا- على صعيد ما يمكن ان ينشأ من تحالفات ومحاور في الاقليم.
التفاصيل –هنا- يدركها القارىء، لكن المهم التأكيد على هذا المبدأ الذي اتسمت به”خياراتنا السياسية” وجنبنا الكثير من الاشتباكات والتداعيات المضرة بمصالحنا واستقرار بلدنا، وخاصة في مثل هذه المرحلة “الغامضة” التي تشهد تحولات غير مسبوقة، ومخاضات يصعب التبنؤ “بولاداتها” وصراع على المنطقة وفي داخلها ايضا.
أعرف -بالطبع- ان ثمة فرقا بين الخيارات والاضطرارات، وبأن المطلوب من السياسي ان يمشي في حقل “الغام” وان “يتكيف” مع الواقع دون ان يغرق فيه، لكن اعرف –ايضا- ان ثمة خطوطا حمراء داخل الاطار الوطني لا يجوز تجاوزها، وان من واجب السياسي ان يبقى “يناور” في اطار “صراع الحدود” لا “صراع على الوجود” لان المناورة في الاطار الثاني مغامرة محملة بالمخاطر.
من هذه الزاوية تحديدا، اعتقد ان نقاشاتنا “العامة” حول التدخل العسكري الغربي في سوريا يفترض ان تحدد مساراتها، وان تغادر منطقة “الغموض” والانقسام والردود العاجلة الى منطقة الحسم والوضوح، وقبل ذلك منطقة “التوازنات” التي اشرنا اليها، كيف؟ هذا يحتاج الى مزيد من الصراحة والمكاشفة اللتين ما نزال نفتقدهما للأسف، لكن لا بد ان نجتاز امتحانهما بسرعة لان “الضربة” على ما يبدو قادمة، حتى وان اختلطت الاوراق السياسية والعسكرية حول موعدها واهدافها ومواقف المشاركين فيها والرافضين لها ايضا.
(الدستور)
فقه الموازنات -سياسيا- يقوم على اختيار “أخف الضررين” ويتيح لمتخذي القرار حرية الحركة والمناورة في اطار معادلة “درء المفاسد وجلب المصالح”، والاولى -بالطبع- مقدمة على الاخرى.
تاريخيا، نأى الاردن بنفسه عن الاشتباكات المباشرة مع الاطراف المتصارعة في المحيط، واختار “نقطة الوسط” والمنطقة الرمادية، ووازن بين الحفاظ على الحد الادنى من “الصداقات” وتجنب ما امكن من “الخصومات” والعداوات، وبحكم موقعه الجيوسياسي وحساسية ما يمكن ان ينهض به من ادوار، وما يرتبط به من علاقات اقليمية ودولية ظلت مواقفه المعلنة في “منطقة الاعراف” وكأنه يسير على خط دقيق محفوف بالمخاطر، لا مجال معه “للمغامرة” او لمزيد من البطء او السرعة، وبالتالي احتفظ الاردن “بخطوط” تسمح له بالالتفات للخلف او العودة للوراء.
فيما مضى، رفض الاردن منطق “بيضة القبان” ورفض ايضا منطق التدخل الخارجي المكشوف، والتزم “بالحياد الايجابي” وساهم في ترسيخ “فكرة” الاطار العربي والاسلامي لحل الازمات، واستخدم عنوان “الدعم” كبديل “للتدخل” و”المسافة الواحدة” كرد على اتهامات الانحياز.
لدينا -بالطبع- من النماذج والوقائع ما يؤكد ذلك، سواء في حرب العراق الاولى والثانية او في مرحلة “الثورات” التي شهدها العالم العربي، او في الصراعات الداخلية التي قامت داخل بعض الدول العربية، والنتيجة بالطبع معروفة، فقد نجح الاردن في توظيف “حياديته الايجابية” كورقة سياسية “لفضّ النزاعات” داخل البيت العربي، وتمهيد الوصول الى “الوفاق” والتوافق السياسي بين الفرقاء.
لا اعتقد ان ثمة مستجدات تبرر “تغيير” اعتماد فقه الموازنات السياسية الذي التزمنا به حيال ما يحدث حولنا، لا على صعيد الصراع السياسي في مصر، ولا على صعيد التدخل العسكري المتوقع في سوريا ولا –ايضا- على صعيد ما يمكن ان ينشأ من تحالفات ومحاور في الاقليم.
التفاصيل –هنا- يدركها القارىء، لكن المهم التأكيد على هذا المبدأ الذي اتسمت به”خياراتنا السياسية” وجنبنا الكثير من الاشتباكات والتداعيات المضرة بمصالحنا واستقرار بلدنا، وخاصة في مثل هذه المرحلة “الغامضة” التي تشهد تحولات غير مسبوقة، ومخاضات يصعب التبنؤ “بولاداتها” وصراع على المنطقة وفي داخلها ايضا.
أعرف -بالطبع- ان ثمة فرقا بين الخيارات والاضطرارات، وبأن المطلوب من السياسي ان يمشي في حقل “الغام” وان “يتكيف” مع الواقع دون ان يغرق فيه، لكن اعرف –ايضا- ان ثمة خطوطا حمراء داخل الاطار الوطني لا يجوز تجاوزها، وان من واجب السياسي ان يبقى “يناور” في اطار “صراع الحدود” لا “صراع على الوجود” لان المناورة في الاطار الثاني مغامرة محملة بالمخاطر.
من هذه الزاوية تحديدا، اعتقد ان نقاشاتنا “العامة” حول التدخل العسكري الغربي في سوريا يفترض ان تحدد مساراتها، وان تغادر منطقة “الغموض” والانقسام والردود العاجلة الى منطقة الحسم والوضوح، وقبل ذلك منطقة “التوازنات” التي اشرنا اليها، كيف؟ هذا يحتاج الى مزيد من الصراحة والمكاشفة اللتين ما نزال نفتقدهما للأسف، لكن لا بد ان نجتاز امتحانهما بسرعة لان “الضربة” على ما يبدو قادمة، حتى وان اختلطت الاوراق السياسية والعسكرية حول موعدها واهدافها ومواقف المشاركين فيها والرافضين لها ايضا.
(الدستور)