في ظل تموضعات القوى الكبرى الدولية.. كيف يبدو المشهد الاستراتيجي في المنطقة؟
أ.د احمد القطامين
جو 24 :
العالم ما بعد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا لم يعد كما كان قبلها ومنذ الحرب العالمية الثانية. يبدو المشهد الدولي كما لو ان زلزالا هائلا قد اصاب الكوكب، فامريكا والغرب لم يعتادا التحدي بهذا المستوى من الشدة، لذلك وتحت وطأة المفاجأة فقدت نخبهم السياسية والاستراتيجية القدرة على التصرف السليم واصبحت عملية اتخاذ القرار تشبه كثيرا نمطية اتخاذ القرارالتي تتصف بالبدائية في دول العالم الثالث، فكانت عملية اتسمت بالتسرع ونقص المجسات الاستراتيجية الضامنة وغياب حسابات التفاعلات المستقبلية.
مع اندفاع الدبابات الروسية الى داخل اوكرانيا، ساد الهلع الطبقة السياسية الحاكمة في امريكا، فبينما عينها الاولى كانت على ما يفعله بوتين كانت عينها الاخرى تحدق في الصين.. الصين التي تلقت الاحداث ببرودة اعصاب وكانت ردة فعلها هادئة من نوع الهدوء الواثق من النتائج وهو ما احدث نوعا من الصدمة السياسية المروعة لدى متخذ القرار الامريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام .
باختصار تبدو الحالة مؤكدة ان عالم ما بعد حرب اوكرانيا سيكون عالما مختلفا عما كانت عليه الحالة قبلها، وان النظام العالمي احادي القطبية قد انتهى مرة واحدة وربما الى الابد، ليفسح المجال لعالم جديد متعدد الاقطاب، بكل ما ينتج عنه من تغييرات استراتيجية في شكل وجوهر التحالفات الدولية والاقليمية. فامريكا التي تشعر بحالة غير مسبوقة من التحدي لمكانتها العالمية كقطب واحد مسيطر بالكامل على ما يجري في العالم، بدأت بالفعل بالتموضع لمواجهة الخصوم الجدد وذلك بترتيب اولويات انتشار قوتها العسكرية حول العالم واصبح التركيز على قطبين جديدين تبلورا في المعادلة الدولية وهما الصين وروسيا.
في الجانب العسكري، فقد شرعت امريكا باعادة انتشار قواعدها وقواتها الخاصة من كل الاماكن في المنطقة وتركيزها في الاردن فقط وذلك استكمالا لبناء حائط الصد الاستراتيجي لمنع تواصل ايران مع بلاد الشام عبر الخط الممتد من مناطق شرقي الاردن الى قاعدة التنف على مثلث الحدود الاردنية السورية العراقية امتدادا الى قوات "قصد" الكردية التي تسيطر على منطقة شرق الفرات في سوريا وصولا الى القوات التركية التي تحتل مناطق واسعة من شمال وشمال شرق سوريا.
اماعلى الجانب السياسي فقد قامت امريكا بتكليف تركيا بملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الامريكي من المنطقة من خلال تصفير المشاكل مع اسرائيل وحلفائها العرب الجدد والقدامى وصولا ربما في المستقبل القريب الى انشاء ناتو اقليمي تقوده تركيا ويضم اسرائيل والدول العربية المطبعة معها بهدف حماية منطقة الخليج من ايران بينما امريكا منشغلة بغزواتها ضد الصين وروسيا.
كثيرا من هذه المعطيات تم البدء بها قبل اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية، الا ان هذه الحرب قد سرعت من وتيرة بناء هذه التحالفات في المنطقة وستكون آلية عمل هذه التحالفات شغل المنطقة الشاغل في المرحلة القادمة.
ولنا لقاء آخر قريبا لاستكمال الحديث في هذا الموضوع..