الاحتلال يناور.. عندما يبتهج بمشاهد الدمار ويتجاهل خسائره الاستراتيجية!
أ.د احمد القطامين
جو 24 :
في علم الاستراتيجيا، اذا فقد اللاعب القدرة على المناورة الديناميكية عندها تفلت من بين يديه امكانية التحكم في اتجاه الحركة وتصبح افعاله استعراضية لا قيمة لها في سياق المسار الذي يقود الى تحقيق الاهداف الاستراتيجية. وهذا بالضيط ما حدث مع كيان الاحتلال منذ اللحظة الاولى لعملية طوفان الاقصى.
لقد كانت ضربة السابع من اكتوبر حركة هائلة في الزمن احدثت سلسلة من ردود الفعل التكتيكية في الجانب الاسرائيلي وداعميه حارمة اياهم من القدرة على الاحتفاظ بتلك الامور التكتيكية ضمن سياقها الاستراتيجي، مما ادى الى فقدان القدرة على التحكم في مسار الاحداث والاضطرار الى الشروع في عمليات تكتيكية استعراضية بطبيعتها للتعويض عن خسارة القدرة على ضبط الانتظام الاستراتيجي للحالة.
لذا شرع جيش الاحتلال منذ اللحظة الاولى لرده على احداث السابع من اكتوبر في عمليات قصف لبيوت المدنين ومراكز البنية التحتية المدنية والشوارع والمستشفيات والمدارس والجامعات ومصادر المياه وغيرها من هياكل الخدمات المدنية في قطاع غزة. كما شرع متعمدا وباقصى قوة في قصف التجمعات المدنية والبيوت والمراكز الصحية ومدارس الانروا التي لجأ اليها السكان المدنين طلبا للحماية من القصف.. انها حالة هروب من ممارسة الفعل الاستراتيجي الواعي الى سلسلة من الافعال التكتيكية التعويضية الرديئة بطبيعتها لحفظ ماء وجه القوة التي كانت تسمى القوة الي لا تقهر حتى لو شكلت تلك حالة ابادة جماعية لا تخطؤها العين.
ومع تطور الحالة تعمق المأزق الاقليمي والدولي للكيان، ففي البعد الاقليمي تطور مفهوم وحدة الساحات لدى قوى محور المقاومة التي شرعت تنهش باطراف الكيان وتلحق به ضربات موجعة من خلال العمليات العسكرية الواسعة على الجبهة اللبنانية وعمليات ضرب السفن المتوجهة الى موانئ فلسطين المحتلة على الجبهة مع اليمن، لذا بدأنا نشهد ردود فعل تكتيكية اسرائيلية كتعمد اصطياد قيادات ميدانية للمقاومة اللبنانية وتصويرها على انها انجازات عسكرية لجيش الاحتلال وعلى الجبهة اليمنية رأينا عمليات قصف ميناء الحديدة يوم امس وظهور سياسيين اسرائيليين من بينهم نتنياهو وهم يتبجحون ويلفتون الانتباه للنيران الهائلة التي تلتهم خزانات النفط في ميناء الحديدة.
مرة اخرى نرى كيف يبتهج قادة الاحتلال ويتباهون بانجازات تكتيكية استعراضية على حساب الحالة الاستراتيجية التي اصبح تحقيقها بعيد المنال، واصبح الواقع بمعطياته الحالية يشير بوضوح الى ان الاحداث تتحرك باتجاه مسار سيقود حتما الى نهايات صفرية للصراع بين الفلسطينيين والعرب مع الحركة الصهيونية العالمية.
واصبح من الواضح ان الكيان يتخبط وان مناوراته لا تنم عن قوة حقيقة بل تشير الى انه فعلا يناور وهو في عنق الزجاجة وان من هو في هذا المكان لا يمتلك الكثير من الامل بالبقاء طويلا على قيد الحياة.
* اكاديمي وكاتب اردني