قوة الجامعات في امريكا: احدى اهم عناصر القوة الاستراتيجية الناعمة
تعد الجامعات في الولايات المتحدة الامريكية واحدة من اهم عناصر القوة الاستراتيجية الناعمة فيها، فمن بين افضل مائة جامعة في العالم تستحوذ امريكا على ما نسبته بين سبعين الى ثمانين بالمائة منها.
عند الحديث عن دور الجامعات في الحياة العامة في اي بلد، فاننا في الواقع نتحدث عن منصة تفاعلية تتفاعل فيها عناصر العلم والفكر لتشكل بالتالي قاطرة تقود المجتمع وتؤثر فيه في جوانب الحياة المختلفة.
وعند الحديث عن دور كل من الطلبة واساتذتهم في الحياة العامة لمجتمعاتهم فاننا في الواقع ندخل الى عالم متشعب ومترابط وبالغ التعقيد يمتد اثره الى كافة جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، فالجامعات ليست مجرد مراكز للتعليم بل هي محاور حيوية تشكل وتؤثر في تطور المجتمعات بأكملها وتتشكل حولها انماط التطورات والمواقف المجتمعية من القضايا والسياسات المختلفة.
ان طلبة الجامعات ليسوا مجرد اشخاص يتلقون المعرفة من اساتذتهم، بل يمثلون قوة دفع استراتيجية للتغييرفمن خلال تلقيهم التعليم وتطوير المهارات يصبحون قادرين على تحليل القضايا وابتكار الحلول وتطبيقها على ارض الواقع.
لذلك يمكن القول ان دور الطلبة واساتذة الجامعات لا يقتصر على تحصيل المعرفة العلمية، بل يتعداه ليمتد الى بناء الشخصية وتعزيز القيم وإنبات الميول التي تنتصر للحقيقة وتساهم في تشكيل المواقف الاخلاقية من القضايا الاساسية المطروحة.
وهذا فعلا ما حدث عندما انطلقت شرارة الاعتصامات والتظاهرات المنددة بجرائم الابادة الجماعية التي تمارسها اسرائيل في فلسطين. لقد جاءت هذه الاحداث لتمثل مفصلا استراتيجيا حاسما يفصل بين مرحلتين من مراحل تطور المواقف الامريكية من قضية فلسطين، فبينما هرعت النخبة السياسية الامريكية الحالية التي تم تشكيلها عبر حقب طويلة من الهيمنة الصهيونية على المؤسسات الامريكية الى السعي لقمع الاحتجاجات باقصى قوة ممكنة لمنعها من التطور الى حالة عامة غير قابلة للتحكم والسيطرة، كانت الجامعات الامريكية تنضم واحدة بعد اخرى الى حركة الاحتجاجات وتزداد طبيعة وحدة الشعارات المرفوعة من الطلبة لتتجاوز كافة الخطوط الحمراء التي وضعتها الطبقة السياسية الحاكمة في بداية الحراك الشعبي. فقد انتقلت الشعارات من المطالبة بوقف اطلاق النار في غزة وتسهيل وصول المساعدات الانسانية الى شعارات صريحة تندد بالحركة الصهيونية وتتهمها بالعنصرية والاجرام مما زاد من مخاوف النخبة السياسية الحاكمة في امريكا التي اخذت تطلق العنان لتصريحات تهدد وتتوعد وكانت تشبة الى حد كبير الشعارات التي تطلقها الانظمة الاستبدادية في العالم الثالث عندما تتحرك شعوبها ضدها.
ثم اخذت الاحداث تتتالى ساعة بعد ساعة بينما اخذت فرق الشرطة واجهزة الامن بالانقضاض على مخيمات المعتصمين في العديد من الجامعات ودهم الحرم الجامعي واعتقال المئات من الطلبة واساتذة الجامعات بشكل عنيف ومهين الى ابعد حد.
عند هذا الحد انكسرت اولى حلقات القوة الناعمة للجامعات وبدت امريكا تترنح اخلاقيا امام العالم في مشهد لا يقل غرابة واهانة عن مشهد اقتحام انصار ترامب لمبنى الكونجرس في السادس من يناير عام 2020.
ولنا حديث لاحق حول هذا الموضوع في الايام القادمة.