نخب مرعوبة ومأزومة
تشعر بالغثيان وأنت تستمع لنخب عفى عليها الزمن وهي تسوق الحجة تلوى الأخرى لخلق كل ظروف الحفاظ على الوضع القائم، فالاصلاح بالنسبة لهم لا يعدو عن كونه تكريس للوضع القائم ولكن بلغة جديدة تحمل في ثناياها كل وصفات التخلف المجربة بنجاح. فهذه نخب تعرّف الاصلاح كإجراء دفاعي لاعادة ترتيب أوضاعهم والحفاظ على مكتسباتهم في السيستم.ثم يأتيك منهم ليقول بأن الجميع يريد الاصلاح ولكن المجتمع لا يتوافق على مضمون واحد للإصلاح لكن دون أن يتسوعبوا أن المجتمع توافق على ضرورة اخراجهم من المشهد مرة وللأبد!
يتفق الكثير من المحللين بأن هناك معيارين لجدية نوايا الدولة الأردنية الاصلاحية: قانون انتخابات عادل وتطبيق جيد للقانون دون تزوير كما حدث اكثر من مرة. وبعد أن فقد الكثير منا الثقة بمؤسسات الدولة للمساهمة في سن تشريع قانون انتخابي يمكن له أن يؤسس لحياة سياسية راقية، جاءت حكومة عون الخصاونة بمشروع قانون فرض عليها نتيجة للتسويات التي تمت بين مراكز القوى، وبالتالي ذهبت كل المساهمات الشعبية التي أخذت شكل لجنة الحوار الوطني أو الحوارات مع القوى السياسية والمجتمعية ادراج الرياح، وخرج علينا الخصاونة بقانون انتخابات وإن كان أفضل من الذي سبقه إلا أنه لم يرقى لطموح الشعب.
وحتى تكتمل خيوط المخطط، يرفض الرئيس الجديد فايز الطراونة التدخل في القانون على اعتبار أن القانون في مجلس النواب وبالتالي فهو يحترم الفصل بين السلطات ولا يتدخل! هذا كلام جميل غير أن دولته تناسى أو ربما تذاكى بأن في المجلس من سينقض على القانون بحيث يفرغه من محتواه الاصلاحي، فهناك عدد كبير من النواب يريدون العودة للصوت الواحد لأنه بدونه وبدون تدخل جهات محددة ما كان لهؤلاء "المشرعين" المقدرة للوصول إلى البرلمان الذي تراجعت مكانته الشعبية بشكل خطير في السنة والنصف الماضية بسبب الأداء السيء لهذا المجلس.
وحتى لا يفقد بعض النواب البوصلة وحتى لا يضلوا يذكرهم فايز الطراونة بأن عليهم أن يأخذوا بالحسبان أراء المحافظات بخصوص الصوت الواحد، وهنا يتساءل أحدهم بخبث حول فيما إذا كان الدكتور فايز الطراونة سيكون رئيسا للوزراء لو أن الامر ترك لأراء المحافظات!
يفترض رئيس الوزراء مخطئا بأن المحافظات ستختار الصوت الواحد، وهو يتكأ بذلك على دراسات مسحية ركيكة منهجيا اجراها مركز الدراسات الاستراتيجية تفيد بوجود أكثر من ٦٠٪ مع قانون الصوت الواحد!
هنا تكتمل حلقات الفكرة المعادية للاصلاح، فرئيس الوزراء يريد الصوت الواحد، وهناك أغلبية نيابية مع الصوت الواحد، وهناك مركز دراسات تابع للحكومة يقدم بيانات عن اتجاهات الرأي العام الاردني تساعد الرئيس والنواب بالظهور بمظهر من يعكس موقف الشعب! على أن هذا المثلث المعادي للاصلاح لا يعكس موقف الأردنيين الذين يبحثون عن تمكين سياسي لا يمكن لقانون الصوت الواحد أن يقدمه. فهل يعقل أن ينحاز الأردنيين ضد مصالحهم حتى يؤيدوا قانون الصوت الواحد؟! سؤال لا يجيب عليه المثلث المعادي للاصلاح.
وحتى لو فاجأنا مجلس النواب بقانون انتخابات رائع، عندها يأتي الشرط الثاني وهو ضمان التطبيق الجيد للقانون والكف عن التدخل في ارادة الناخب، سجل الدولة لا يبشر بالخير بعد التزوير الذي حدث أكثر من مرة، فلا قيمة لافضل قانون على وجه هذه البسيطة إذا لم يطبق بشكل جيد.
تأسيس الهيئة المستقلة للانتخابات خطوة صحيحة ولن نستبق الحكم على أداءها، فرئسيها عبدالاله الخطيب يدرك أن أي تزوير قادم في الانتخابات سينزع الشرعية عنها وسيؤثر سلبا على مصداقية الرجل الذي يتمتع باحترام واسع. الطريف أن الخطيب نفسه سأل البعض عن كيف تم التزوير ليمنعه في المرة القادمة ولم يسأل عن كيف اجريت الانتخابات! والخطيب الذي يتمتع بذكاء شديد يعرف أكثر من غيره درس الانتخابات المزورة التي لفظها الشعب بوصفها اهانة لهم لا يجوز السكون عليها، وهو الآن يتمتع بسلطة مستقلة يمكن له أن يمارسها بعيدا عن التدخلات التي يعرفها جيدا.
سألني أحد السفراء الأجانب في عمان فيما اذا كان الاصلاح هو من مستلزمات الاستقرار أم تهديدا للاستقرار، وكان جوابي بأنه من مستلزمات الاصلاح لكنه بدون شك يهدد مصالح النخب المرعوبة التي ترى في قانون الصوت الواحد المخرج الوحيد لأزمتها بصرف النظر كيف سيؤثر ذلك على استقرار البلد واستعادة الثقة المفقودة بين مؤسسات الدولة والشعب.