خلطة الديكتاتور!!
خيري منصور
جو 24 : لم تعد هذه الخلطة سرية، ففي أقل من نصف قرن عرف العالم العشرات من الحكام المستبدين الذين لم يولدوا وبأيديهم السياط، ومنهم من بدأ على استحياء ربما لشعور خفي بعدم الاستحقاق، أو لأن السلطة تتحدى من يظفر بها على عجل لكي يحاول الاحتفاظ بها، وقد ظهرت في عصرنا صناعة نمط جديد مادتها الخام ليست نفطاً أو مناجم ذهب وماس أو حتى يورانيوم، هذه المادة الخام هي الغرائز البشرية المشحوذة والتي لا تشبع من أي شيء.
وقد تولى هذه الصناعة اعلاميون تتلمذوا على جوبلز وجدانوف ومن قبلهم سانشوا الذي كان ينقل أنباء انتصارات سيده دون كيشوت رغم انها كانت على طواحين الهواء والخشب.
وهناك ثلاث مراحل تمر بها صناعة الديكتاتور الاولى: اقناعه بأنه نسيج وحده، وان العناية الالهية هي التي قدمته هبة لشعب عليه أن يحاول استحقاقه.
والمرحلة الثانية: تبرير اخطائه بحيث تتحول الى خطايا يسبح بحمدها رجال ونساء هم في الحقيقة مجرد ظلال وأصداء لولي النعم.
والمرحلة الثالثة، حجب كل الوقائع والحقائق التي لا تروق للديكتاتور، وبديل ذلك هو تزيين الواقع وتجميل كل ما هو شاذ وقبيح، لهذا يصبح بمرور الوقت آخر من يعلم، كما حدث في حكاية مأمورية الزير، حين قرر أحد السلاطين بناء زير كبير يملأ بالماء كي يشرب الناس ويسقوا مواشيهم في بقعة نائية من الصحراء، وبعد أعوام تشكلت خلالها لجان وخصصت موازنات للزير اكتشف السلطان المخدوع انه ما من زير على الاطلاق.
وحين قال الرئيس التونسي السابق في خطاب الوداع انه «الآن فهم» أي بعد فوات الاوان بكثير فقد كان يوحي للمتمردين على نظامه والمطالبين برحيله بأنه مخدوع وأن خبراء صناعة الديكتاتور نسجوا له واقعاً آخر ولم يقدموا له الا ما يرضيه.
وأهم ما يمتاز به هؤلاء الفقهاء والخبراء في صناعة الديكتاتور هو حاسة شم حادة يتعرفون من خلالها على ما يرضي وما يغضب، لهذا يتجنبون كل ما من شأنه ان يعكر مزاج الديكتاتور، وقد ينقلون اليه أخباراً ملفقة حتى عن حرب مصيرية كما حدث في مصر خلال حرب حزيران.
ان خلطة الديكتاتور بالغة التعقيد ولها كيمياء من طراز خاص لا يعلمه الا الضالعون في هذا الفقه، رغم انها بقيت لفترة من الزمن خلطة سرية تباع بأغلى الأثمان الا ان تكرارها نعنع أسرارها، لهذا لا نجازف كثيراً اذا قلنا بأن الديكتاتور جلاد وضحية في آن، وفي الحالتين يكون الأوان قد فات!!
(الدستور)
وقد تولى هذه الصناعة اعلاميون تتلمذوا على جوبلز وجدانوف ومن قبلهم سانشوا الذي كان ينقل أنباء انتصارات سيده دون كيشوت رغم انها كانت على طواحين الهواء والخشب.
وهناك ثلاث مراحل تمر بها صناعة الديكتاتور الاولى: اقناعه بأنه نسيج وحده، وان العناية الالهية هي التي قدمته هبة لشعب عليه أن يحاول استحقاقه.
والمرحلة الثانية: تبرير اخطائه بحيث تتحول الى خطايا يسبح بحمدها رجال ونساء هم في الحقيقة مجرد ظلال وأصداء لولي النعم.
والمرحلة الثالثة، حجب كل الوقائع والحقائق التي لا تروق للديكتاتور، وبديل ذلك هو تزيين الواقع وتجميل كل ما هو شاذ وقبيح، لهذا يصبح بمرور الوقت آخر من يعلم، كما حدث في حكاية مأمورية الزير، حين قرر أحد السلاطين بناء زير كبير يملأ بالماء كي يشرب الناس ويسقوا مواشيهم في بقعة نائية من الصحراء، وبعد أعوام تشكلت خلالها لجان وخصصت موازنات للزير اكتشف السلطان المخدوع انه ما من زير على الاطلاق.
وحين قال الرئيس التونسي السابق في خطاب الوداع انه «الآن فهم» أي بعد فوات الاوان بكثير فقد كان يوحي للمتمردين على نظامه والمطالبين برحيله بأنه مخدوع وأن خبراء صناعة الديكتاتور نسجوا له واقعاً آخر ولم يقدموا له الا ما يرضيه.
وأهم ما يمتاز به هؤلاء الفقهاء والخبراء في صناعة الديكتاتور هو حاسة شم حادة يتعرفون من خلالها على ما يرضي وما يغضب، لهذا يتجنبون كل ما من شأنه ان يعكر مزاج الديكتاتور، وقد ينقلون اليه أخباراً ملفقة حتى عن حرب مصيرية كما حدث في مصر خلال حرب حزيران.
ان خلطة الديكتاتور بالغة التعقيد ولها كيمياء من طراز خاص لا يعلمه الا الضالعون في هذا الفقه، رغم انها بقيت لفترة من الزمن خلطة سرية تباع بأغلى الأثمان الا ان تكرارها نعنع أسرارها، لهذا لا نجازف كثيراً اذا قلنا بأن الديكتاتور جلاد وضحية في آن، وفي الحالتين يكون الأوان قد فات!!
(الدستور)