ايران والغرب: امام استعصاء الحالة، هل يُعدّ انتاج القنبلة النووية خيارا ممكنا؟
أ.د احمد القطامين
جو 24 :
على مدى الحقب الاربعة الماضية واجهت ايران عالما دوليا واقليميا معاديا ومعقدا الى ابعد الحدود، صمدت ايران ببساطة لانها تمتلك مجتمعا موحدا في دولة قومية، وقادما من اعماق التاريخ، لذلك تعكس في سلوكها المعاصر دولة قوية غير قابلة للاخضاع تعتبر السيادة اولا هي مقياس البقاء بغض النظر عن العواقب المحتملة.
تعامل الغرب مع ايران في مباحثات الملف النووي على مضض، فالغرب يعلم ان ايران القوية ستخل بالعقيدة الاستراتيجية الغربية التي تنص على ابقاء اسرائيل الدولة النووية الوحيدة والدولة المتفوقة عسكريا وتكنولوجيا وثقافيا وعلميا على دول الاقليم مجتمعة. اما ان تكون احدى هذه الدول مكافئة عسكريا واقتصاديا وحضاريا فتلك حالة ممنوعة قطعا حسب هذه العقيدة الغربية.
اما وقد شرعت ايران بالخروج على هذه القاعدة علميا وعسكريا ونوويا وثقافيا فتلك حالة تثير اقصى درجات الرعب وتتجاوز كافة الخطوط الحمراء الصهيىو-غربية وبالتالي غير مسموح بها قطعا، لذلك لا بد من اخضاع ايران او على الاقل في المرحلة الاولى احتواؤها انتظارا لفرصة تتغيرفيها الظروف والمعطيات ليصبح من الممكن محاولة اخضاعها.
في ظل هذه المعادلة يصبح الحوار بشأن النووي الايراني اقرب الى حوار الطرشان، وهذا ما يفسر التردد الجلي في مباحثات العودة الامريكية للاتفاق مع ايران حول المسموح وغير المسموح لايران ان تفعل في ملفها النووي.
من وجهة النظر الغربية ان ايران النووية قاب قوسين او ادنى وان الطريقة الوحيدة لمنعها من امتلاك القنبلة النووية او تأجيل ذلك هو من خلال تقييدها بواسطة الاتفاق بينها وبين الدول الكبرى حيث ان اية حلول اخرى قد لا تجدي نفعا مع دولة لا تخضع للتهديد والوعيد تحت كل الظروف.
في ظل هكذا معطيات يطرح سؤال جوهري وبالغ الاهمية وهو، ماذا على ايران ان تفعل بعد ان اصبحت تحت المجهر الصهيو-غربي؟ خاصة ان البيئة الدولية الغربية والاقليمية تناصبها اعلى درجات العداء وان العقوبات الغربية في اقصى شدتها وتأثيرها.
من الواضح ان خيارات ايران محدودة للغاية، وتنحصر في خيارين اثنين لا غير: الخيار الاول يتضمن الاستسلام للارادة الغربية وتفكيك برنامجا النووي واجراء انعطافة كاملة في البعد الاستراتيجي للدولة، وهذا الخيار غير قابل حتى للتفكير به من قبل القادة الايرانيين في ظل الوضع السياسي والاستراتيجي للجمهورية الاسلامية. اما الخيار الثاني فهو انتاج القنبلة النووية ووضع الجميع امام الامر الواقع خاصة ان البنية التحتية الاساسية (العلماء والامكانيات التكنولوجية) لانتاجها متوفرة لدى ايران على المستويات التقنية المطلوبة.
المعلوم ان القنبلة النووية لم تكن يوما سلاحا للاستخدام الفعلي بل هي في الواقع سلاح للردع فقط. فاي استخدام فعلي للسلاح النووي سيقضي على اطراف ذلك الاستخدام كليا، لكنه سلاح فعال جدا للردع والمحافظة على السيادة والكرامة الوطنية، ولنا في كوريا الشمالية وروسيا راهنا امثلة على ذلك.
لذلك اعتقد ان احد الخيارات التي قد تفرضها التطورات المستقبلية ان تقوم ايران، وقد بلغت الامور مآلاتها، بالسعي لتصبح دولة نووية يعترف العالم بها ويطوى الستار على الازمة الحالية بشقيها ايجاد توازن مع اسرائيل التي تمتلك السلاح النووي في المنطقة وتجريدها من هذه الميزة التنافسية الخطيرة في الاقليم، و انهاء الازمة الاقليمية في الخليج التي تسمم اجواء المنطقة وتمنع تحالفات مهمة للتنمية والوقوف في وجه الاعمال الاسرائيلية المهينة للفلسطينيين والعالم العربي والاسلامي.
ملاحظة: في هذا السياق انا شخصيا لا ادعو لانتاج اي سلاح نووي من اي طرف ولا اشجع على وجود السلاح النووي من اصله، انما اقوم بتحليل الواقع والمعطيات التي تتسبب بالازمات الخطيرة التي تواجهها المنطقة.
Qatamin8@hotmail.com
•اكاديمي وكاتب اردني