تضاريسنا الاجتماعية كيف تغيرت؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : تغيرت كثيرا تضاريس خارطتنا الاجتماعية، لدرجة ان أحدنا لم يعد يعرف فيما اذا كان هو نفسه أم لا؟ في عمان المزدحمة - مثلا - بنحو مليون سيارة وثلاثة ملايين مقيم، ثمة وجوه جديدة لا تعرفها، وقيم وافدة تذهلك بسفورها.. وقصص تسمعها وكأنها “افلام” من العالم الافتراضي.
هل كانت اربع هجرات كافية لتغيير ملامح وجه المدينة على هذه الصورة؟ ربما، ولكن ما يتغلغل داخل “الجدران” يبدو اخطر، فثمة نحو مئة الف عاملة وافدة لكل واحدة “عالمها” الخاص، ولكل واحدة وظيفتها من تربية “الاطفال” الى “ملاطفة” الزبائن في سهرات آخر الليل، وثمة عشرات الآلاف من “الوافدين” للعمل، يتوزعون على الاحياء من حارس عمارة الى مشرف “كراج” الى “مزارع” وعامل خدمات وبناء..، ولكل واحد منهم “قصة” لا تكاد تعرفها.. وثمة آخرون قلما نعرفهم اختاروا “السهر” على طريقتهم في فلل أو مزارع بعيدة، أو “اقاموا” الليل على انغام موسيقى “قروسطية” تقرباً “للشيطان”.
على مدّ البصر في الشوارع المزدحمة “بالمقاهي” يتسابق الشباب والصبايا على “معاقرة” الارجيلة حتى ساعات الفجر، وعلى الارصفة تتوقف “بائعات” الهوى لاصطياد الزبائن، وفي الشوارع التي تسمت بأسماء “مقدسة” تنتشر الملاهي التي يملأ ضجيجها المدى ويعمرها “بذخ” الساهرين على الاجساد التي تعبت من “الفجور”.
في المدينة التي قد لا تعرفها، ثمة اسوار لقصور تكفي لبناء آلاف البيوت للفقراء، وثمة “متخصصون” في البحث عن الطعام في الحاويات، وثمة اطفال يقفون حتى الفجر امام الاشارات “للتسول” وثمة نساء خرجن برفقة اطفالهن الصغار لتناول وجبة الغداء من احدى “الحاويات”، وفي الصمت تجلس آلاف الاسر انتظاراً ليد “محسن” تعطي، او للحظة يأتي معها الفرج.
لا تسأل - بالطبع - عن قصص “اللاجئين” وحكايات “اللجوء”، ففي كل محل ثمة “لاجىء” يعمل، ومع كل صباح تطالعك حادثة مفجعة: زواج بلا عقود، اغتصاب جماعي، ضحايا قتلوا بالسكاكين، صفقات مشبوهة، تجارة البشر، شبكات لتبادل “الضحايا” تحت لافتة “التصدير” للعمل، مشعوذون تحولوا الى اطباء، اياك - بالطبع - ان تتفاجأ ففي عصر “الحروب” كل شيء مألوف.
قد تأخذك قدمك الى صديق يداوي “النفوس” فتكتشف ان المدينة غارقة في “الاضطراب” النفسي، سيقول لك: العيادة مكتظة بالمرضى، نحو ثلث السكان يعانون من اضطرابات وامراض نفسية، تسأل: من اين دخل الينا كل هذا “الاكتئاب” والخوف والوسواس والشعور بالقهر والحزن والاحساس بالعزلة والوحدة رغم كثرة “الناس”، فيصمت ولا يجيبك، لانك - مثله تماماً - تعرف كل شيء.
قد تأخذك الاقدار الى “مركز الشرطة” فترى بعينيك جزءاً من “المأساة”، الابناء يشتكون على آبائهم، البلطجية الذين امتهنوا السرقة وتهديد الابرياء وابتزازهم اصبحوا من علامات المدينة، سرقات السيارات اصبحت عادة مألوفة، لا تسأل بالطبع عن جرائم السطو والقتل وعراكات “رواد” الملاهي، وفنون التحايل.. فهي اكثر من ان تحصى!
كل مدينة كادت ان تصبح صورة “لعمان”، وحتى الاطراف البعيدة انتقلت اليها عدوى “النكسة” الاجتماعية، صدق أو لا تصدق بأن “الشباب” الذين كنت اعرفهم اصبحوا “مدمنين” على المخدرات، وبأن احدى الفتيات في قرانا البعيدة تورطت مع صديقها في “قتل” خطيبها، وبأن نسبة الزواج العرفي تصاعدت، وبأن، قيم “العونة” والتكافل والشهامة خرجت ولم تعد.
لم أعد اصدق بأن البلد الصغير قد تجاوز عدد سكانه السبعة ملايين ونصف في غضون سنوات، ولم أعد اصدق بأن هذه الملايين الموزعة بين اعداد اللاجئين والوافدين جاءوا هكذا بالصدفة، ترى كيف استوعبتهم هذه “الحواضر” الصغيرة، وكيف اتسعت لهم الظروف الاقتصادية الخانقة، ومن أين يشربون في بلد يعد من بين أفقر سبعة بلدان مائياً؟
أرجوك، لا تحدثني - بعد الآن - عن السياسة وانشغالات النخب وصراعاتها، حدّق فقط في صورة مجتمعنا وتأمل تضاريسها الاجتماعية، ستكتشف عندها بأننا غرقنا في وهم السياسة وأضعنا عمرنا في ملاطمة امواجها، ولم ننتبه الى هذا الطوفان الذي يهدد “أمننا” الاجتماعي ومنظومة قيمنا والاهم “قيمتنا” كناس ومواطنين تحولنا للاسف الى ارقام في احصائيات لا نعرف لها بداية او نهاية.
(الدستور)
هل كانت اربع هجرات كافية لتغيير ملامح وجه المدينة على هذه الصورة؟ ربما، ولكن ما يتغلغل داخل “الجدران” يبدو اخطر، فثمة نحو مئة الف عاملة وافدة لكل واحدة “عالمها” الخاص، ولكل واحدة وظيفتها من تربية “الاطفال” الى “ملاطفة” الزبائن في سهرات آخر الليل، وثمة عشرات الآلاف من “الوافدين” للعمل، يتوزعون على الاحياء من حارس عمارة الى مشرف “كراج” الى “مزارع” وعامل خدمات وبناء..، ولكل واحد منهم “قصة” لا تكاد تعرفها.. وثمة آخرون قلما نعرفهم اختاروا “السهر” على طريقتهم في فلل أو مزارع بعيدة، أو “اقاموا” الليل على انغام موسيقى “قروسطية” تقرباً “للشيطان”.
على مدّ البصر في الشوارع المزدحمة “بالمقاهي” يتسابق الشباب والصبايا على “معاقرة” الارجيلة حتى ساعات الفجر، وعلى الارصفة تتوقف “بائعات” الهوى لاصطياد الزبائن، وفي الشوارع التي تسمت بأسماء “مقدسة” تنتشر الملاهي التي يملأ ضجيجها المدى ويعمرها “بذخ” الساهرين على الاجساد التي تعبت من “الفجور”.
في المدينة التي قد لا تعرفها، ثمة اسوار لقصور تكفي لبناء آلاف البيوت للفقراء، وثمة “متخصصون” في البحث عن الطعام في الحاويات، وثمة اطفال يقفون حتى الفجر امام الاشارات “للتسول” وثمة نساء خرجن برفقة اطفالهن الصغار لتناول وجبة الغداء من احدى “الحاويات”، وفي الصمت تجلس آلاف الاسر انتظاراً ليد “محسن” تعطي، او للحظة يأتي معها الفرج.
لا تسأل - بالطبع - عن قصص “اللاجئين” وحكايات “اللجوء”، ففي كل محل ثمة “لاجىء” يعمل، ومع كل صباح تطالعك حادثة مفجعة: زواج بلا عقود، اغتصاب جماعي، ضحايا قتلوا بالسكاكين، صفقات مشبوهة، تجارة البشر، شبكات لتبادل “الضحايا” تحت لافتة “التصدير” للعمل، مشعوذون تحولوا الى اطباء، اياك - بالطبع - ان تتفاجأ ففي عصر “الحروب” كل شيء مألوف.
قد تأخذك قدمك الى صديق يداوي “النفوس” فتكتشف ان المدينة غارقة في “الاضطراب” النفسي، سيقول لك: العيادة مكتظة بالمرضى، نحو ثلث السكان يعانون من اضطرابات وامراض نفسية، تسأل: من اين دخل الينا كل هذا “الاكتئاب” والخوف والوسواس والشعور بالقهر والحزن والاحساس بالعزلة والوحدة رغم كثرة “الناس”، فيصمت ولا يجيبك، لانك - مثله تماماً - تعرف كل شيء.
قد تأخذك الاقدار الى “مركز الشرطة” فترى بعينيك جزءاً من “المأساة”، الابناء يشتكون على آبائهم، البلطجية الذين امتهنوا السرقة وتهديد الابرياء وابتزازهم اصبحوا من علامات المدينة، سرقات السيارات اصبحت عادة مألوفة، لا تسأل بالطبع عن جرائم السطو والقتل وعراكات “رواد” الملاهي، وفنون التحايل.. فهي اكثر من ان تحصى!
كل مدينة كادت ان تصبح صورة “لعمان”، وحتى الاطراف البعيدة انتقلت اليها عدوى “النكسة” الاجتماعية، صدق أو لا تصدق بأن “الشباب” الذين كنت اعرفهم اصبحوا “مدمنين” على المخدرات، وبأن احدى الفتيات في قرانا البعيدة تورطت مع صديقها في “قتل” خطيبها، وبأن نسبة الزواج العرفي تصاعدت، وبأن، قيم “العونة” والتكافل والشهامة خرجت ولم تعد.
لم أعد اصدق بأن البلد الصغير قد تجاوز عدد سكانه السبعة ملايين ونصف في غضون سنوات، ولم أعد اصدق بأن هذه الملايين الموزعة بين اعداد اللاجئين والوافدين جاءوا هكذا بالصدفة، ترى كيف استوعبتهم هذه “الحواضر” الصغيرة، وكيف اتسعت لهم الظروف الاقتصادية الخانقة، ومن أين يشربون في بلد يعد من بين أفقر سبعة بلدان مائياً؟
أرجوك، لا تحدثني - بعد الآن - عن السياسة وانشغالات النخب وصراعاتها، حدّق فقط في صورة مجتمعنا وتأمل تضاريسها الاجتماعية، ستكتشف عندها بأننا غرقنا في وهم السياسة وأضعنا عمرنا في ملاطمة امواجها، ولم ننتبه الى هذا الطوفان الذي يهدد “أمننا” الاجتماعي ومنظومة قيمنا والاهم “قيمتنا” كناس ومواطنين تحولنا للاسف الى ارقام في احصائيات لا نعرف لها بداية او نهاية.
(الدستور)