jo24_banner
jo24_banner

اسئلة الحقل الاجتماعي أهم وأخطر

حسين الرواشدة
جو 24 : ذا كنتُ وغيري من الكتاب معذورين بالانشغال فيما يطفو على السطح من حراكات شعبية، واذا كانت النخب السياسية معذورة ايضا بالانخراط في «الهمّ» السياسي، فان «فقهاء» الاجتماع في بلادنا غير معذورين اذا ما صمتوا امام «رصد» ما يتغلغل داخل مجتمعنا من تحولات وانحرافات قد تبدو احيانا غير مرئية، لكنها -بالطبع- تشكل حقلا مهما، هم ادرى به، ونحن احوج لمعرفته والانتباه اليه، لما يحمله من دلالات ورسائل وما قد يُفضي اليه من اخطار تهدد سلامة «امننا» الاجتماعي الذي يفترض ان نحرص عليه كحرصنا على امننا السياسي .. واكثر.

الموضوع الوحيد الذي ربما نال جزءا من اهتمام «مراصدنا الاجتماعية» هو العنف الذي شهدناه في جامعاتنا وبعض مناطقنا، ورغم ان هذا «الملف» اصطدم بحواجز «الاهمال» السياسي ولم يتحول ما ورد فيه من اقتراحات وتوصيات الى مقررات وافعال في الميدان الا ان مجرد ادارة النقاش حوله يمثل انجازا، لكن ماذا عن الملفات الاخرى التي لا تقل اهمية عن هذا الموضوع وربما تتشابك معه احيانا وتتناسل منه احيانا اخرى.. خذ مثلا هذه الاسئلة: كم عدد حالات الخلع والطلاق في العام الماضي تحديدا؟ كم عدد الذين دخلوا الى السجون وعدد الموقوفين؟ ما نسبة ارتفاع الجرائم بأنواعها؟ كم عدد الاردنيين الذين هاجروا للخارج وكم عدد الذين عادوا الى البلد؟ كم بلغت اعداد من انتحر أو حاول الانتحار؟ هل زادت اعداد اطفال الشوارع واعداد المتسولين؟ وثمة اسئلة اخرى ادق: هل زاد اقبال الشباب على الدين؟ وما هي ابرز مظاهر التدين؟ وماذا عن جنوح البعض الى «الشذوذ» الفكري وربما الجنسي؟ وما جديد العلاقة بين الآباء والأبناء؟ ولماذا خرج بعض الأبناء على «سلطة» ووصاية المجتمع والآباء ... الخ.

كل هذه الاسئلة تشكل متغيرات قابلة للبحث والدرس، والهدف هو معرفة علاقتها مع «التحولات» التي طرأت على بلدنا في عام «الثورات العربية» لان فهم هذه العلاقة سيشكل «مفتاحا» ضروريا للدخول من الحقل الاجتماعي الى الحقل السياسي بمعنى ربط المقررات السياسية بما يحدث داخل المجتمع من تفاعلات لضمان سلامة هذه المقررات وصحتها، وضمان انسجامها مع حاجات المجتمع واستقراره ولتحصينه من الاضطراب والاختلال. مشكلتنا لا تقتصر -فقط- على «اهمال» دراسة هذه العلاقة ورصد تفاعلاتها وانما في محاولة اقحام الحقل الاجتماعي بمعادلات قصرية جديدة او -ان شئت- اعادة هندسته ليتناسب مع المقررات السياسية غير المقبولة اجتماعيا، واخطر ما تضمنته هذه «الهندسة» هو تفكيك روابط المجتمع وضرب مكوناته وتقسيمها والعبث فيها، لدرجة اصبح فيها السؤال عن هذه التفاصيل «الاجتماعية» ضربا من «الترف» البحثي في ظل غياب اسئلة كبرى تتعلق بالمواطنة والمشاركة وقيم الانتماء والهوية والسلم الاجتماعي والعنف السياسي الذي لا يقل خطرا عن العنف المجتمعي.

في مرحلة «التيه» والحيرة تبدو مثل هذه القضايا في الهامش، نظرا لانشغال الناس بالبحث عما افتقدوه بدءا من «ذواتهم» وانتهاء «بحاجاتهم» الضرورية، لكن ما ان تنقشع هذه المناخات وتبدأ عجلة «الاصلاح» او «التغيير» السياسي العام حتى يكتشف المجتمع بان يديه مكبلتان بمثل هذه الاسئلة، وبأن «اصلاح» بنيته الاجتماعية يحتاج الى زمن اطول تماما كما حدث في مصر وقبلها تونس، حيث صحا الناس على «مجتمعهم» فاذا به مليء بالالغام، وحينئذ ادركوا ان اصلاح «السياسة» ابسط وأهون بكثير من اصلاح الناس بعد عقود من «الفساد والاستبداد والقمع والاذلال.

اعتقد ان الثمن الذي دفعناه - على المستوى الاجتماعي- (دعك من اي ثمن سياسي او اقتصادي) كان فادحا في العام الماضي، ولو توفرت لدينا ارقام دقيقة حول اعداد المطلقات او المجرمين او المهاجرين.. الخ، او اجابات عن الاسئلة الاجتماعية الاخرى، لكان يمكن ان نرى باعيننا ما فعله بنا «الاستعصاء» السياسي الذي حرمنا من سرعة الدخول في «الاصلاح» لان وراء كل ما يطفو على السطح من حراكات واحتجاجات «مشكلات» اجتماعية مرتبطة عضويا بالسياسة والاقتصاد، وهي قادرة على تحريك الناس او مضاعفة احباطهم واحتقانهم، وقادرة ايضا على فتح لواقطنا على العناوين الاساسية التي يفترض ان نذهب اليها «سياسيا» لفهم ما يريده الناس وما يحتاجه المجتمع من ضمانات لاستقراره وازدهاره.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news