مـنـعـطـف العــنــاد..!
حسين الرواشدة
جو 24 : حين تدقق في كل التحولات السياسية التي شهدها عالمنا العربي في السنوات الثلاثة المنصرمة تكتشف بأن ثمة كلمة سر واحدة كانت بمثابة “القشة” التي قصمت ظهر “البعير”، وهي باختصار “المعاندة”!
في مصر مثلا ظل نظام “مبارك” يعاند اكثر من سبع سنوات، كانت الجماهير تخرج للاحتجاج في الشارع على “الغلاء” وعلى “التوريث” وعلى الاستبداد والفقر وغياب العدالة، وكان النظام آنذاك يصم آذانه عن سماع أصواتهم، ويصرّ على ادارة الدولة بالمنطق السياسي ذاته، وحين جرت آخر انتخابات برلمانية في عهده، قيل للرئيس بأن المعارضة “تنوي” تشكيل برلمان شعبي لانها لا تعترف بشرعية المجلس الحالي، فكان رده “المعاند”: “خليهم يتسلوا”.
في سوريا ايضا تكرر المشهد نفسه، فحين بدأت “الاحتجاجات” في درعا، وتم القبض على الاطفال الذين “خربشوا” على الجدران “اجاك الدور يا دكتور” وفوجىء الوجهاء بالكلام “البذيء” من رئيس مكتب الامن (اسمه عاطف نجيب)، ظل النظام السوري “يعاند” ويصرّ على اخضاع الناس وقمعهم، حتى تحولت الاحتجاجات الى ثورة ومن ثم الى “صراع” عسكري وحرب “اهلية” وما تزال بعد ان دمرت سوريا وسقط مئات الآلاف من القتلى واضعافهم من الجرحى والمشردين، ما تزال مفتوحة على المجهول.
حدث مثل ذلك في ليبيا حين رفع القذافي شعار “من انتم ايها الجرذان”، وفي اليمن حين أصر علي صالح على القتال حتى تمت تنحيته بمبادرة خليجية، وفي تونس قبل ذلك لما أدرك زين العابدين ان “حبل” العناد قصير فقال كلمته المشهورة: الآن فهمتكم.
منطق العناد عاد ايضا مرة اخرى الى مصر، وسواء أكان المسؤول عنه “الانقلابيون” أو “الاخوان” فالنتيجة ما تزال واضحة، وهي ان البلد الكبير يدفع ثمن هذا المنطق الذي سيطر على الجميع، بعد ان غاب “الحكماء” واصبحت الازمة عصية على الحل.
اذا سألتني عن اقصر طريق الى الفشل “السياسي” سأجيبك على الفور انه العناد، هذا الذي أخشى على اخواننا في “حكومة” السودان ان يقعوا فيه بعد ان خرج آلاف المواطنين للاحتجاج على رفع اسعار الوقود، وفوجئوا بالرصاص والاعتقالات، وطُلب من الاعلام ان يصفهم “بالمخربين”، وهو المنطق ذاته الذي ما نزال نسمع اصداءه تتردد في اكثر من عاصمة من عواصمنا العربية، سواء في تلك التي اصابها “زلزال” الثورات والانفجارات او الاخرى التي وصلتها ارتداداتها.. او ما تزال في الطريق.
تصور - مثلا - لو انعكست الصورة، واستوعبت “الانظمة” غضب الناس واحتجاجاتهم، وسارعت الى الاستجابة لمطالبهم، وتركت منطق العناد والاصرار على مواجهة “اصوات” المجتمع بما تيسر من مقررات امنية واعتقالات، وفتحت عيونها على طريق السلامة للجميع، لو حدث ذلك لما وقع المحظور، ولما سقطت الحكومات والانظمة، ولما خسرنا ما خسرناه من دماء واموال وتعب واعصاب، فالطريق الى “الاصلاح” كان اسهل وأقصر وأقل كلفة بقليل من “العقلانية” وقبل ذلك بالتحرر من منطق “العند” والفكر الذي جرّ على شعوبنا كل هذه الكوارث.
لا اريد ان أنهي هذا المقال دون ان أشير الى مسألتين: احداهما ان “العناد” كما جاء في معجم معاني الاسماء هو: مجانبة الحق ومفارقته مع المعارضة والمغالبة وتصلب الرأي، وثانيهما ان العناد كما يراه علماء النفس هو حالة من التعبير عن الرفض للقيام بعمل ما حتى لو كان مفيداً، أو الانتهاء من عمل ما حتى وان كان خاطئاً، وهو - بهذا المعنى - يعكس اضطرابا وظيفيا، وغالبا ما يكون العناد سلبياً، لكنه اذا كان في اتجاه “الدفاع عن الحق” فهو عناد تصميم وارادة، واهم اسباب العناد السلبي انعدام الثقة والجوع الى السلطة أياً كان نوع هذه السلطة.
للتذكير فقط، لا تقتصر مشكلة العناد السياسي على طرف أو شخص، وانما هي “عابرة” للحكومات والحركات والاحزاب والافراد ايضاً، وبالتالي فهي “ازمة” يعاني منها عالمنا العربي، خاصة في مرحلة المخاضات والتحولات، حيث يتصور كل طرف انه يملك الحقيقة لوحده، وان بامكانه “افحام” خصومه واسكاتهم.. اما كيف فبالمعاندة فقط؟؟
(الدستور)
في مصر مثلا ظل نظام “مبارك” يعاند اكثر من سبع سنوات، كانت الجماهير تخرج للاحتجاج في الشارع على “الغلاء” وعلى “التوريث” وعلى الاستبداد والفقر وغياب العدالة، وكان النظام آنذاك يصم آذانه عن سماع أصواتهم، ويصرّ على ادارة الدولة بالمنطق السياسي ذاته، وحين جرت آخر انتخابات برلمانية في عهده، قيل للرئيس بأن المعارضة “تنوي” تشكيل برلمان شعبي لانها لا تعترف بشرعية المجلس الحالي، فكان رده “المعاند”: “خليهم يتسلوا”.
في سوريا ايضا تكرر المشهد نفسه، فحين بدأت “الاحتجاجات” في درعا، وتم القبض على الاطفال الذين “خربشوا” على الجدران “اجاك الدور يا دكتور” وفوجىء الوجهاء بالكلام “البذيء” من رئيس مكتب الامن (اسمه عاطف نجيب)، ظل النظام السوري “يعاند” ويصرّ على اخضاع الناس وقمعهم، حتى تحولت الاحتجاجات الى ثورة ومن ثم الى “صراع” عسكري وحرب “اهلية” وما تزال بعد ان دمرت سوريا وسقط مئات الآلاف من القتلى واضعافهم من الجرحى والمشردين، ما تزال مفتوحة على المجهول.
حدث مثل ذلك في ليبيا حين رفع القذافي شعار “من انتم ايها الجرذان”، وفي اليمن حين أصر علي صالح على القتال حتى تمت تنحيته بمبادرة خليجية، وفي تونس قبل ذلك لما أدرك زين العابدين ان “حبل” العناد قصير فقال كلمته المشهورة: الآن فهمتكم.
منطق العناد عاد ايضا مرة اخرى الى مصر، وسواء أكان المسؤول عنه “الانقلابيون” أو “الاخوان” فالنتيجة ما تزال واضحة، وهي ان البلد الكبير يدفع ثمن هذا المنطق الذي سيطر على الجميع، بعد ان غاب “الحكماء” واصبحت الازمة عصية على الحل.
اذا سألتني عن اقصر طريق الى الفشل “السياسي” سأجيبك على الفور انه العناد، هذا الذي أخشى على اخواننا في “حكومة” السودان ان يقعوا فيه بعد ان خرج آلاف المواطنين للاحتجاج على رفع اسعار الوقود، وفوجئوا بالرصاص والاعتقالات، وطُلب من الاعلام ان يصفهم “بالمخربين”، وهو المنطق ذاته الذي ما نزال نسمع اصداءه تتردد في اكثر من عاصمة من عواصمنا العربية، سواء في تلك التي اصابها “زلزال” الثورات والانفجارات او الاخرى التي وصلتها ارتداداتها.. او ما تزال في الطريق.
تصور - مثلا - لو انعكست الصورة، واستوعبت “الانظمة” غضب الناس واحتجاجاتهم، وسارعت الى الاستجابة لمطالبهم، وتركت منطق العناد والاصرار على مواجهة “اصوات” المجتمع بما تيسر من مقررات امنية واعتقالات، وفتحت عيونها على طريق السلامة للجميع، لو حدث ذلك لما وقع المحظور، ولما سقطت الحكومات والانظمة، ولما خسرنا ما خسرناه من دماء واموال وتعب واعصاب، فالطريق الى “الاصلاح” كان اسهل وأقصر وأقل كلفة بقليل من “العقلانية” وقبل ذلك بالتحرر من منطق “العند” والفكر الذي جرّ على شعوبنا كل هذه الكوارث.
لا اريد ان أنهي هذا المقال دون ان أشير الى مسألتين: احداهما ان “العناد” كما جاء في معجم معاني الاسماء هو: مجانبة الحق ومفارقته مع المعارضة والمغالبة وتصلب الرأي، وثانيهما ان العناد كما يراه علماء النفس هو حالة من التعبير عن الرفض للقيام بعمل ما حتى لو كان مفيداً، أو الانتهاء من عمل ما حتى وان كان خاطئاً، وهو - بهذا المعنى - يعكس اضطرابا وظيفيا، وغالبا ما يكون العناد سلبياً، لكنه اذا كان في اتجاه “الدفاع عن الحق” فهو عناد تصميم وارادة، واهم اسباب العناد السلبي انعدام الثقة والجوع الى السلطة أياً كان نوع هذه السلطة.
للتذكير فقط، لا تقتصر مشكلة العناد السياسي على طرف أو شخص، وانما هي “عابرة” للحكومات والحركات والاحزاب والافراد ايضاً، وبالتالي فهي “ازمة” يعاني منها عالمنا العربي، خاصة في مرحلة المخاضات والتحولات، حيث يتصور كل طرف انه يملك الحقيقة لوحده، وان بامكانه “افحام” خصومه واسكاتهم.. اما كيف فبالمعاندة فقط؟؟
(الدستور)