العربي القادم!!
خيري منصور
جو 24 : الاقتصار على حشد القرائن الطافية على سطح المشهد العربي الآن من شأنه ان يدفع التشاؤم الى اقصاه، سواء من حيث التشظي الطائفي، أو من حيث ارتفاع نسب البطالة والأميّة والموت المجاني، لكن الغاطس من هذا المشهد ليس كذلك، ما دامت الاسئلة المحرمة قد اصبحت متاحة، كما ان المساءلة على مختلف المستويات بدأت تتخطى ما كان محظوراً، لكن هذا التصور ليس وليد مقولة ساذجة عن اشتداد الأزمات كي تنفرج، فاشتدادها يفجرها ايضاً، وباختصار فان الوطن العربي الآن يسدد عدة مديونيات منها السياسي والثقافي وحتى الدستوري، فقد مرّ بأزمنة كان الأعمى فيها يقود المقعد، والمريض يأكل الميت، وما هو مكتوب على الورق مجرد أسراب نمل لا معنى لها، ما دامت الممارسات كلها تحتكم الى أعراف وتقاليد طالما حلت مكان القانون، واعلنت الطلاق البائن بين ما يسمى كلام القرايا وكلام السرايا، فالاستبداد كما عرّفه الكواكبي قبل قرن سلالة فيها الجد والابن والحفيد وحفيد الحفيد ايضاً، لانه ليس مجرد جملة معترضة في التاريخ تماما كالفساد الذي تقدم له اليوم تعريفات مثيرة للسخرية وكأنه نبت شيطاني بلا جذور، انه ثقافة ما ان تتفشى حتى تصبح بديلة للثقافات كلها، ولهذا له فقهاء متخصصون في تسويغه، او اطلاق اسماء مستعارة عليه.
وحين ظهرت نظرية خرقاء في بواكير القرن الماضي تقول ان قليلا من الفساد من شأنه ان يجعل البيروقراطية اكثر مرونة، كان هذا الفهم أقرب الى ما يسمى التزييت أو التشحيم للآلات ذات المفاصل الصدئة، ونسي هؤلاء ان القليل جداً من الفساد أو الاستبداد يتكاثر بالانشطار كالأميبا ولا سبيل لوضع حد لهما بعد ان يتحولا الى وباء.
العربي الآن في حالة مواجهة وربما لأول مرة مع كل ما كان مؤجلاً ومسكوتاً عنه في حياته السياسية والاجتماعية، فقد انتهى عصر المعصوميات التي تحظر النقد وانتهى زمن العدالة التي توزع من خلاله الغنائم بالتساوي بين المستبد ونفسه على طريقة ما يدفعه باليمين يسترجعه بالشمال.
لكن هذا كله ليس مرئياً الآن بالعين المجردة وعلينا ان ننتظر قليلاً كي يكتشف العربي المريض ان اطباءه خدعوه كي يبتزوا أمواله ويبددوا وقته بحيث يعالج الداء المزمن بالاسبرين أو الكمادات.
ان وطناً بكل تضاريسه يدخل الى غرفة العمليات الآن، وما من تخدير يعينه على احتمال الألم، لكن اللحظة الفارقة هي أمانة النخب السياسية والثقافية في اجراء هذه الجراحة القاسية، لأن اية خيانة قد تدفع هؤلاء لاستئصال الكبد أو الرئة بدلاً من الزائدة الدودية..
(الدستور)
وحين ظهرت نظرية خرقاء في بواكير القرن الماضي تقول ان قليلا من الفساد من شأنه ان يجعل البيروقراطية اكثر مرونة، كان هذا الفهم أقرب الى ما يسمى التزييت أو التشحيم للآلات ذات المفاصل الصدئة، ونسي هؤلاء ان القليل جداً من الفساد أو الاستبداد يتكاثر بالانشطار كالأميبا ولا سبيل لوضع حد لهما بعد ان يتحولا الى وباء.
العربي الآن في حالة مواجهة وربما لأول مرة مع كل ما كان مؤجلاً ومسكوتاً عنه في حياته السياسية والاجتماعية، فقد انتهى عصر المعصوميات التي تحظر النقد وانتهى زمن العدالة التي توزع من خلاله الغنائم بالتساوي بين المستبد ونفسه على طريقة ما يدفعه باليمين يسترجعه بالشمال.
لكن هذا كله ليس مرئياً الآن بالعين المجردة وعلينا ان ننتظر قليلاً كي يكتشف العربي المريض ان اطباءه خدعوه كي يبتزوا أمواله ويبددوا وقته بحيث يعالج الداء المزمن بالاسبرين أو الكمادات.
ان وطناً بكل تضاريسه يدخل الى غرفة العمليات الآن، وما من تخدير يعينه على احتمال الألم، لكن اللحظة الفارقة هي أمانة النخب السياسية والثقافية في اجراء هذه الجراحة القاسية، لأن اية خيانة قد تدفع هؤلاء لاستئصال الكبد أو الرئة بدلاً من الزائدة الدودية..
(الدستور)