للثقافة أيضاً حداثة نعمتها!!
خيري منصور
جو 24 : غالباً ما ارتبط مصطلح حداثة النعمة أو ما يسمى بالفرنسية «نوفوريتش» بأغنياء الحروب والاسواق السوداء والتهريب، وأول ما يفعله هؤلاء المحدثون هو محاكاة من كانوا يرقبونهم بحسد من الأثرياء، مظاهر الحياة اليومية، والأدوات سواء أكانت سيارات أو تقنيات وهندسة بيوت وديكورات، لهذا لا يكون لهم أي اجتهاد أو بصمة، لأنهم مأخوذون بنماذج لا يكلون من تقليدها في كل شيء.
وقد كتب الكثير عن هذه الظاهرة في بعديها الاقتصادي الاجتماعي، لكن ما لم يتنبه اليه الكثيرون هو حداثة النعمة في مجالات أخرى ليس الاقتصاد أو ما يسمى التسلل الطبقي من صميمها.
فالثقافة مثلا لها ايضاً ما يماثل هؤلاء، لكن عبر تجليات سلوكية ونفسية مختلفة، لهذا يجب التفريق بين المثقف والمتثاقف تماما كما هو الفارق بين الأنيق والمتأنق والأديب والمتأدب، فمن لحق بقطار الثقافة متأخراً وعالقاً بالعربة الأخيرة ما ان يقرأ كتاباً واحداً حتى يظن أنه حصل على المعرفة كلها، فلا يكف عن الحديث عن هذا الكتاب وقد لا يخطر بباله أن هناك من قرأوه وحفظوه ونسوه قبل عقود.
هذا في مجال القراءة، أما في الكتابة فالمشهد يصبح كوميدياً بعدة امتيازات، لأن العالق بالعربة الأخيرة من القطار حين يصدر كتاباً حتى لو كان مجرد ثرثرة واجترار يعذب زوجته أولا ثم يعذب ناشره وأخيرا تصبح جملة علاقاته حفلة تعذيب بلا انقطاع، وبدلاً من ان يشرع في تأليف كتاب آخر أو اعادة النظر بكتابه الأول، يقضي ما تبقى له من العمر في مديح تلك الدرة اليتيمة التي ربما لم يقرأها أحد سواه.
انه يذكرني بشاب بائس كان يسمع من أصحابه أن من يتلك سيارة يستطيع أن يصطاد أجمل النساء في الشوارع وعلى الأرصفة، وحين اقتنى سيارة قديمة أضاع عصاه كما يقال في اول غزواته، فالسيدة التي حاول اعتراضها من النوع الذي يرى في سيارته وسيلة تعذيب، فدفع الثمن على الفور وعوقب وعرض سيارته أو شبكة الصيد الحديدية للبيع بأبخس الاثمان.
إن مظاهر حداثة النعمة في حياتنا لا آخر لها، فهناك من يحلم طيلة حياته ببناء بيت وما أن ينجزه حتى يصيب كل معارفه وأقاربه بالصداع والغثيان وهو يتحدث عن تفاصيله كما لو انه برج إيفل أو المدائن المحرمة في بكين أو قصر تاج محل.
بالطبع ليس المصابون بهذا الفيروس هم السبب، فالفقر له محاصيل سوداء، والاسوأ من الفقر هو الخوف منه لأن تحوله الى فوبيا يفسد الحياة كلها ويحولها الى خدر دائم.
وليس لدينا من التقاليد في معظم مجالات الحياة ما يكفي لترسيخ مفاهيم ومنظومة قيم تجعل الانسان واقعياً في حساباته، لهذا ندافع عن فشلنا باختراع مبررات تبدو احياناً مضحكة.
ان معظم المجتمعات العربية عشوائية في كل شيء بدءاً من نسيجها الاجتماعي حتى اشكال ومظاهر التعبير عن الذات.
(الدستور)
وقد كتب الكثير عن هذه الظاهرة في بعديها الاقتصادي الاجتماعي، لكن ما لم يتنبه اليه الكثيرون هو حداثة النعمة في مجالات أخرى ليس الاقتصاد أو ما يسمى التسلل الطبقي من صميمها.
فالثقافة مثلا لها ايضاً ما يماثل هؤلاء، لكن عبر تجليات سلوكية ونفسية مختلفة، لهذا يجب التفريق بين المثقف والمتثاقف تماما كما هو الفارق بين الأنيق والمتأنق والأديب والمتأدب، فمن لحق بقطار الثقافة متأخراً وعالقاً بالعربة الأخيرة ما ان يقرأ كتاباً واحداً حتى يظن أنه حصل على المعرفة كلها، فلا يكف عن الحديث عن هذا الكتاب وقد لا يخطر بباله أن هناك من قرأوه وحفظوه ونسوه قبل عقود.
هذا في مجال القراءة، أما في الكتابة فالمشهد يصبح كوميدياً بعدة امتيازات، لأن العالق بالعربة الأخيرة من القطار حين يصدر كتاباً حتى لو كان مجرد ثرثرة واجترار يعذب زوجته أولا ثم يعذب ناشره وأخيرا تصبح جملة علاقاته حفلة تعذيب بلا انقطاع، وبدلاً من ان يشرع في تأليف كتاب آخر أو اعادة النظر بكتابه الأول، يقضي ما تبقى له من العمر في مديح تلك الدرة اليتيمة التي ربما لم يقرأها أحد سواه.
انه يذكرني بشاب بائس كان يسمع من أصحابه أن من يتلك سيارة يستطيع أن يصطاد أجمل النساء في الشوارع وعلى الأرصفة، وحين اقتنى سيارة قديمة أضاع عصاه كما يقال في اول غزواته، فالسيدة التي حاول اعتراضها من النوع الذي يرى في سيارته وسيلة تعذيب، فدفع الثمن على الفور وعوقب وعرض سيارته أو شبكة الصيد الحديدية للبيع بأبخس الاثمان.
إن مظاهر حداثة النعمة في حياتنا لا آخر لها، فهناك من يحلم طيلة حياته ببناء بيت وما أن ينجزه حتى يصيب كل معارفه وأقاربه بالصداع والغثيان وهو يتحدث عن تفاصيله كما لو انه برج إيفل أو المدائن المحرمة في بكين أو قصر تاج محل.
بالطبع ليس المصابون بهذا الفيروس هم السبب، فالفقر له محاصيل سوداء، والاسوأ من الفقر هو الخوف منه لأن تحوله الى فوبيا يفسد الحياة كلها ويحولها الى خدر دائم.
وليس لدينا من التقاليد في معظم مجالات الحياة ما يكفي لترسيخ مفاهيم ومنظومة قيم تجعل الانسان واقعياً في حساباته، لهذا ندافع عن فشلنا باختراع مبررات تبدو احياناً مضحكة.
ان معظم المجتمعات العربية عشوائية في كل شيء بدءاً من نسيجها الاجتماعي حتى اشكال ومظاهر التعبير عن الذات.
(الدستور)