مبادرة «لتصحيح المسارات» .. من يتبناها؟؟
حسين الرواشدة
جو 24 : بعد ثلاث سنوات من التحولات السياسية و"الانفجارات" الاجتماعية التي اجتاحت جزءا كبيرا من عالمنا العربي، يبدو السؤال عن "مكاننا" وأوضاعنا ومستقبلنا وسط هذه المتغيرات سؤالا مشروعا وضروريا ايضا.
للتذكير -فقط- يلاحظ ان تجربة "الاصلاح" في الاردن تعاملت مع هذه المتغيرات بمنطق "الاستجابة"، في المرحلة الاولى اندفعت "ماكينة" العمل الرسمي لانجاز حزمة من الاصلاحات السياسية والتشريعية وبالتوازي بين "الرغبة الرسمية" في التقدم على طريق الاصلاح وبين احتجاجات الشارع التي تغذت من "انفجارات" المحيط، تقدمت عجلة الاصلاح نسبيا الى الامام، اما المرحلة الثانية فقد اتسمت "بالاسترخاء" على الطرف الرسمي والشعبي، حيث بدأ خطاب الاصلاح السياسي يتراجع لحساب خطاب "الحالة الاقتصادية" كما بدأ حراك الشارع يتراجع لاعتبارات داخلية واقليمية تم تطويقها لتسكين "المطالب" وانتظار اجابات الحسم في اكثر من ملف.
بعيدا عن الخوض فيما حصل، سواء فيما يتعلق بمستجدات الحالة المصرية او الحالة السورية، وما تفرضه على الاردن سياسيا من استحقاقات "للتكيف" او "تدوير" الزوايا تبعا لتداعيات "الصفقة" الكبرى وارتداداتها اقليميا ودوليا، او فيما يتعلق "بملفات" الداخل واهمها "الملف الاقتصادي" المرتبط عضويا بالملف السياسي، وانعكاسهما على المزاج العام، فان ثمة اعتبارين لا بد من الانتباه اليهما: احدهما اعتبار كلي يتعلق "بالصورة" التي انتهى اليها عالمنا العربي، والتدقيق فيها –هنا- ضروري لاكتشاف ما حدث واستشراف ما قد يؤول اليه من نتائج، واعتقد ان المشهد ما زال في اطار "المخاضات" وان امامنا سنوات عديدة –وربما تطول- للحكم على هذه التجارب ومعرفة اتجاهاتها، وبالتالي فان الرهان على "الحالة الراهنة" وبناء ما يلزم من سياسات بناء عليها يحتاج الى كثير من المراجعة، لا لأن هذا الرهان خاطىء وقصير المدى فقط ولكن لانه يوطن "لقناعة" تراود البعض بان "مولد" التحولات انتهى وبأن عقارب الساعة تعود للوراء، وتحت ايقاع مثل هذا "الاطمئنان" –وهم الاطمئنان اصح" فان السكوت على "المشكلات" التي افرزت ما حدث حولنا قد يضعنا في مواجهة مفاجآت صعبة.. والمطلوب –هنا- ان نخرج جميعا من "تقمص" حالة الاقليم والرهان على تطوراته لبناء "تجربة" اصلاح تناسبنا وتتلاءم مع "حالتنا الخاصة" وتستفيد ايضا من افضل ما انجزته هذه التحولات في محيطنا.
اما الاعتبار الآخر فهو يتعلق بالاعتراف بأننا انجزنا في ميدان الاصلاح ارضية يمكن ان نستند اليها في الانطلاق مجددا نحو محطات "فاصلة" في حياتنا السياسية ولا اعتقد ان احدا يستطيع ان يحاجج في هذه "الواقعة" لكن هذا الانجاز ما زال متواضعا وبطيئا في الحركة ولا يحظى ايضا "بتوافق" اغلبية القوى السياسية والشعبية، كما ان ايقاع الظروف الاقتصادية الصعبة يدفع هو الآخر نحو اشاعة "احساس" عام بان قطار "الاصلاح" توقف لا على صعيد الفساد وحلفائه فقط وانما على صعيد "الجمود السياسي" المتصل بالاداء العام واتساع فجوة الثقة بين الناس ومؤسساتهم.
كل هذا يجعل من الدعوة الى اطلاق مبادرة "لتصحيح" المسارات سواء السياسية او التشريعية او الاقتصادية، واجبا وضرورة لتجاوز هذه المرحلة باستحقاقاتها ومستجداتها المتسارعة الى مرحلة اخرى يفترض ان يكون عنوانها "التوافق" ويفترض ان يسود الشك، والاجماع بدل الافتراق والانقسام كما يفترض فيها ان نتصارح ونتحاسب ونتصالح، وان يعلو منطق "الدولة" على كل منطق.
لا يمكن –بالطبع- انجاز "تصحيح المسارات" الا اذا خرجنا من فكرة "القلعة" وعقلية العناد، وذهنية الاستحواذ والاقصاء وافحام الخصم بأية صورة، ولا يمكن انجاح هذه المبادرة الا اذا تخلصنا من الرهانات على "الاقليم" ومستجداته ومن حالة "التقمص" التي اربكتنا وعطلت ارادتنا عن الابداع والحركة والحسم ايضا.
ترى من يتبنى مبادرة "تصحيح المسارات" هذه؟ البرلمان مثلا؟ ام الاحزاب؟ ام مؤسسات المجتمع المدني؟ اعتقد ان الطرف القادر على حمل هذه "المبادرة" هو البرلمان، سواء بتوافق بين الكتل او من خلال "الرئاسة" القادمة، لكن البرلمان لا يستطيع وحده انجازها الا اذا توفرت لدى الدولة بكافة مؤسساتها ولدى الفاعلين السياسيين في بلدنا "الرغبة" والارادة على انجاحها وضمان تنفيذها ايضا...
(الدستور)
للتذكير -فقط- يلاحظ ان تجربة "الاصلاح" في الاردن تعاملت مع هذه المتغيرات بمنطق "الاستجابة"، في المرحلة الاولى اندفعت "ماكينة" العمل الرسمي لانجاز حزمة من الاصلاحات السياسية والتشريعية وبالتوازي بين "الرغبة الرسمية" في التقدم على طريق الاصلاح وبين احتجاجات الشارع التي تغذت من "انفجارات" المحيط، تقدمت عجلة الاصلاح نسبيا الى الامام، اما المرحلة الثانية فقد اتسمت "بالاسترخاء" على الطرف الرسمي والشعبي، حيث بدأ خطاب الاصلاح السياسي يتراجع لحساب خطاب "الحالة الاقتصادية" كما بدأ حراك الشارع يتراجع لاعتبارات داخلية واقليمية تم تطويقها لتسكين "المطالب" وانتظار اجابات الحسم في اكثر من ملف.
بعيدا عن الخوض فيما حصل، سواء فيما يتعلق بمستجدات الحالة المصرية او الحالة السورية، وما تفرضه على الاردن سياسيا من استحقاقات "للتكيف" او "تدوير" الزوايا تبعا لتداعيات "الصفقة" الكبرى وارتداداتها اقليميا ودوليا، او فيما يتعلق "بملفات" الداخل واهمها "الملف الاقتصادي" المرتبط عضويا بالملف السياسي، وانعكاسهما على المزاج العام، فان ثمة اعتبارين لا بد من الانتباه اليهما: احدهما اعتبار كلي يتعلق "بالصورة" التي انتهى اليها عالمنا العربي، والتدقيق فيها –هنا- ضروري لاكتشاف ما حدث واستشراف ما قد يؤول اليه من نتائج، واعتقد ان المشهد ما زال في اطار "المخاضات" وان امامنا سنوات عديدة –وربما تطول- للحكم على هذه التجارب ومعرفة اتجاهاتها، وبالتالي فان الرهان على "الحالة الراهنة" وبناء ما يلزم من سياسات بناء عليها يحتاج الى كثير من المراجعة، لا لأن هذا الرهان خاطىء وقصير المدى فقط ولكن لانه يوطن "لقناعة" تراود البعض بان "مولد" التحولات انتهى وبأن عقارب الساعة تعود للوراء، وتحت ايقاع مثل هذا "الاطمئنان" –وهم الاطمئنان اصح" فان السكوت على "المشكلات" التي افرزت ما حدث حولنا قد يضعنا في مواجهة مفاجآت صعبة.. والمطلوب –هنا- ان نخرج جميعا من "تقمص" حالة الاقليم والرهان على تطوراته لبناء "تجربة" اصلاح تناسبنا وتتلاءم مع "حالتنا الخاصة" وتستفيد ايضا من افضل ما انجزته هذه التحولات في محيطنا.
اما الاعتبار الآخر فهو يتعلق بالاعتراف بأننا انجزنا في ميدان الاصلاح ارضية يمكن ان نستند اليها في الانطلاق مجددا نحو محطات "فاصلة" في حياتنا السياسية ولا اعتقد ان احدا يستطيع ان يحاجج في هذه "الواقعة" لكن هذا الانجاز ما زال متواضعا وبطيئا في الحركة ولا يحظى ايضا "بتوافق" اغلبية القوى السياسية والشعبية، كما ان ايقاع الظروف الاقتصادية الصعبة يدفع هو الآخر نحو اشاعة "احساس" عام بان قطار "الاصلاح" توقف لا على صعيد الفساد وحلفائه فقط وانما على صعيد "الجمود السياسي" المتصل بالاداء العام واتساع فجوة الثقة بين الناس ومؤسساتهم.
كل هذا يجعل من الدعوة الى اطلاق مبادرة "لتصحيح" المسارات سواء السياسية او التشريعية او الاقتصادية، واجبا وضرورة لتجاوز هذه المرحلة باستحقاقاتها ومستجداتها المتسارعة الى مرحلة اخرى يفترض ان يكون عنوانها "التوافق" ويفترض ان يسود الشك، والاجماع بدل الافتراق والانقسام كما يفترض فيها ان نتصارح ونتحاسب ونتصالح، وان يعلو منطق "الدولة" على كل منطق.
لا يمكن –بالطبع- انجاز "تصحيح المسارات" الا اذا خرجنا من فكرة "القلعة" وعقلية العناد، وذهنية الاستحواذ والاقصاء وافحام الخصم بأية صورة، ولا يمكن انجاح هذه المبادرة الا اذا تخلصنا من الرهانات على "الاقليم" ومستجداته ومن حالة "التقمص" التي اربكتنا وعطلت ارادتنا عن الابداع والحركة والحسم ايضا.
ترى من يتبنى مبادرة "تصحيح المسارات" هذه؟ البرلمان مثلا؟ ام الاحزاب؟ ام مؤسسات المجتمع المدني؟ اعتقد ان الطرف القادر على حمل هذه "المبادرة" هو البرلمان، سواء بتوافق بين الكتل او من خلال "الرئاسة" القادمة، لكن البرلمان لا يستطيع وحده انجازها الا اذا توفرت لدى الدولة بكافة مؤسساتها ولدى الفاعلين السياسيين في بلدنا "الرغبة" والارادة على انجاحها وضمان تنفيذها ايضا...
(الدستور)