نظام بديل!!
خيري منصور
جو 24 : قد يبدو ما طرحه الصادق المهدي لاول وهلة تعجيزياً عندما قال ان شعار اسقاط النظم انتهى الى ما نراه من احتراب اهلي وفوضى، لهذا فاستبدال النظام هو العنوان البديل للحراك السوداني حسب اطروحة المهدي لاسقاط النظام، لكن كيف يمكن استبدال اي شيء بدون التخلي عما قبله؟
والارجح ان ما يقصده المهدي ليس ذلك الخيار المستحيل او التعجيزي، بل هو انهاك النظام وتفكيك مفاصله وبالتالي اضعافه من خلال تنامي النظام البديل، بحيث لا تكون هناك مسافة اشبه بالحلقة المفقودة تتيح البلطجة وسائر محاصيل الحراك العربي الذي جرب حتى الآن في عدة اقطار.
هذا الطرح يبدو ناعما الى حد ما بل اشبه بما سماه الفريق سامي عنان مؤخرا في مذكراته الانقلاب الناعم الذي يبقي على جذور الدولة وينجز التغيير المنشود.
وصفة عنان تلك رفضها المشير طنطاوي وطلب منه ألا يكررها أمام احد، لاسباب قد تكون ذات صلة بخصوصية العسكرتارية المصرية.
ما يخشاه المهدي وبعض الساسة السودانيين هو تكرار ما حدث في سورية بالتحديد، لكن محاولات الاستدراك غالبا ما تفشل في حالات كهذه، فمن المسلم به ان ما انفجر في عواصم الحراك هو عدة مكبوتات دفعة واحدة، وكان لكل طرف ليلاه أو ثورته التي يغني لها واحيانا عليها، ولعل ما يدفع المهدي وسواه الى هذا الحذر هو ما جرى في اماكن اخرى، فالشرارة التي أدت الى كل تلك الحرائق لم تجد امامها غير مساحات هائلة من الهشيم، لأن شيخوخة النظم السياسية وازماتها المزمنة ضاعفت من حجم الحرائق.
اما الدافع الآخر لمثل هذا الحذر فهو الالتباس الذي وقع بين الدولة والنظام، فاسقاط النظام لا يعني اسقاط الدولة الا في حالة واحدة هي عندما تكون الدولة والنظام دائرتين لهما مركز واحد، ومحيطان متطابقان وهذا ليس دقيقاً على الاطلاق، لان الدولة مهما بلغت هشاشتها هي منجز تاريخي واجتماعي واقتصادي ساهمت فيه عدة نظم متعاقبة ومتباينة ايديولوجياً.
لقد سبق للسودان ان انشطر الى شمال وجنوب، لكن متوالية هذا الانشطار قد لا تتوقف عند هذا الحد، بحيث نصحو ذات يوم على عدة سودانات تتبادل السفراء.
ما من أحد ينكر عوامل الحراك من جوع وكبت وفقر وأمية، لكن الأسباب لا تؤدي دائماً الى تماثل في النتائج، وقد يصدق المثل العربي القائل في الحركة بركة على اي شيء شرط ألا تكون هذه الحركة قفزة في الهواء.. او الى الوراء أو الى الامام في فراغ غير محسوب النتائج.
ان ما يتفجر الآن هو مديونيات، واصلاحات تم تأجيلها بحيث تفاقم الداء واصبح الكيّ هو العلاج الوحيد كما يرى البعض.. لكن ما نراه على سطوح المشاهد السياسية في العالم العربي ليس سوى الجزء الناتىء من جبل الجليد الغارق في محيط الدم.
(الدستور)
والارجح ان ما يقصده المهدي ليس ذلك الخيار المستحيل او التعجيزي، بل هو انهاك النظام وتفكيك مفاصله وبالتالي اضعافه من خلال تنامي النظام البديل، بحيث لا تكون هناك مسافة اشبه بالحلقة المفقودة تتيح البلطجة وسائر محاصيل الحراك العربي الذي جرب حتى الآن في عدة اقطار.
هذا الطرح يبدو ناعما الى حد ما بل اشبه بما سماه الفريق سامي عنان مؤخرا في مذكراته الانقلاب الناعم الذي يبقي على جذور الدولة وينجز التغيير المنشود.
وصفة عنان تلك رفضها المشير طنطاوي وطلب منه ألا يكررها أمام احد، لاسباب قد تكون ذات صلة بخصوصية العسكرتارية المصرية.
ما يخشاه المهدي وبعض الساسة السودانيين هو تكرار ما حدث في سورية بالتحديد، لكن محاولات الاستدراك غالبا ما تفشل في حالات كهذه، فمن المسلم به ان ما انفجر في عواصم الحراك هو عدة مكبوتات دفعة واحدة، وكان لكل طرف ليلاه أو ثورته التي يغني لها واحيانا عليها، ولعل ما يدفع المهدي وسواه الى هذا الحذر هو ما جرى في اماكن اخرى، فالشرارة التي أدت الى كل تلك الحرائق لم تجد امامها غير مساحات هائلة من الهشيم، لأن شيخوخة النظم السياسية وازماتها المزمنة ضاعفت من حجم الحرائق.
اما الدافع الآخر لمثل هذا الحذر فهو الالتباس الذي وقع بين الدولة والنظام، فاسقاط النظام لا يعني اسقاط الدولة الا في حالة واحدة هي عندما تكون الدولة والنظام دائرتين لهما مركز واحد، ومحيطان متطابقان وهذا ليس دقيقاً على الاطلاق، لان الدولة مهما بلغت هشاشتها هي منجز تاريخي واجتماعي واقتصادي ساهمت فيه عدة نظم متعاقبة ومتباينة ايديولوجياً.
لقد سبق للسودان ان انشطر الى شمال وجنوب، لكن متوالية هذا الانشطار قد لا تتوقف عند هذا الحد، بحيث نصحو ذات يوم على عدة سودانات تتبادل السفراء.
ما من أحد ينكر عوامل الحراك من جوع وكبت وفقر وأمية، لكن الأسباب لا تؤدي دائماً الى تماثل في النتائج، وقد يصدق المثل العربي القائل في الحركة بركة على اي شيء شرط ألا تكون هذه الحركة قفزة في الهواء.. او الى الوراء أو الى الامام في فراغ غير محسوب النتائج.
ان ما يتفجر الآن هو مديونيات، واصلاحات تم تأجيلها بحيث تفاقم الداء واصبح الكيّ هو العلاج الوحيد كما يرى البعض.. لكن ما نراه على سطوح المشاهد السياسية في العالم العربي ليس سوى الجزء الناتىء من جبل الجليد الغارق في محيط الدم.
(الدستور)