زمزم: حضرت المصالحات وغابت المكاشفات!
حسين الرواشدة
جو 24 : العنوان الذي ذهبت اليه مبادرة “زمزم” في حفل اشهارها كان واضحا، وهو “المصالحة”، لكن السؤال: مع من هذه المصالحة؟ اعتقد - بالطبع - ان الإجابة واضحة كما عكستها مرآة “المنصة” ووجوه الحاضرين، وكما عكستها - أيضا - مرآة الغائبين عن الاحتفال، وهم “الإخوان” الذين يفترض ان المبادرة خرجت من “رحمهم” ولم تقطع “حبلها” السري معهم حتى الآن.
عنوان “المصالحة” مطلوب، بالتأكيد، لكن ثمة عنوانين اثنين كان يجب ان تمر بهما “المبادرة” الاول: عنوان المكاشفات والمصارحات، سواء فيما يتعلق “بهويتها” أو ولادتها، او فيما يتعلق بمساراتها المستقبلية وعلاقتها بالإخوان تحديداً، هل كانت - مثلا - ردة فعل لـ”مضايقات” التنظيم وموقفه السلبي ضد هؤلاء المنتسبين اليه في اكثر من محطة، هل كانت محاولة لتصحيح مسارات “الجماعة” التي عانت منها في علاقتها مع مكوناتها ومع الآخرين، هل هي تريد - فعلا - ان تنسحب من “الاطار” التنظيمي وتشكل لنفسها اطاراً مستقلاً أم انها ما تزال تدور في فلك “الجماعة”، ثم ما الجديد الذي يمكن ان تضيفه، سواء في علاقتها مع المجتمع او مع الدولة، هل ستستفيد من الرعاية الرسمية أم أنها ستتضرر منها.
اذا دققت اكثر في عنوان “المكاشفات” سنلاحظ أن الوثيقة السياسية التي قدمتها “المبادرة” لا تختلف كثيراً عن “المطالب السبعة” التي قدمتها الجماعة، وستلاحظ - ايضا - أن معظم الشخصيات التي تقف وراء المبادرة أعضاء في “الجماعة” او كانوا فيها وانسحبوا، وستلاحظ - ثالثا - أن “المبادرة” جاءت على شكل “تنظيم” يضم كوادر ولجاناً ولها برامج واهداف طويلة المدى، وهي “سياسية” اكثر من ان تكون اجتماعية، وبالتالي فنحن امام “هياكل” جاهزة لبناء حركة او حزب يحتاج الى ترخيص رسمي، وليس مجرد “افكار” تحملها مبادرة محددة في الأهداف والتوقيت، كما هو مألوف في طبيعة المبادرات التي تطلق “كمخرج” من ازمة او حالة استعصاء ثم تنتهي بانتهاء مهمتها.
العنوان الثاني الذي يفترض ان تمر به المبادرة قبل الوصول الى “المصالحات” هو عنوان “المحاسبات”، ذلك ان التصالح مع أي طرف أو زمن أو حدث يقتضي “محاسبته” أولا، لمعرفة اين اخطأ واين أصاب، وثانيا لكي يتحمل مسؤولية خطأه، وثالثا لكيلا تتكرر الأخطاء مستقبلا، ورابعاً لكي يطمئن “المجتمع” بأن المبادرة تحمل في مضامينها وممارساتها ما يطمئنه على سلامة مسارها وما يدفعه الى الدخول فيها ومساندتها.
إذا افترضنا - جدلاً - أن المبادرة قدمت “السماحة” والعفو على الاستغراق في الماضي والاشتباك حول اخطائه، وأنها اختارت “المصالحة” كعنوان لـ”التوافق” وجمع “الكتلة التاريخية” على قواسم مشتركة بعيدا عن منطق الصراعات والانقسامات، ويبقى امامنا سؤال مهم، وهو: ما الذي يمكن ان تضيفه المبادرة لخريطة “المبادرات” التي تبنتها الأحزاب، وفي مقدمتها حزب الوسط الاسلامي الذي يتبنى الطرح ذاته، وكذلك المبادرة التي طرحت في “لجنة الحوار الوطني” والقوى الوطنية؟
الجواب بالطبع - معروف، وهو ان “الميزة” الوحيدة التي تحملها المبادرة هي “انها خرجت من داخل جماعة الإخوان المسلمين”، وتبنت خطأ اكثر ليونة ومرونة من خط الجماعة، وهنا يطرح سؤال آخر: كم عدد الذين سينضمون لـ”المبادرة” من قيادات الإخوان وأعضائها، وما وزنهم السياسي، وهل يتوزعون على أسس فكرية وسياسية أم على “اعتبارات” أخرى!
ثم يبقى سؤال أكثر أهمية وهو: هل تشكل المبادرة عامل “اضعاف” للجماعة، وهل سيدفعها ذلك الى إبداء مرونة أكثر، أم أن المبادرة ستدفعها الى “التمسك” بمواقفها، وبالتالي “ستقع” في الفخ وتخسر اكثر، وهنا يبدو السؤال مجدداً عن خيارين كان يفترض ان يفكر بهما اصحاب “المبادرة” اولهما خيار “اصلاح” الجماعة من داخلها بحيث يشكل هؤلاء الذين عبروا عن “نقدهم” لخطاب الجماعة وممارساتها وقرروا الخروج من اطارها الضيق الذي لم يسمح لهم بالحركة والاجتهاد والعمل، يشكلون “عامل” ضغط داخلي لتصحيح مسارها وتقويم إعوجاجها وتغيير “قواعد” اللعبة السياسية التي اعتمدتها قياداتها الراهنة، أما الخيار الثاني فهو اشهار الانشقاق عنها بشكل مباشر، ومكاشفة الرأي العام بأنها لم تعد “إطارا” مناسباً لحراكهم، وبالتالي فهم جاهزون لدفع ثمن هذا “الخروج” وجاهزون لتقديم “البديل” واقناع المجتمع به.
بقي أن أشير الى ملاحظة أخيرة تتعلق بتوقيت الاشهار، فجماعة الإخوان “تمر” الآن في مرحلة “حرجة” تبدو فيها في “أضعف” حالاتها السياسية، واعتقد أنها أحوج ما تكون لمن “يدلها” على الصواب أو يسدي لها النصيحة أو يقوّم اعوجاجها - ان حصل - من داخلها.. لا لأنها “بقرة” مقدسة ممنوع عليها الانتقاد، بل لأنها “تجربة” وطنية لا مصلحة لأحد بتقويضها أو اقصائها أو دفعها الى الجدار.
(الدستور)
عنوان “المصالحة” مطلوب، بالتأكيد، لكن ثمة عنوانين اثنين كان يجب ان تمر بهما “المبادرة” الاول: عنوان المكاشفات والمصارحات، سواء فيما يتعلق “بهويتها” أو ولادتها، او فيما يتعلق بمساراتها المستقبلية وعلاقتها بالإخوان تحديداً، هل كانت - مثلا - ردة فعل لـ”مضايقات” التنظيم وموقفه السلبي ضد هؤلاء المنتسبين اليه في اكثر من محطة، هل كانت محاولة لتصحيح مسارات “الجماعة” التي عانت منها في علاقتها مع مكوناتها ومع الآخرين، هل هي تريد - فعلا - ان تنسحب من “الاطار” التنظيمي وتشكل لنفسها اطاراً مستقلاً أم انها ما تزال تدور في فلك “الجماعة”، ثم ما الجديد الذي يمكن ان تضيفه، سواء في علاقتها مع المجتمع او مع الدولة، هل ستستفيد من الرعاية الرسمية أم أنها ستتضرر منها.
اذا دققت اكثر في عنوان “المكاشفات” سنلاحظ أن الوثيقة السياسية التي قدمتها “المبادرة” لا تختلف كثيراً عن “المطالب السبعة” التي قدمتها الجماعة، وستلاحظ - ايضا - أن معظم الشخصيات التي تقف وراء المبادرة أعضاء في “الجماعة” او كانوا فيها وانسحبوا، وستلاحظ - ثالثا - أن “المبادرة” جاءت على شكل “تنظيم” يضم كوادر ولجاناً ولها برامج واهداف طويلة المدى، وهي “سياسية” اكثر من ان تكون اجتماعية، وبالتالي فنحن امام “هياكل” جاهزة لبناء حركة او حزب يحتاج الى ترخيص رسمي، وليس مجرد “افكار” تحملها مبادرة محددة في الأهداف والتوقيت، كما هو مألوف في طبيعة المبادرات التي تطلق “كمخرج” من ازمة او حالة استعصاء ثم تنتهي بانتهاء مهمتها.
العنوان الثاني الذي يفترض ان تمر به المبادرة قبل الوصول الى “المصالحات” هو عنوان “المحاسبات”، ذلك ان التصالح مع أي طرف أو زمن أو حدث يقتضي “محاسبته” أولا، لمعرفة اين اخطأ واين أصاب، وثانيا لكي يتحمل مسؤولية خطأه، وثالثا لكيلا تتكرر الأخطاء مستقبلا، ورابعاً لكي يطمئن “المجتمع” بأن المبادرة تحمل في مضامينها وممارساتها ما يطمئنه على سلامة مسارها وما يدفعه الى الدخول فيها ومساندتها.
إذا افترضنا - جدلاً - أن المبادرة قدمت “السماحة” والعفو على الاستغراق في الماضي والاشتباك حول اخطائه، وأنها اختارت “المصالحة” كعنوان لـ”التوافق” وجمع “الكتلة التاريخية” على قواسم مشتركة بعيدا عن منطق الصراعات والانقسامات، ويبقى امامنا سؤال مهم، وهو: ما الذي يمكن ان تضيفه المبادرة لخريطة “المبادرات” التي تبنتها الأحزاب، وفي مقدمتها حزب الوسط الاسلامي الذي يتبنى الطرح ذاته، وكذلك المبادرة التي طرحت في “لجنة الحوار الوطني” والقوى الوطنية؟
الجواب بالطبع - معروف، وهو ان “الميزة” الوحيدة التي تحملها المبادرة هي “انها خرجت من داخل جماعة الإخوان المسلمين”، وتبنت خطأ اكثر ليونة ومرونة من خط الجماعة، وهنا يطرح سؤال آخر: كم عدد الذين سينضمون لـ”المبادرة” من قيادات الإخوان وأعضائها، وما وزنهم السياسي، وهل يتوزعون على أسس فكرية وسياسية أم على “اعتبارات” أخرى!
ثم يبقى سؤال أكثر أهمية وهو: هل تشكل المبادرة عامل “اضعاف” للجماعة، وهل سيدفعها ذلك الى إبداء مرونة أكثر، أم أن المبادرة ستدفعها الى “التمسك” بمواقفها، وبالتالي “ستقع” في الفخ وتخسر اكثر، وهنا يبدو السؤال مجدداً عن خيارين كان يفترض ان يفكر بهما اصحاب “المبادرة” اولهما خيار “اصلاح” الجماعة من داخلها بحيث يشكل هؤلاء الذين عبروا عن “نقدهم” لخطاب الجماعة وممارساتها وقرروا الخروج من اطارها الضيق الذي لم يسمح لهم بالحركة والاجتهاد والعمل، يشكلون “عامل” ضغط داخلي لتصحيح مسارها وتقويم إعوجاجها وتغيير “قواعد” اللعبة السياسية التي اعتمدتها قياداتها الراهنة، أما الخيار الثاني فهو اشهار الانشقاق عنها بشكل مباشر، ومكاشفة الرأي العام بأنها لم تعد “إطارا” مناسباً لحراكهم، وبالتالي فهم جاهزون لدفع ثمن هذا “الخروج” وجاهزون لتقديم “البديل” واقناع المجتمع به.
بقي أن أشير الى ملاحظة أخيرة تتعلق بتوقيت الاشهار، فجماعة الإخوان “تمر” الآن في مرحلة “حرجة” تبدو فيها في “أضعف” حالاتها السياسية، واعتقد أنها أحوج ما تكون لمن “يدلها” على الصواب أو يسدي لها النصيحة أو يقوّم اعوجاجها - ان حصل - من داخلها.. لا لأنها “بقرة” مقدسة ممنوع عليها الانتقاد، بل لأنها “تجربة” وطنية لا مصلحة لأحد بتقويضها أو اقصائها أو دفعها الى الجدار.
(الدستور)