هذا العنف.. من أي مخزن خرج؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : من أين خرج كل هذا “الكم” الهائل من العنف في مجتمعاتنا العربية، الذين زاروا القاهرة أو دمشق أو تونس أو غيرها من عواصمنا ومدننا العربية وعايشوا الناس فيها ولمسوا طيبتهم وبراءتهم وسماحتهم لا بدّ انهم تفاجأوا بهذه المشاهد المفزعة التي تطالعنا بها الاخبار كل يوم، فالدم اصبح ارخص من الماء، والقتل تحول الى هواية ممتعة، والمواطن الوديع الذي كان يهوى “الحياة” ويبدع النكت ويرضى بالقليل وهو دائما سعيد به، انقلب الى “وحش” كاسر، وخصم عنيد، وزلزال يدمر كل شيء.
هل كنا نتوقع ذلك، ولماذا تبدو “امتنا” دون غيرها من الامم مستغرقة في “خطاب العنف”، متلذذة بصور “القتل”، مدمنة على الصراعات والاشتباكات، تنتقل من حرب الى اخرى، تارة ضد “اعدائها” وتارة ضد “ابنائها”، الا يحتاج الامر الى نقاش؟
في تقديري ان “العنف” الذي اصبح شاهدا على امتنا ليس مفاجئا ولا طارئا ولا وليد هذه المرحلة المزدحمة بالمخاضات والتحولات، وانما هو جزء من شخصيتنا ومن مخزوننا الثقافي، صحيح انه لا يعبر دائما عن نفسه، سواء بسبب الاستبداد او بسبب الخوف من عصا السلطة، وصحيح ان غيرنا من البشر يشاركوننا فيه، لكنهم هزموه بفضل “التحضر” الذي وصلوا اليه، لكن الصحيح ايضا ان كلمة السر فيه هي “التعصب”، وهي كفيلة بتحديد موعد انفجاره، وبضمان استمراره، وبتزويده كل ما يلزم من مبررات وذرائع واغراءات.
من الحقل الديني خرج “العنف” متستراً بعباءة “التعصب” والجهل وسوء الفهم، حيث القراءة المغشوشة “للنصوص” وحيث “التدين” المغلوط الذي لا يقيم وزناً للحياة بما فيها “قيمة البشر”، وفي تجربتنا الاسلامية (وهي بشرية بالمناسبة) ثمة مخزون ثقافي من “العنف” منذ ان رفعت المصاحف على الاسنة، وتحول الاخوة الى اعداء بذريعة التقرب الى الله على طريق “الحكم” والسلطة.
لا تسأل - هنا - في الحقل الديني عن مفهوم الجهاد الذي اختزل في القتال “بالسيف” فقط، مع ان اصل الجهاد هو الجهاد من اجل الحياة الكريمة، ولا تسأل عن دعاوى “التكفير” وفتاوى ضرب الرقاب التي لم تعد مقتصرة على “دار الكفر” وانما امتدت الى “دار الاسلام” ولا تسأل عن التيارات الدينية التي اشاعت خطأ مفهوم البراءة والمفاصلة او دعت الى هجرة المجتمعات والخروج منها، ولا التي حوّلت “البشر” الى معصومين بالاكراه.. ولا التي سعت الى “حكم” الناس “بجبروت السلطان..
كل هذه الصور شكلت لدى امتنا “مخزوناًَ” ثقافيا استمد منه العنف ما يريده من ذرائع، وما يبحث عنه من مسوغات، حتى اصبح عنوانا يتقدم على وجه ما جاء به الدين من عناوين واولويات: اصبح اهم من عنوان الحرية وعنوان الكرامة الانسانية وعنوان “التحضر” والتمدن، وهذا الاخير الذي اقتنصه غيرنا بعد ان فشل “تديننا” في انتاجه.
من الحقل السياسي - ايضا - خرج العنف، فالاستبداد التي “غطى” على هذا المخزون واوهمنا بالامن والاستقرار، دفع الناس الى الانفجار في لحظة مفاجئة، فأخرجوا كل ما بداخلهم من تعصب وضغائن، وفرّغوا “طاقة” العنف المحبوسة فيهم منذ قرون.
لدى غيرنا من الامم استوعب “التحضر” بما فيه من رفاهية وابداع وعدالة وانتاج مارد “العنف”، فحوله عبر سنوات مفتوحة الى تعايش وتسامح وشراكة، ونفخ فيه من روح “الديمقراطية” فأصبح “صراعا سياسيا سلميا” يضمنه القانون العادل وتحميه التقاليد المؤسسية الراسخة، وترسخه “قيمة الانسان” الذي تتقدم حقوقه على كل اعتبارات.
لا يمكن -بالطبع- ان نستبعد “الحقل التعليمي” الذي سقط ضحية لحقل “التدين” وحقل “السياسة” ولك فقط ان تتصور ما نتعلمه في مناهجنا، وما يربط العلاقة بين المعلم والتلميذ، وما تضمره “ادواتنا” التعليمية للقياس واكتشاف “العباقرة” من “عنف” مستتر، يتراكم شيئا فشيئا دا خل النفوس فينتقل من التوتر الى الاضطراب حتى يصبح “مارداً” عنيفا لا يهاب أي شيء.
في الحقل الاجتماعي ايضا حيث انتصرت التقاليد على المفاهيم الصحيحة، يتولد “العنف” ويصبح مراوغا “للبطولة” والنخوة والشجاعة، وتتلذذ الشخصية العربية الطفولية بتمجيد “الابطال” الذين يحملون السيوف، وتكاد لا تعرف شيئا عن النماذج الانسانية الممتدة في تاريخنا التي أسست قيم السماحة والعلم والعفو والمحبة.
إذن، ارجوك لا تستغرب ولا تقف مندهشاً اذا طوقتك اخبار العنف من كل اتجاه، اذا قتلت الشعوب الوديعة نفسها بنفسها، اذا تحولت الجيوش التي انتصرت على اعدائها وحوشاً ضد “شعوبها”، اذا سالت الدماء في صحارينا القاحلة انهاراً تجري، لا تستغرب ذلك لأن لدينا مخزونا لم ينصب بعد من “العنف” المكبوت، وليس لدينا من يجرؤ على الاشارة - مجرد الاشارة - للسؤال المحرج وهو: من أي مخزون خرج كل هذا العنف.. وكيف يمكن أن نجففه؟
(الدستور)
هل كنا نتوقع ذلك، ولماذا تبدو “امتنا” دون غيرها من الامم مستغرقة في “خطاب العنف”، متلذذة بصور “القتل”، مدمنة على الصراعات والاشتباكات، تنتقل من حرب الى اخرى، تارة ضد “اعدائها” وتارة ضد “ابنائها”، الا يحتاج الامر الى نقاش؟
في تقديري ان “العنف” الذي اصبح شاهدا على امتنا ليس مفاجئا ولا طارئا ولا وليد هذه المرحلة المزدحمة بالمخاضات والتحولات، وانما هو جزء من شخصيتنا ومن مخزوننا الثقافي، صحيح انه لا يعبر دائما عن نفسه، سواء بسبب الاستبداد او بسبب الخوف من عصا السلطة، وصحيح ان غيرنا من البشر يشاركوننا فيه، لكنهم هزموه بفضل “التحضر” الذي وصلوا اليه، لكن الصحيح ايضا ان كلمة السر فيه هي “التعصب”، وهي كفيلة بتحديد موعد انفجاره، وبضمان استمراره، وبتزويده كل ما يلزم من مبررات وذرائع واغراءات.
من الحقل الديني خرج “العنف” متستراً بعباءة “التعصب” والجهل وسوء الفهم، حيث القراءة المغشوشة “للنصوص” وحيث “التدين” المغلوط الذي لا يقيم وزناً للحياة بما فيها “قيمة البشر”، وفي تجربتنا الاسلامية (وهي بشرية بالمناسبة) ثمة مخزون ثقافي من “العنف” منذ ان رفعت المصاحف على الاسنة، وتحول الاخوة الى اعداء بذريعة التقرب الى الله على طريق “الحكم” والسلطة.
لا تسأل - هنا - في الحقل الديني عن مفهوم الجهاد الذي اختزل في القتال “بالسيف” فقط، مع ان اصل الجهاد هو الجهاد من اجل الحياة الكريمة، ولا تسأل عن دعاوى “التكفير” وفتاوى ضرب الرقاب التي لم تعد مقتصرة على “دار الكفر” وانما امتدت الى “دار الاسلام” ولا تسأل عن التيارات الدينية التي اشاعت خطأ مفهوم البراءة والمفاصلة او دعت الى هجرة المجتمعات والخروج منها، ولا التي حوّلت “البشر” الى معصومين بالاكراه.. ولا التي سعت الى “حكم” الناس “بجبروت السلطان..
كل هذه الصور شكلت لدى امتنا “مخزوناًَ” ثقافيا استمد منه العنف ما يريده من ذرائع، وما يبحث عنه من مسوغات، حتى اصبح عنوانا يتقدم على وجه ما جاء به الدين من عناوين واولويات: اصبح اهم من عنوان الحرية وعنوان الكرامة الانسانية وعنوان “التحضر” والتمدن، وهذا الاخير الذي اقتنصه غيرنا بعد ان فشل “تديننا” في انتاجه.
من الحقل السياسي - ايضا - خرج العنف، فالاستبداد التي “غطى” على هذا المخزون واوهمنا بالامن والاستقرار، دفع الناس الى الانفجار في لحظة مفاجئة، فأخرجوا كل ما بداخلهم من تعصب وضغائن، وفرّغوا “طاقة” العنف المحبوسة فيهم منذ قرون.
لدى غيرنا من الامم استوعب “التحضر” بما فيه من رفاهية وابداع وعدالة وانتاج مارد “العنف”، فحوله عبر سنوات مفتوحة الى تعايش وتسامح وشراكة، ونفخ فيه من روح “الديمقراطية” فأصبح “صراعا سياسيا سلميا” يضمنه القانون العادل وتحميه التقاليد المؤسسية الراسخة، وترسخه “قيمة الانسان” الذي تتقدم حقوقه على كل اعتبارات.
لا يمكن -بالطبع- ان نستبعد “الحقل التعليمي” الذي سقط ضحية لحقل “التدين” وحقل “السياسة” ولك فقط ان تتصور ما نتعلمه في مناهجنا، وما يربط العلاقة بين المعلم والتلميذ، وما تضمره “ادواتنا” التعليمية للقياس واكتشاف “العباقرة” من “عنف” مستتر، يتراكم شيئا فشيئا دا خل النفوس فينتقل من التوتر الى الاضطراب حتى يصبح “مارداً” عنيفا لا يهاب أي شيء.
في الحقل الاجتماعي ايضا حيث انتصرت التقاليد على المفاهيم الصحيحة، يتولد “العنف” ويصبح مراوغا “للبطولة” والنخوة والشجاعة، وتتلذذ الشخصية العربية الطفولية بتمجيد “الابطال” الذين يحملون السيوف، وتكاد لا تعرف شيئا عن النماذج الانسانية الممتدة في تاريخنا التي أسست قيم السماحة والعلم والعفو والمحبة.
إذن، ارجوك لا تستغرب ولا تقف مندهشاً اذا طوقتك اخبار العنف من كل اتجاه، اذا قتلت الشعوب الوديعة نفسها بنفسها، اذا تحولت الجيوش التي انتصرت على اعدائها وحوشاً ضد “شعوبها”، اذا سالت الدماء في صحارينا القاحلة انهاراً تجري، لا تستغرب ذلك لأن لدينا مخزونا لم ينصب بعد من “العنف” المكبوت، وليس لدينا من يجرؤ على الاشارة - مجرد الاشارة - للسؤال المحرج وهو: من أي مخزون خرج كل هذا العنف.. وكيف يمكن أن نجففه؟
(الدستور)