عودة الروح!!
خيري منصور
جو 24 : شاع مصطلح عودة الوعي أو عودة الروح في مصر بعد الرسالة الشهيرة التي كتبها توفيق الحكيم عن فترة حكم عبدالناصر، لكن استخدام هذا المصطلح لم يعد مقتصراً على مناسبته، فقد تسلل الى الحوارات السينمائية والحديث اليومي باللهجة المصرية، وهو اذ يتردد الآن في معظم المناسبات والفعاليات السياسية والثقافية في القاهرة فذلك تعبير عن مرحلة أخرى وسياق مختلف، والمقصود به الآن ليس ما أراده توفيق الحكيم بل هو شيء مغاير تماماً، لأن كثيرا من المثقفين والفنانين والناشطين في مصر الآن يرون في أحداث الثلاثين من يونيو وما أعقبها أمراً شبيهاً بعودة الروح، يتجلى ذلك في اعادة بث أناشيد وبرامج وأغنيات سياسية كانت مخبأة في الادراج والارشيفات لزمن طويل، حتى الاناشيد الجديدة من طراز تسلم الايادي وهي موجهة للجيش أو وقت الشدايد وهي عرفان وشكر لعدد من الاقطار العربية منها الاردن، تبدو وكأنها تنتمي الى زمن آخر، كانت الروح فيه وثابة، والأحلام كبيرة.
ما تمر به الكنانة الآن عسير، لكنه أشبه بمخاض تاريخي، ولديها من الدفاعات والاحتياطي المعنوي والحضاري ما يؤمن الى حد كبير خروجها من الأزمة، وقد لا يرى ذلك من تعاملوا مع مصر سياحياً فهي لا تفتح أبوابها بيسر لمن يطرقها، وهذا ما كتبه عنها حتى مستشرقون من مختلف الجنسيات، والبلاد التي يعيش كل أهلها على أربعة بالمئة فقط من أرضها على ضفاف النيل، لا بد وأن يكون هذا النهر حاكمها الأول، لهذا سماه المصريون النجاشي وهناك أغنية شهيرة لمحمد عبدالوهاب عنوانها النيل نجاشي، وككل الحكام الكبار، كان للنيل عدالته واستبداده ايضاً، فهو يروي الجميع بعدالة ويغسل الموتى من مختلف الطبقات لكنه يغضب أحياناً فيفيض مما يضطر الرعية التي تخشى الظمأ والغرق معاً الى تقديم القرابين اليه، ومنها العرائس والعذارى اللواتي تحول حفيفهن بمرور الزمن الى تراتيل مائية زرقاء وشفيفة!
وهناك شرطان غير سياحيين لمعرفة مصر هما التعرض للغرق في نيلها وقراءة ما كتبه عالم الجيوبولتيك د. جمال حمدان الذي مات في ظروف غامضة في شقته قبل زمن، فهو الذي انفرد بالحديث عن القدر التاريخي والجغرافي لعروبة مصر وهو الذي كتب عن عبقرية المكان من منظور فكري واستراتيجي عميق لا مكان للسياحة فيه!.
وقد لا يعرف البعض ان هناك أمانيتين في عنق من يحكم مصر، يؤدي التفريط بهما أو حتى بإحداهما الى غروبه، الأمانة الأولى هي النيل الذي وصفه هيرودوتس قبل قرون طويلة قائلاً ان مصر هبته.
والأمانة الثانية الوحدة الوطنية، أو عناق الهلال والصليب، وهذا ما تجلى في كل مراحل المقاومة في مصر، وبالتحديد ضد الانجليز وفي ثورة 1919.
ان أهم ما سمعته بالأمس من القاهرة ليس برامج الفضائيات أو الأناشيد أو حتى المظاهرات، بل هو عناق أجراس الكنائس وصوت الآذان في الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السادس من اكتوبر وهي لحظة العبور!!
(الدستور)
ما تمر به الكنانة الآن عسير، لكنه أشبه بمخاض تاريخي، ولديها من الدفاعات والاحتياطي المعنوي والحضاري ما يؤمن الى حد كبير خروجها من الأزمة، وقد لا يرى ذلك من تعاملوا مع مصر سياحياً فهي لا تفتح أبوابها بيسر لمن يطرقها، وهذا ما كتبه عنها حتى مستشرقون من مختلف الجنسيات، والبلاد التي يعيش كل أهلها على أربعة بالمئة فقط من أرضها على ضفاف النيل، لا بد وأن يكون هذا النهر حاكمها الأول، لهذا سماه المصريون النجاشي وهناك أغنية شهيرة لمحمد عبدالوهاب عنوانها النيل نجاشي، وككل الحكام الكبار، كان للنيل عدالته واستبداده ايضاً، فهو يروي الجميع بعدالة ويغسل الموتى من مختلف الطبقات لكنه يغضب أحياناً فيفيض مما يضطر الرعية التي تخشى الظمأ والغرق معاً الى تقديم القرابين اليه، ومنها العرائس والعذارى اللواتي تحول حفيفهن بمرور الزمن الى تراتيل مائية زرقاء وشفيفة!
وهناك شرطان غير سياحيين لمعرفة مصر هما التعرض للغرق في نيلها وقراءة ما كتبه عالم الجيوبولتيك د. جمال حمدان الذي مات في ظروف غامضة في شقته قبل زمن، فهو الذي انفرد بالحديث عن القدر التاريخي والجغرافي لعروبة مصر وهو الذي كتب عن عبقرية المكان من منظور فكري واستراتيجي عميق لا مكان للسياحة فيه!.
وقد لا يعرف البعض ان هناك أمانيتين في عنق من يحكم مصر، يؤدي التفريط بهما أو حتى بإحداهما الى غروبه، الأمانة الأولى هي النيل الذي وصفه هيرودوتس قبل قرون طويلة قائلاً ان مصر هبته.
والأمانة الثانية الوحدة الوطنية، أو عناق الهلال والصليب، وهذا ما تجلى في كل مراحل المقاومة في مصر، وبالتحديد ضد الانجليز وفي ثورة 1919.
ان أهم ما سمعته بالأمس من القاهرة ليس برامج الفضائيات أو الأناشيد أو حتى المظاهرات، بل هو عناق أجراس الكنائس وصوت الآذان في الساعة الثانية وخمس دقائق من يوم السادس من اكتوبر وهي لحظة العبور!!
(الدستور)