jo24_banner
jo24_banner

الإسلاميون.. فشلوا أم أُفشلوا ؟!

حسين الرواشدة
جو 24 : إذا تجاوزنا بعض صور “التمايز” بين نماذج الإسلام السياسي التي تصدرت الحكم في العالم العربي، سواءً بسبب اختلاف طبيعة المراس في الاشتباك تاريخيا مع السلطة، أو اختلاف التجربة في إدارة الشأن العام، أوبسبب الخصوصيات الداخلية والبيئة الاقليمية المحيطة، وهو - بالمناسبة – اختلاف في الدرجة لا في النوع، فإن ثمة تحدياتٍ مشتركة تواجه حركات الإسلام السياسي، وتشكل مفاتيح اساسية لفهم مساراتها، والتنبؤ بمآلاتها القادمة .
يمكن الاشارة الى ان هذه التحديات تنتمي الى حقلين اساسيين، احدهما : ذاتي يتعلق بهوية الحركات الاسلامية وخطابها ومشروعها وادائها السياسي وعلاقتها مع المجتمع والآخر، والحقل الثاني موضوعي يتعلق بالبيئة الداخلية والإقليمية والدولية التي تحيط بالإسلام السياسي، وتتدخل بشكل أو بآخر في ضبط (إيقاعه) والتأثير على مزاجه العام أو تحاول ( القبض) عليه متلبسا بأية أخطاء.
قبل الدخول في التفاصيل علينا ان نتذكر بان الإسلام السياسي بعد التحولات العربية في السنوات الثلاث المنصرمة وصل الى الحكم لكنه لم يحكم، وتعرض لعملية افشال متعمدة ولم يفشل رغم ما ارتكبه من اخطاء، كما انه انصاع لمنطق الديمقراطية ولم ينقلب عليها حتى وان صحت اتهامات خصومه بوقوعه في فخ الاستحواذ على السلطة،، كما يجب ان نتذكر بان ايامه القليلة في الحكم تزامنت مع محاولات جادة للانتقال من اطار المعارضة (غير المعترف بها اصلا)الى اطار الحكم(المرفوض مسبقا) الا ان هذه المحاولات اصطدمت بخطة جرى تصميمها من قبل المتضررين من الثورات العربية اولا، ومن حكم الإسلاميين ثانيا، لاجهاض المرحلة بكل ما حملت؛ ما حرم الإسلام السياسي من فرصة تقديم تجربته بشكل واضح كما حرمنا من فرصة الحكم عليها بعد ان تكتمل.
محاولات الافشال التي تعرضت لها تجربة الإسلام السياسي يجب ان لاتمنعنا من النظر الى الداخل، واقصد هنا حاجة الاسلاميين الى ممارسة النقد الذاتي لمسيرتهم قبل الوصول للحكم وبعده، وحين ندقق هنا في العوامل الذاتية نكتشف بأن الحركات الاسلامية تواجه تحديات عديدة من ابرزها : تحدي الانتقال من فكرة التنظيم الى مفهوم الدولة، ومن منطق الحركة الاممية الى منطق الجماعة الوطنية، ومن اطار الدعوة الى اطار السياسة، ومن محاولة تملك السلطة و الاستحواذ عليها الى ضرورة تحقيق ( التوافق) حولها و التشارك في ادارتها، ومن الاحساس بالمظلومية والتعامل مع الحاضر بدافع الثأرية الى تحمل المسؤولية والخروج من عباءة التجربة التاريخية للإشتباك مع الواقع بما تفرضه اوضاعه ومستجداته من خيارات هنا او اضطرارات هناك .
في سياق هذا النقد الذاتي الواجب على الحركات الاسلامية الفاعلة في الحقل السياسي للانتقال من الراهن الى المفترض والمأمول لابدّ من الانتباه الى ان مفهوم الدولة –كما روج له الاسلاميون سابقا- انتهى مفعوله، فالدولة اليوم ليست ايدولوجية، وإنما دولة وطنية يملكها كل من يقيم عليها، و بالتالي لا يمكن تكرار نموذج الخلافة، و لايمكن قولبة المجتمع ليكون اسلاميا بالاكراه، كما لابدّ ان يتنبه الاسلاميون ايضا الى ان المكسب الاهم الذي حققته الثورات هو “الحرية” وهي افضل بالنسبة لهم من “الحكم” او الوصول للسلطة، ذلك ان الوصول الى المجتمع هو اساس إقامة ( المشروع الاسلامي)، فحين يقتنع المجتمع بالاسلام بدون إكراه يكون قادرا على حمل مشروعه و الدفاع عنه .
على الطرف الآخر يواجه الاسلاميون، تحديات موضوعية تتعلق بالمحيط الداخلي و الخارجي، فعلى صعيد الداخل ثمة خصوم يتوزعون بين قوى سياسية أصيلة واخرى طارئة، وتحالفات معقدة بين العسكر و البزنس، وإعلام تحول الى طرف في الصراع ضدهم، ومجتمع لم يطمئن البعض فيه الى تجربتهم، أما على صعيد الخارج فثمة دول لا تريد لتجربة الاسلام السياسي بشكلها الديمقراطي ان تنجح، سواء بسبب “ المخاوف” من امتدادها وتصديرها او بسبب اصطدام المصالح معها، كما ان حضور اسرائيل في المشهد يدفع (بالغرب) الى العمل على إحهاض هذه التجربة، سواء بسبب “دمغتها” الاسلامية او بسبب قبولها بالخيار الديمقراطي ومبدأ تداول السلطة.
اذن تحتاج الحركات الاسلامية الى التعريف بمشروعها السياسي بشكل واضح لكي يطمئن المجتمع الى صدق نواياها، وسلامة مساراتها وآلياتها، كما تحتاج الى فك الاشتباك بينها وبين التيارات الاسلامية الاخرى التي تدور في فلك المشروع الاسلامي، وتحتاج ايضا الى الانفتاح على الاخر و التخلص من عقدة “ المؤامرة” وإبداع صيغ( للتوافق)الوطني تكون بديلا للصدام و الاشتباك و العنف ومخرجا من ( محاولات) الإفشال التي أصبحت عنوانا لحرمان الاسلاميين من الحكم و تحريض المجتمع ضدهم ودفعهم خارج السلطة والعصر ايضا.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير