التعديل الحكومي.. بين الفشل والعدالة وتغيير النهج
زهير العزة
جو 24 :
واضح أن كل المعطيات تقول إن البلاد تحتاج إلى من يعمل على دحرجة صخرة الاصلاح الشامل،على أمل أن نصل بأسرع وقت إلى ما يمكن ان نسميه بالمكاشفة والواقعية في معالجة وإدارة الملفات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل وحتى العدالة بين المواطنين، وكل تفرعاتها وانعكاساتها على حياة المواطن ،إن كان ذلك بشكل مباشرأو غير مباشر.
العديد من الاخوة القراء إعتبروا ما نشرته في المقال السابق الذي كان بعنوان "التعديل الحكومي بين رؤية الخصاونة وفشل بعض وزرائه" كلام عام فيه تسحيج للرئيس الدكتور بشر الخصاونة، وعدد أخرمن القراء طالب بتوضيح مباشرعن ما ورد في المقال، وازاء ذلك لا بد من القول أن قناعتي الشخصية تصب في صالح النيات الطيبة والصادقة للدكتور بشر الخصاونة، وبعض قليل من فريقه الوزاري ومعاونيه،، الذين يريدون لصخرة الاصلاح أن تتدحرج بسرعة من أجل انقاذ البلاد والعباد ، وهذا ما تأكد من خلال لقاء البحر الميت " عام على الاصلاح" وبنفس الوقت أنا اكيد أن هناك غالبية من الوزراء والامناء العامين ومدراء للمؤسسات التي تملكها الحكومة، لا يستحقون المكانة الوزارية او الوظيفية العليا التي تم وضعهم بها ،حيث أثبت الاداء العام لوزاراتهم أوادائهم وأداء المدراء التابعين لوزاراتهم أنهم قد أغرقوا هذه المؤسسات بالفشل ما إنعكس سلبا على الحكومة ورئيسها ، واضر بالوطن والمواطن. وفي هذا المجال يمكن أن نستشهد بما أكده جلالة الملك في أكثر مناسبة حينما كان يضع إصبعه على الجرح الذي يؤلم الاردنيين في توجيهه للوزراء، والمتعلق بالوضع الاقتصادي والمعاشي والفقر والبطالة الذي تعاني منه الأسرة الاردنية، مشيرا الى أن هناك وزراء متقاعسين أو معطلين للعمل ،وهذا لم يجري مع الحكومة الحالية بل جرى مع حكومات سابقة .
وبالرغم من بارقة التصريحات الاصلاحية التي خرقت ولو نسبيا عتمة الأزمات المتناسلة إلا أنها لم تبدد القلق من تفاقم الأوضاع في الوزارات والمؤسسات الحكومية التابعة لها بل وعلى المستويات كافة خارج إطارهذه المؤسسات كافة،فالأزمات السياسية والمعيشية والصحية والتربوية والمالية والادارية الرسمية، مرشح لها أن تطول إذا لم تبادر الحكومة إلى المضي على خطى الإصلاحات،وأولها إصلاح القطاع العام من أعلى الهرم وليس من القاعدة، فالخلل هناك حيث العبث بتعيين القيادات في مواقع الوزاراء والامناء العامين والمدراء العامين ومدراء الشركات المملوكة للحكومة ومدراء وأعضاء المجالس في الهيئات المستقلة ، وهذا لن يتم الا من خلال تغيير النهج في تشكيل الحكومات.
واقع الحكومة الحالية في الشكل قبل المضمون، فانها تسلك نهج الانتاجية كما يقول رئيسها الدكتور بشر الخصاونة ،بعدما أنجزت حزم إصلاحية او وضعت الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى وقصيرة المدى، لكن في المقابل ومن حيث المضمون لم نجد ان العديد من الخطط الهامة قد تم تنفيذها ، حيث أن مشروع زراعي استراتيجي "على سبيل المثال" لم ينفذ وخاصة في مجال توزيع الاراضي على الشباب من أجل انشاء مشاريع زراعية موجهة من قبل وزارة الزراعة ، وهذا ما كان جلالة الملك قد وجه بالسرعة في تنفيذه، وأوكل الى رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز وضع الخطط والبرامج له، وفعلا قام رئيس مجلس الاعيان بتنفيذ توجيهات جلالة الملك ، لكن وزارة الزراعة لم تتخذ القرار أو أن الحكومة تقاعست لاسباب لا نعرفها، مع أن هذا المشروع سيسهم بحل جزء كبير من مشكلة البطالة، وسيزيد من التصدير ويخفف من فاتورة الاستيراد، ويحقق الامن الغذائي للمواطن، وايضا وامام ما ندركه جميعا كمواطنين من ان هناك بعض المسؤولين قاموا ويقومون باتباع نهج حرف البوصلة عن الاخطاء والخطايا التي ارتكبوها ويرتكبونها، ما أدى الى إرهاق الدولة برمتها من ساسها لرأسها، فأننا نسأل ماذا فعلت مؤسسات الدولة برمتها من أجل تحقيق العدالة بين الاردنيين جميعا؟ والى متى ستستمر سياسة الاقصاء التي يمارسها البعض ممن يتولون المؤسسات على قواعد عدة ،لا مجال لذكرها الان ، وهي أصبحت ظاهرة مخيفة تستشري في جنبات العديد من الوزارة أو المؤسسات وهي تخالف الدستور والقوانين ؟
ونسأل عن الاصلاح الذي أصاب أو مس وزارة الصناعة والتجارة في مجال حماية المواطن من الارتفاع الهستيري للاسعار واستغلال بعض التجار للحاجات الاساسية للمواطن ؟
ونسأل ايضا ماذا فعلت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة مع شركات الاتصالات لتجويد خدماتها المتراجعة ؟ بل نسأل عن ذراعها المختص بالعلاقة مع شركات الاتصالات ونقصد هيئة تنظيم قطاع الاتصالات ، التي لم تحمي المواطن من رفع شركات الاتصالات لاسعار خدماتها دون وجه حق ؟
ونسأل ماذا فعلت وزارة التعليم العالي مع شهادات الدكتوراة او الماجستير المزورة والتي كتب عنها العديد من الزملاء منذ سنوات ولغاية الان ؟ خاصة ان تأثير تلك الشهادات كبيرعلى مؤسساتنا وانتاجيتها من ناحية، ومن ناحية اخرى لها تأثيرعلى خزينة الدولة نظرا لان من يحصلون على مثل هذه الشهادات سيتم حتما زيادة رواتبهم...!؟ كما نسأل ماذا فعلت وزارة التعليم العالي مع الجامعات الخاصة التي رفعت وترفع الاقساط الجامعية دون رقيب او حسيب ؟
ونسأل ماذا فعلت وزارة التنمية الاجتماعية في مجال محاربة الفقر من خلال صندوقها " التنمية والتشغيل وهذا له قصة اخرى سنعود لها في مقال اخر"، وكذلك ماذا فعلت في سبيل مكافحة التسول الذي أصبح ظاهرة عامة تنتشرعند كل مفترق طريق أو إشارة مرور؟ وماذا فعلت وتفعل في سبيل معالجة ظاهرة التخلي عن فتياتنا اللواتي تمت تربيتهن في مراكز الايواء ومن ثم تم إخراجهن للشارع بعد بلوغهن سن الثامنة عشرة دون حماية ؟
ونسأل أيضا ماذا فعلت وزارة الشباب في مواجهة الهجمات الخارجية والداخلية من حملات تشويه والتي يتعرض لها الوطن ؟وهل حصنت وتحصن الشباب ؟وهل قامت بإعداد برامج للشباب مدروسة من أجل محاربة هذه الهجمات وخاصة الاخلاقية ؟
ونسأل ايضا ماذا فعلت وزارة العمل في مجال حماية العامل الاردني من المنافسة مع العمالة الوافدة التي اخذت تستحوذ على غالبية مجالات العمل الحرة او في مجال الشركات والمؤسسات الصغيرة والكبرى ؟ وكيف تبرر الوزارة أن غالبية هذا الكم الهائل من العمالة " الفالته " المتواجدة في الشوارع عند الصباح ممن يعملون في المجالات المهنية الحرة كالطراشة والدهان واعمال التمديدات الصحية والباطون والقصارة والتبليط وغيرها من مهن حرة هم من العمالة الوافدة وينافسون العمالة الاردنية بشكل جائر ؟
كما نسأل عن وزارة النقل وماهي خططها الاصلاحية في مجالات النقل المتدهور من يوم الى اخر؟ وماهو دورها في مجال الطرق المهترئة ؟ وماهو دورها في حل أزمات السير على الطرق ؟ حيث ندرك ونعرف جميعا ان أمانة عمان فشلت فشلا ذريعا في حل مشكلة أزمات السيرفي العاصمة منذ سنوات طوال ، دون ان تتحرك الوزارات للتدخل لانقاذ المواطن من هذه المصيبة اليومية وعلى رأس هذه الوزارات وزارة النقل والاشغال العامة ووزارة الادارة المحلية...!
إن ما أوردته سالفا هو بعض من الفشل في الاداء الذي تعيشه وزاراتنا ومؤسساتنا الرسمية ،والذي يسير مع نهج خلق واقع يكرس سيادة منطق القبول بالفشل على قاعدة "هذا أفضل الموجود " والذي كان عنوان مراحل مرت على المؤسسات خلال العقدين الماضيين من أجل أن يحصل قادة المنظومة التي قادت وتقود البلاد على أساس التقاسم على طبق من المصالح على مبتغاهم من تدمير للقطاع العام ، حيث تم في ظل هذا المنطق إبعاد المخلصين للعمل والمجتهدين والمبدعين والقادة الاداريين أصحاب المبادرات، لانهم لا يسبحون بإسم هذا المسؤول او ذاك بل يسجدون لمصلحة الوطن والمواطن ، وبالتالي طرحنا ونطرح الاسئلة والتساؤلات التي تؤكد أن النهج المتبع الذي كرس تعيين بعض من العاجزين او الفاشلين او المتقاعسين في مراكز متقدمة في مؤسسات الدولة، هو المسؤول عن تراجع أداء القطاع العام وفقدان المواطن الثقة به، أي أن الفشل من أعلى هرم المؤسسات وليس من القاعدة ، حيث أن الادارة الناجحة هي من تقود المؤسسات للنجاح ، وعكس ذلك الادارة الفاشلة، فأنها تقودها للفشل ،وهذا واضح في العديد من المؤسسات والتي قد نتطرق لها في مقالات اخرى .
وللحديث بقية... يتبع